أرشيف

صورة الفنان الحقيقية: أعمال دافنشي في معرض بلندن

 بي بي سي : بعد إعداد استمر خمس سنوات كاملة، ينطلق في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني فعاليات أكبر معرض في التاريخ لأعمال فنان عصر النهضة الإيطالي العملاق ليوناردو دافنشي وذلك في معرض الفنون الوطني البريطاني “ناشيونال غاليري”.
ويقول لوك سيسون المشرف على المعرض إن المتاحف التي تقتني أعمال دافنشي في مختلف أنحاء العالم قد وافقت بعد جهد على المشاركة بما لديها من لوحات نادرة لذلك الفنان الكبير، ليصبح معرض لندن هو “أكبر مناسبة في التاريخ تجتمع فيها لوحات نادرة لدافنشي”.

 


بي بي سي أجرت اللقاء التالي مع لوك سيسون حول المعرض ومراحل إعداده واللوحات التي ستعرض به.
هل تذكر اللحظة التي واتتك فيها فكرة إقامة هذا المعرض؟
بدأنا التفكير في المعرض قبل خمس سنوات، وتحديدا عندما بدأنا ترميم النسخة التي لدينا من لوحة “السيدة العذراء على الصخور”، وهي من أعمال دافنشي، وبدا وقتها أن إقامة معرض بمناسبة هذا المشروع قد يكون أمرا صائبا.وقد أدركت أنه بالرغم من أنه سبق وأقيمت معارض كثيرة لأعمال ليوناردو دافينشي، وأذكر منها الذي أقيم في هايورد عندما كنت صبيا، إلا أنه لم تسبق إقامة معرض كبير يركز على دافنيشي كرسام فحسب من ناحية ، ويجمع أكبر عدد ممكن من لوحاته النادرة التي لا تزال سليمة حتى الآن، من ناحية أخرى.
أحقا.. تلك مفاجأة .. فكيف ذلك؟
نعم، فمن الأشياء التي لاحظتها أثناء مرحلة البحث للتحضير للمعرض أن كل جيل يخترع ليوناردو دافينشي خاصا به، وفي أواخر القرن العشرين، كان دافينشي الحاضر هو العالم الفيزيائي صاحب الاختراعات المدهشة التي سبق بها كثيرين من علماء عصره.
ولذا كان من المهم بالنسبة لناشيونال غاليري أن يقدم صورة مصححة للتعريف عن دافينشي الرسام، وهو أقرب الصفات إلى دافينشي الحقيقي، لإن موهبته الفذة تجلت في الرسم أكثر من أي مجال آخر، ومن المثير أن نترقب لمعرفة ما إذا كان هذا التقديم لتلك الشخصية الفذة سيجذب انتباه الناس في الوقت الحاضر.
كيف قررت تحديد اللوحات التي يضمها المعرض؟

كان الشراء هو إحدى الوسائل، وربما أصعبها، لإن لوحات دافينشي التي يمكن شراؤها شحيحة للغاية، وأندر منها اللوحات السليمة المتاحة للبيع. وكانت هناك لوحات نعرف من البداية أن أصحابها لن يسمحوا بإقراضها لنا بأي حال من الأحوال، وأعني هنا بالتحديد لوحة الموناليزا في متحف اللوفر في باريس، فهي لن تغادر باريس أبدا، وكذلك لوحة “العشاء الأخير” التي لن تغادر متحف ميلانو إيطاليا، ومن المثير أن المعرض سيضم نسختين من لوحة “السيدة العذراء على الصخور” ستعرضان جنبا إلى جنب وكلتيهما بريشة دافينشي.
الحل إذن هو الإقتراض من المعارض والمتاحف الأخرى.. فكيف يتم ذلك ؟

هناك نظام لذلك، فبالنسبة للمعارض التي لنا تنسيق وعلاقات معها، تكون هناك مشاورات هادئة ومباشرة منذ البداية المبكرة للتخطيط للمعرض، ويتم فيها الإتفاق على كل التفاصيل بما فيها النقل والتأمين وأسلوب العرض لدينا وكل ما يتعلق بالعمل الفني، لذلك بدأنا مشاوراتنا منذ وقت مبكر مع اللوفر والفاتيكان.
ومن حسن حظنا أن نحو ثلث اللوحات المقترضة في المعرض جاءت من قصر “وينزور” لدينا هنا في بريطانيا، وتحديدا من تلك المجموعة الرائعة من لوحات دافينشي التي تمتلكها الملكة.
والواقع أنه لولا سخاء المشرفين على لوحات دافينشي في وينزور لما كان هذا المعرض ممكنا.
ثم لجأنا إلى مؤسسة تسارتوريسكي لاقتراض لوحة “العذراء المتشحة بالفراء” والتي تعد من أهم اللوحات التي نجحنا في اقتراضها، لأن الحصول عليها كان صعبا، وقد بذلنا جهدا كبيرا في إقناع أصحابها بإقراضها لنا.
معنى ذلك أن اللوحات التي اقترضتموها في المرحلة الأولى كانت دافعا كي تحاولوا الحصول على لوحات أخرى مقترضة من متاحف أخرى، أليس كذلك؟

