أرشيف

بنغازي اليمنية أرض اختبار للانتفاضة الوطنية

تشكّل تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، أرض اختبار لمفهوم الوحدة اليمنية، لا للانتفاضة فحسب، فكما قادت بنغازي الليبية المعارضة ضد القذافي، كذلك تحولت تعز إلى عماد الانشقاق السياسي في اليمن.

 


يكثر الحديث في تعز عن الاستقلال، فقد تحولت هذه المدينة اليمنية الجنوبية المحاطة بتلال خضراء إلى محور اهتمام معارضةٍ وقفت قبل 10 أشهر في وجه علي عبدالله صالح ونظامه الذي يتحكم بالبلاد منذ ثلاثة عقود، فبينما ابتُلي اليمن وتعز والجنوبيون عموماً بالاضطرابات والعنف، تحول تفكيرهم إلى موضوع قديم، ألا وهو الاستقلال.

 


خلال الأيام الأخيرة، اشتعلت أعمال العنف مجدداً في هذه المدينة، مع مقتل عدد من الناس وإصابة عشرات آخرين في مواجهات مع القوى الأمنية، وتذكر تقارير أن بعض وحدات الجيش، التي انضمت إلى المتظاهرين، تصادمت مع قوات الحكومة، فتعرضت المنازل لقصف مدفعي، وتظهر الأشرطة، التي عرضها هواة على شبكة الإنترنت، انفجارات كبيرة دوّت في أرجاء المدينة المختلفة في وضح النهار.


يعتبر الرئيس صالح، الذي عاد أخيراً من المملكة العربية السعودية، تعز بنغازي اليمنية، معقل الثورة، والمدينة التي قد تقود حملة ضده. لذلك، ضربتها قواته بيد من حديد.

 


تشكّل تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، أرض اختبار لمفهوم الوحدة اليمنية، لا للانتفاضة فحسب، فكما قادت بنغازي الليبية المعارضة ضد القذافي، كذلك تحولت تعز إلى عماد الانشقاق السياسي في اليمن.

 


تحتل تعز مكانة فريدة في هذا البلد، الذي يعد 24 مليون نسمة، فهي مركز فكري بارز يعكس الإرث العلماني لعهد الاشتراكية في الجنوب. فحتى اندلاع الثورة، كانت تعز مدينة آمنة مفعمة بالحياة اشتهرت بدعمها للحركات السياسية الناشئة.


وعلى غرار بنغازي، شكلت مهد الثورة، فقد عمت المدينة حملة عامة هاجمت حكم صالح، وتزدان شوارع المدينة اليوم بصور توكل كرمان، ناشطة معارضة حازت جائزة “نوبل”.

 


تشكل تعز أرض اختبار، فإذا كنا لا نزال نصدق أن صالح جاد في وعده بانتقال السلطة سلمياً والحفاظ على وحدة البلاد، ففي تعز ستتحول هذه السياسة إلى واقع، إلا أن المؤشرات لا تبدو واعدة.

 


لا يزال صالح مصراً على أنه سيتخلى عن منصبه كرئيس، مع أنه لم يحدد متى، وفي الخطاب الذي ألقاه يوم السبت، عبّر صالح مجدداً عن تأييده للخطة الانتقالية التي طرحها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد دعاه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي إلى القبول بهذه الخطة والتنحي.

 


بموجب هذه الخطة، التي وعد صالح مراراً بتوقيعها إلا أنه تراجع في اللحظة الأخيرة، سيفوض الرئيس معظم صلاحياته إلى نائبه، الذي سيحظى أيضاً بصلاحية الدعوة إلى انتخابات مبكرة. تشمل هذه الخطة تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية وتعيد بناء القوى المسلحة.

 


في الأسبوع الماضي، نقلت وكالة الأنباء الحكومية، “سبأ”، عن ميشال سيرفون دورسو، سفير الاتحاد الأوروبي المقيم، تفاؤله بأن صالح سيتخلى عن منصبه قريباً، وأن عيد الأضحى “سيشكل مناسبة للإعلان لليمن وللعالم أن اليمن انتقل إلى مرحلة جديدة”. إلا أن ذلك لم يحدث.

