تحليل إخباري : تسوية يمنية على الورق وخلاف مستمر على الأرض ـ عادل الصلوي ـ صحيفة الخليج
لم يحل التوقيع النهائي على وثيقة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في العاصمة السعودية الرياض دون استمرار مظاهر التصعيد العسكري والأمني والتبادل المحموم للحملات الإعلامية بين طرفي معادلة الأزمة اليمنية القائمة، وهما حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأحزاب المعارضة الرئيسة في البلاد .
وتراجعت مساعي التطبيع المفترضة عن تدشين مهام إزالة خريطة المتاريس والتحصينات والخنادق التي حولت المدن الرئيسة، بخاصة العاصمة صنعاء وتعز إلى ما يشبه ساحات حرب محتملة وسحب المجاميع القبلية الحاشدة من الشوارع والأحياء السكنية وإعادة وحدات الأمن والجيش إلى الثكنات لتظل الأوضاع على حالها وكأن الاتفاق الذي وقع قبل أيام فقط وحبره لم يجف بعد، لم يوقع من الأساس .
تخلي الرئيس صالح بموجب توقيعه على وثيقة المبادرة الخليجية عن صلاحياته الكاملة لنائبه عبدربه منصور هادي الذي توارى بدوره عن الأنظار وعن واجهة مشهد الأزمة، ليطل مجدداً في هيئة قرار رئاسي يدعو من خلاله الناخبين إلى التوجه لصناديق الاقتراع الرئاسية في الحادي والعشرين من شهر فبراير/ شباط المقبل، فيما لم تحل توجيهاته اللاحقة بالتهدئة لوزارة الداخلية وقيادة الأمن المركزي والنجدة دون تصاعد مظاهر التحفز المسلح واستمرار التعزيزات العسكرية والأمنية في التوافد على مناطق التماس الرئيسة في العاصمة صنعاء واستخدام العنف المفرط في قصف الشوارع والأحياء المكتظة بتعز والمناطق والقرى القبلية بمديريات نهم وأرحب وبني جرموز والحيمتين الداخلية والخارجية، وجميعها تقع ضمن نطاق محافظة صنعاء .
واعتبر الناشط السياسي المستقل حيدر عبدالرب العيدروس في تصريح ل”الخليج” أن اتفاق التسوية السياسية الموقع قبل أيام في الرياض يبدو مقارنة بما يعتمل على الأرض في الداخل وكأنه مجرد تطبيع للأوضاع على الورق لاغير، مشيراً إلى أن الرئيس صالح بعد توقيعه على وثيقة المبادرة الخليجية لا يزال يمارس صلاحياته الرئاسية التقليدية في إدارة تحركات الأمن والعسكر والظهور اليومي عبر وسائل الإعلام بصفته الزعيم القائد، صاحب السلطة المطلقة في البلاد .
وقال الباحث العيدروس: “لا شيء تغير أو تحرك على الأرض منذ توقيع الاتفاقية وحتى اليوم، فالأوضاع لاتزال رهن واقع من المراوحة المبهمة وباستثناء قرار نائب الرئيس الأول بصلاحياته الرئاسية الجديدة بدعوة الناخبين للاقتراع الرئاسي يمكن القول إن الأطراف المتصارعة على السلطة عادت من الرياض ليس لتباشر مهام التطبيع وإنهاء مظاهر وتداعيات الأزمة ولكن لتستأنف حلقات الصراع التي بدأت قبل 10 أشهر” .
ورأى أن إنشاء قواعد عسكرية جديدة لقوات الحرس الجمهوري التي يقودها نجل الرئيس في تخوم العاصمة صنعاء بمنطقة “بني حشيش” وتصعيد وتيرة العمليات العسكرية الموجهة ضد مناطق القبائل في مديريات أرحب، نهم وبني جرموز واستمرار المواجهات والمناوشات المسلحة بين القوات الموالية للرئيس صالح والمؤيدة لثورة الشباب، بالترافق مع تصاعد المخاوف من اقتحام عسكري وشيك لتعز ونشر المزيد من القوات والمجاميع القبلية الموالية والمناوئة، كل هذه المعطيات التي لا تزال ماثلة على واجهة مشهد ما بعد توقيع المبادرة الخليجية، دفع العديد من المراقبين إلى التشكيك بموضوعية في إمكانية أن تكون التسوية السياسية المبرمة في الرياض بمثابة نقطة الضوء في نهاية نفق الأزمة اليمنية المظلم .
واتهم الناشط السياسي في ساحة الحرية بتعز عبدالكريم أحمد البناء في تصريح ل”الخليج” الرئيس صالح بالسعي إلى إجهاض التسوية السياسية الطارئة، التي تم التوقيع عليها من قبله في الرياض من خلال الاستمرار في تحفيز وتشجيع ممارسات التصعيد من خلال مواصلة فرض الهيمنة على توجهات القوات الموالية ودفعها إلى افتعال المزيد من التصعيد على الأرض والتجييش وحشد الأسلحة وكأنه بصدد خوض حرب وشيكة وليس التراجع إلى مربع التقاعد بعد 33 عاماً من حكم اليمن .