تونس…نموذج لنجاح الديمقراطية مع الإسلاميين
كانت تونس هي مهد ثورات «الربيع العربي»، والآن ترشد مرة أخرى الشرق الأوسط إلى الطريق من خلال نموذج لفوز إسلاميين معتدلين في الانتخابات دون التسبب في أزمة.
لكن الدول العربية التي تسأل هي والعالم الخارجي كيف سيمارس الإسلاميون في تونس تلك السلطة، ستضطر على الأرجح للانتظار لمدة عام على الأقل للحصول على رد قاطع، تقول «رويترز». تظهر المؤشرات المبكرة من الانتخابات التاريخية التي أجريت الأحد الماضي أن حزب النهضة، وهو حزب إسلامي معتدل، سيحصل على أكبر نصيب من الأصوات، لكن دون الحصول على أغلبية من الجولة الأولى، وعلى عكس بعض التوقعات، مرت عملية التصويت بسلاسة وهدوء دون اشتباكات عنيفة بين الشرطة والإسلاميين المتشددين كالتي اندلعت في العاصمة في الأسبوع السابق للانتخابات.
وقال سفيان بن صلاح، وهو محلل سياسي تونسي مستقل، «يظهر هذا النصر أن من الممكن أن يفوز حزب إسلامي غير متشدد في الانتخابات. هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في العالم العربي»، بدأت موجة الاضطرابات التي تهز العالم العربي في تونس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما أضرم محمد البوعزيزي الذي كان يبيع الخضراوات في مدينة سيدي بوزيد النار في نفسه احتجاجا، مما أشعل نار الانتفاضة التي عمت كل أجزاء البلاد.
وبعد أسابيع، اضطر الرئيس السابق زين العابدين بن علي للفرار إلى المملكة العربية السعودية، منهيا بذلك فترة حكمه التي استمرت 23 عاما، ومست الثورة التونسية وترا في دول عربية أخرى تعاني مشكلات مماثلة. اندلعت نيران الثورات في مصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، كما اندلعت احتجاجات أقل حدة في المغرب والجزائر والأردن والكويت وسلطنة عمان، وفي الدول التي سقط زعماؤها لاح في الأفق سؤال جديد، وهو ماذا لو أتاحت الحريات والديمقراطية الجديدة للإسلاميين الذين همشتهم أنظمة حكم علمانية لعقود تولي السلطة؟
قدمت الانتخابات التي أجريت الأحد بهدف اختيار أعضاء المجلس التأسيسي الذي سيكون أمامه عام لصياغة دستور جديد، بعض الإجابات. وقالت ليز مارتينز، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك «إتش إس بي سي» في دبي «أعتقد أن النتيجة السلسة وعدم وجود اضطرابات أمر مشجع، لكنها خطوة أولى وليست الأخيرة في رحلة تونس للديمقراطية»، وستبرز الدروس المستخلصة من التجربة التونسية أول ما ستبرز في مصر حيث اندلعت أول ثورة عقب الثورة التونسية وحيث ستبدأ عملية التصويت في انتخابات برلمانية من ثلاث مراحل في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ومن المتوقع أن يكون حزب الحرية والعدالة، وهو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التي يوجد بها قواسم آيديولوجية مشتركة مع حزب النهضة التونسي، الأوفر حظا، ويقول البعض إن انتصار حزب النهضة سيقوي موقف الإسلاميين المعتدلين في مصر في سباقهم مع المتشددين للاستحواذ على النفوذ في الشارع العربي، وقال خليل العناني، وهو محلل سياسي مصري في جامعة درهام البريطانية «أي انتصار (لحزب النهضة) سيساعد (الإخوان)، باعتبارهم صوت الإسلاميين الليبراليين والمعتدلين في مصر».
وأضاف «أعتقد أنه إذا فاز الإسلاميون في تونس، فسيدفع هذا الإسلاميين في مصر لتهدئة المخاوف والسعي لإقامة تحالفات وائتلافات مع قوى علمانية وليبرالية»، ومضى يقول: «أعتقد أنه سيمنح (الإخوان) نوعا من القوة المعنوية للمضي قدما، ولن تتضح في الفترة الحالية دروس ملموسة بدرجة أكبر»، فانتقال تونس للديمقراطية على مراحل ونظامها الانتخابي المركب، يعني أن حزب النهضة لن يستحوذ على السلطة فعليا في الوقت الراهن، وإلى جانب صياغة دستور جديد، سيختار المجلس التأسيسي رئيسا مؤقتا للبلاد وحكومة جديدة، لكنها مجرد خطوة في اتجاه وضع دستور جديد. وستتحول المعركة السياسية الفعلية إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرجح أن تجرى في أوائل عام 2013.
وأغلب التوقعات هي أن يكون حزب النهضة الحزب الأكبر في المجلس التأسيسي، لكنه لن يحصل على الأغلبية الكافية، مما قد يجبره على التحالف مع خصوم علمانيين، وأظهرت نتائج غير رسمية من بعض المناطق أن حزب منصف المرزوقي، وهو معارض يساري أمضى سنوات في المنفى في فرنسا، جاء في المركز الثاني، وأعلن المرزوقي، زعيم حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، أنه مستعد للتعاون مع «النهضة». لذا، قد يصبح الحزبان شريكين في ائتلاف في نهاية المطاف، وحزب النهضة نفسه يفضل تشكيل ائتلاف، ربما خشية أن تقع اللائمة عليه وحده إذا وقعت أي مشكلات.
وقال جان بابتسيست جالوبان، وهو محلل في مؤسسة «كونترول ريسكس» العالمية للاستشارات في مجال المخاطر، التي يقع مقرها في لندن، «لم يبد (النهضة) خلال الحملة أنه في عجلة للحكم، على الرغم من أنه حتى الآن هو الحزب الأكثر شعبية بفارق كبير»، وأضاف «أعتقد أن المشهد السياسي سيظل مائعا نوعا ما على مدى السنة المقبلة، ومن غير المرجح أن نرى انقساما واضحا بين الأحزاب المختلفة»، وإذا كان بالإمكان تأجيل المعركة على السلطة، فإن الاقتصاد المتعثر لا يمكنه الانتظار، كان الغضب من نقص فرص العمل في بلدات صغيرة مثل سيدي بوزيد هو شرارة الثورة في تونس. لكن، منذ ذلك الحين لم تعمل السلطات التي تقوم بتسيير الأعمال بمجهود يذكر لعلاج هذه المشكلة.
كما أن الأحوال المالية للحكومة خطيرة نظرا لابتعاد السائحين بسبب الاضطرابات التي شهدتها البلاد بعد الثورة مع كون السياحة مصدرا رئيسيا للدخل. وتقول وزارة المالية إن البلاد ربما لا تشهد أي نمو اقتصادي هذا العام، وقالت مارتينز من «إتش إس بي سي» «بدلا من توفير فرص العمل كما كان يطالب المحتجون في يناير (كانون الثاني). من المرجح أن تكون الثورة قد أدت إلى ارتفاع في البطالة». وأضافت «سيكون هناك ضغط على المجلس حتى يظهر أنه يتخذ أي خطوة».
الشرق الأوسط