 


بعد تجدد الاعتداءات على تعز، برزت مرة أخرى المشاعر المؤيدة للاستقلال، ما دفع بعض الفصائل إلى مناقشة ضرورة إدراج مفهوم الجنوب المنفصل في أجندته أو إجراء استفتاء بهذا الشأن في المستقبل.

 


تحاول المجموعات السياسية المختلفة في الجنوب، الذي كان مستقلاً في الماضي، التوصل إلى موقف مشترك، بعد أن التقت للتحاور في القاهرة في شهر أكتوبر.

 


لطالما راودت فكرة الانفصال أهل الجنوب، الذي اتحد (بتردد في بعض مناطقه) مع الشمال عام 1990. يتمتع الجنوب بمساحة أكبر، وعدد أقل من السكان، ومستويات تعليم أفضل، وموارد طبيعية أغنى. أما من الناحية الحضارية، فثمة اختلافات كبيرة بين جزأي اليمن، إذ يُعتبر الشمال أقرب إلى المملكة العربية السعودية، في حين تجمع الجنوب روابط قوية بدول أخرى من خلال التجارة. ويؤكد الجنوبيون أنهم مُنعوا من الإدلاء بأصواتهم وحُرموا من المناصب السياسية البارزة، منذ أن أمسك صالح، من أهل الشمال، بزمام السلطة.
لا شك أن بعض هذه الادعاءات صحيح، لكن صالح لم يعمل على تعزيز قوة الشمال، بل قوة مؤيديه.

 


بخلاف الحرب الأهلية التي اندلعت في اليمن في تسعينيات القرن الماضي، لا تتعلق هذه الانتفاضة بالصراع بين الشمال والجنوب. فالآلاف الذين نزلوا إلى الشوارع في صنعاء يُظهرون أن هذه حركة شعبية وحدت اليمنيين الشبان.


وكما أظهر مقال نشرته هذه الصحيفة للمراسل محمد القاضي عن مجريات يومين من الأحداث المذهلة التي تشهدها صنعاء، تحولت العاصمة إلى مدينة محاصرة، وقد حُرم سكانها من كل مظاهر الحياة الطبيعية.

 


كانت رسالة كرمان، التي اكتسبت شهرة كبيرة بعد فوزها الشهر الماضي بجائزة “نوبل” للسلام، أن كل اليمن يتعذب على مرأى من المجتمع الدولي، وبرهنت كرمان أنها قائدة حكيمة وقديرة. فرغم كونها جنوبية، ترفعت عن الخلافات السياسية المحلية وحتى القومية لتدعو إلى حل حقيقي، شامل، وعادل.

 


لا يزال الحديث عن الاستقلال في تعز سابقاً لأوانه، فلا تقتصر الثورة اليمنية على منطقة محددة أو مدينة واحدة، بل إنها ثورة الشعب اليمني لأجل الشعب اليمني.

 


في الأشهر الأخيرة، حاول صالح ومؤيدوه تقسيم المعارضة على أمل التوصل إلى طريقة تتيح لهم البقاء في السلطة، وعلى الجنوب أن يقاوم هذه المحاولة. فقد أمضى صالح وقتاً طويلاً وهو يؤلب شعبه المجموعة على الأخرى، لذلك، من الضروري اليوم محاربة الانقسام.

 


لا شك أن أهل تعز والجنوب يودون خوض معركتهم الخاصة للفوز بالاستقلال، إلا أن اليمن يحتاج إلى الوحدة اليوم أكثر من أي وقت مضى، أما إذا كان هذا البلد سيتحول إلى نظام فيدرالي أو يحافظ على وحدته أو ينال الجنوب استقلاله، فهذه مسائل تُحل في مرحلة ما بعد صالح. وبالنسبة إلى اليمن، لم يولِّ عهد صالح بعد.

 

المصدر : الجريدة – كتب: Faisal al Yafai -The National

زر الذهاب إلى الأعلى