هذا صحيح تماما، والحقيقة أن كل من يقرض لوحة يريد أن يعرف ما الفائدة التي ستعود عليه من ذلك. بل إن إقراض اللوحة قد يسهم في مزيد من تعرف صاحبها عليها وتعريف العالم الخارجي بها، لذلك فإن متحف الأرميتاج في موسكو، على سبيل المثال، أقرضنا لوحة “العذراء ليتا” والقائمون عليه يدركون أننا جمعنا كل الرسومات الأولية “الاسكتشات” التي رسمها دافنيشي استعدادا لتنفيذ تلك اللوحة ، وأن المعرض سيكون فرصة لعرض تلك الرسومات واللوحة الاصلية معا للمرة الأولى.
إلى أي حد تسعى المعارض والمتاحف المقرضة للحصول على شيء في مقابل إقراض مالديها من أعمال فنية؟
الأمر يختلف من حالة إلى أخرى ويعتمد في الوقت نفسه على درجة علاقتنا مع هذا المتحف أو ذاك. ففي حالة اللوفر لدينا علاقات متميزة وفوق الرسمية، ويحرص مسؤولو الناشيونال غاليري في لندن واللوفر في باريس على متابعة ما يحدث في الإتجاهين وخاصة في مجال المقتنيات الجديدة والتصنيفات الفنية واساليب الترميم وغيره من أوجه التعاون.
ولكن من المفهوم طبعا أن المتحفين كليهما لديهما برامج عرض نشطة ومزدحمة طوال العام ومن الضروري أن يراعي كل منهما ظروف الآخر.
وبالنسبة لمتحف الأمبروزيانا في ميلانو فإن لديهم مجموعة صغيرة من أعمال دافينشي، ولذلك كانت موافقتهم على إرسال لوحة “صورة عازف الموسيقى” أمرا في غاية الصعوبة واستغرقوا وقتا طويلا للتفكير قبل الموافقة.
وقد عرضنا عليهم أن نرسل لهم لوحة “الميلاد الإلهي” التي رسمها عملاق إيطالي آخر هو بوتشيلي، وتصادف أهم كانوا يقيمون معرضا صغيرا لبوتشيلي في نفس التوقيت الذي عرضنا فيه إرسال تلك اللوحة، ممأ أقنعهم بتوسيع نطاق معرضهم بلوحة ثانية له قادمة من بريطانيا، وهكذا أصبحت عملية التبادل جادة ومفيدة للطرفين.
إلى أي حد تشعر المعارض الأخرى بالخوف تجاه فكرة نقل لوحاتها إلى الخارج؟

جميع تلك المؤسسات الفنية طلبت تطمينات وضمانات بشأن أسلوبنا في نقل اللوحات وكذلك قدرتنا على توفير الظروف المناخية الصناعية المناسبة لعرضها بما في ذلك درجة الرطوبة والحرارة والإضاءة في مساحة العرض المحددة للوحة، بل إن البعض طلب وضع كل لوحة في صندوق زجاجي ذي مواصفات خاصة بكل لوحة على حدة.
ماهي الحالة التي توجد عليها الآن لوحات ليوناردو دافينشي؟

معظم لوحات دافينشي رسمت على خشب الجوز، وليس على الشدات المصنوعة من لب الورق “الكرتون” المعتادة في ذلك العصر، وقد لعب ذلك دورا هاما في تمكيننا الآن من نقل تلك اللوحات، لإن خشب الجوز صلب وأكثر مقاومة لديدان الخشب، ولذلك يمكن القول إن لوحات دافينشي في معظمها بحالة جيدة.
والواقع أننا حتى الآن لا نعرف من كان صاحب فكرة استخدام خشب الجوز، لإن دافينشي نفسه كتب أن ذلك كان بمبادرة منه، ولكن اللوحات التي أبدعها في فلورنسا، وأشهرها الموناليزا، جاءت مرسومة على شدات لب الورق، والأرجح أنه كان يرسم لوحاته على ما يجده متوفرا في المكان الذي هو فيه.
ما هي اللوحة التي تفخر بأنك استطعت استقدامها إلى المعرض؟

من المؤكد أن فرصة مشاهدة نسختين معا من لوحة “السيدة العذراء على الصخور” للمرة الأولى في التاريخ هو سبق فني كبير، خاصة وأنه من المؤكد أنه لن يتكرر ثانية.
هل هناك لوحة ندمت لإنك لم تتمكن من جلبها؟

الحديث عن ذلك ربما لا يكون مفيدا، ولكني سأشرح لك على أي حال. أنا حزين بشده لأن هناك لوحة رائعة لدافينشي في تورينو بإيطاليا، وهي تصور وجه إمرأة شابة، وقد كان المعتقد أنها مجرد رسم أولي “سكتش” لصورة الملاك الذي يظهر في لوحة “السيدة العذراء على الصخور” والموجودة في متحف اللوفر.
ولكن بعض الخبراء والنقاد يؤكدون أنها صورة شخصية للسيدة الجميلة “سيسيليا جاليراني”، وربما كانت عشيقة دافينشي في وقت من الأوقات، ولذا فإن وجود تلك الصورة مع لوحة “السيدة العذراء على الصخور” في معرض واحد كان سيجعل المقارنة رائعة.
ولكن ما حدث هو أن معرض تورينو شرع في إقامة معرض عن دانفينشي بما لديه من لوحات ، ومن بينها لوحة الملاك أو سيسيليا جاليراني ، وللحقيقة أنه معرض كان مخططا له منذ وقت طويل وكان من الصعب تغيير ذلك الموعد.
وبصفة عامة فإن تزامن معارض دافينشي في أكثر من متحف أمر يثير الدهشة لإن كل تلك المعارض تحظى بإقبال منقطع النظير ، كما أن تلك المعارض تعكس غزارة إنتاج ذلك الفنان العظيم.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى