أرشيف

حكومة باسندوة تعتزم إعلان عدن عاصمة سياسية لليمن والسامعي يتهم القبيلة والسعودية بالوقوف أمام تطلعات الشعب

في الأيام الأولى للمواجهات التي دارت  في الحصبة بين أولاد الشيخ الأحمر وقوات صالح توافد الآلاف من المسلحين القبليين إلى الحصبة بناء على دعوة من الشيخ صادق للدفاع عنه وعن إخوانه؟

مسرح العمليات خلف وراءه كما هائلا من الخراب  والدمار الذي طال مؤسسات الدولة ومنازل المواطنين، وحينها ارتفعت أصوات مناديه بوقف المواجهات وإخراج المسلحين وعودة القوات إلى ثكناتها العسكرية.

بيد إن اصواتا اهرى خرجت عن طورها خرجت لتطالب بأهمية اختيار عاصمة جديدة لليمن بعد إن أضحت صنعاء عرضة لنزوات القبائل المجاورة لها.

وثمة دعوات أطلقت عبر الفيسبوك وأخرى عبرا لصحف كان لها دور في البحث عن عاصمة تليق باليمنيين المدنيين ودعاة المدنية بعيدا عن عاصمة القبائل والعسكر.

وقبل أكثر من خمسة أشهر نشرت عدد من الصحف في مقدمتها البلاغ الدعوات المطالبة باختيار عدن عاصمة للدولة المدنية.

وقبل أكثر من أسبوع تحدث النائب سلطان السامعي – أحد قادة الثورة والقيادي في جبهة إنقاذ الثورة – عن ملامح الدولة التي ينشدها اليمنيون.

السامعي أكد في حديث مع قناة العالم إن اليمنيون يسعون إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، مؤكدا إن الجارة السعودية هي من تقف عائقاامام أحلام اليمنيين، ليضيف بذلك التأكيد إلى ماكان قد أشار إليه النائب أحمد سيف حاشد.

ومع إن الحكومة أطلقت وعودا بأنها سوف تحقق أهداف الثورة اليمنية، لكن ذلك لا يعني بأن تنفض اعتصامات الشباب ويتركوا الساحات لمجرد أن الحكومة قد التزمت بتحقيق أهداف الثورة.

ومع إن الدولة المدنية التي ينشدها الشعب تتعارض مع طموحات الجنرال العسكري ومع أماني شيخ القبيلة، فإن البحث عن خيارات لتحقيق أهداف الثورة ستبقى قائمة طالما وأن الهدف الأول لم يتحقق بعد.

الوعود الحكومية لا يمكن التعويل عليها خلال الفترة الحالية، فالتوجهات بإطلاق كل المعتقلين لمتنفذ بعد والنائبان الدكتور ناصر الخبجي وصلاح الشنفرة مايزالان في لحج والضالع، ويخافان من الحضور إلى مجلس النواب وحقوقهما مصادرة منذ اكثرمن عامين.

وتوجهات الأحزاب نحو ممارسة مزيد من الضغط على المعارضين للمبادرة الخليجية، وفرض سياسة الأمر الواقع من قبل أحزاب السلطة ومحاولة إسكات الأصوات الرافضة والمقاومة للمبادرة الخليجية لن تجد نفعا، فالأحزاب السياسية المرحبة والموقعة على المبادرة من حقها الذهاب نحو منح الحصانة وتزكية المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية، ومن حقها تقاسم السلطة والدخول في شراكة طالما وهي مؤمنة بأن كل خطواتها تصب في اتجاه التغيير.

ومن حق الآخرين رفض المبادرة والاتجاه نحو إسقاط النظام وإقامة الدولة المدنية الحديثة دولة العدل والمساواة، ومن حقهم مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة طالما وان الديمقراطية كفلت للجميع حقوقا متساوية، ومن حقهم رفض سياسة الأمر الواقع الذي كان سببا في خروج اليمنيين للشوارع والساحات لمقاومة سلطة الاستبداد.

صحيح إن العلاقة بين أحزاب السلطة والشباب لم تعد كما كانت منذ إن وقعت الأحزاب على المبادرة وحولت الثورة إلى أزمة وأخرجت النظام من المأزق الذي حشره الشباب فيه.

ومع هذا يسعى الطرفان الشباب والأحزاب في السلطة نحو إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، في حين إن الهدف الأول بالنسبة للشباب لم يتحقق بعد والمتمثل في إسقاط النظام بكل رموزه.

رغم إن الأحزاب تؤكد إن العقبة الوحيدة إمام الديمقراطية وأمام الدولة المدنية الحديثة قد تمت إراحته من السلطة ولم يبق سوى خطوات الانتقال إلى الهدف الثاني للثورة وهو إقامة الدولة المدنية.

بيد إن حالتي الرفض والفرض تقومان على سجال غير متكافئ بين حلفاء الأمس، مع إن الواقع يؤكد إن العلاقة لم ينفرط عقدها بعد، حيث لا يزال هناك متسع لعودة العلاقة بينهما، لكن وان عادت لن تكون كسابقتها، فالموازين يجب إن تتغير والنظرة الدونية يجب إن تعدل، فالشباب الذين كسروا حاجز الخوف وخرجوا ضد نظام صالح وأجبروه على الرحيل هم على استعداد لإسقاط النظام بكل رموزه.

ربما إن عاما من الثورة الشبابية الشعبية كان كافيا لاكتشاف أشياء ومعرفة حقيقة بعض القوى، كما انه كاف لتصحيح مسار الثورة بعد إن خرجت الأحزاب منها، وان كانت اليوم تمارس دور السلطة والمعارضة، غير إن الأشياء بمسلماتها تناقض بأنها لا تزال في الثورة، ربما إن احد أخطاء الشباب إن السياسة عزلتهم عن الممارسة الثورية وجعلتهم اسري النخب السياسية بعد إن عجزوا عن التوحد في كيان ثوري واحد، كان من الممكن الراهن عليه في الحسم الثوري.

حتى مع مرور عام من انطلاق الثورة يبقى الشباب جزء غير موحد يرفع المطالب ولا يوجد من يمثلها يتحدث باسمه.

تتجه حكومة الوفاق إلى إعلان عدن عاصمة سياسية لليمن وفقا للمعلومات التي تحدثت عن إن رئيس الحكومة يسعى وبالتعاون مع شركات استشارية إلى إعداد تصاميم لمدينة عدن لتكن عاصمة بدلا عن صنعاء، حيث من المتوقع إن تضم أجزاء كبيرة من محافظتي أبين ولحج اللتين قالت المعلومات إن عواصمها ستتغير، حيث ستكون لودر عاصمة أبين والحبيلين عاصمة لحج .

وبحسب المعلومات فإن عدن عاصمة سياسية سيكون على الأرجح منتصف العام الحالي بعد إن يتم إنشاء مقار للوزارات الحكومية.

وأرجعت الأسباب إلى نقل عاصمة إلى ما حدث في صنعاء خلال العام الماضي، والى الممارسات القبلية التي تنفذ من حين لآخر في العاصمة صنعاء، الأمر الذي افقدها مكانتها كواجهة لليمنيين والزائرين الأجانب.

يأتي هذا بعد أيام من مطالبات كانت قيادات سياسية وفكرية وتنويرية قد دعت إلى اختيار عدن عاصمة جديدة لليمن بعد أحداث الحصبة وما سبقها. وكانت حركة شباب 3 فبراير للتغيير قد دعت في وقت سابق إلى ضرورة اختيار عدن كعاصمة سياسية لليمن تمهيدا إلى الانتقال إلى الدولة المدنية نظرا لما تحتله عدن من مكانة مرموقة في قلوب اليمنيين، ولسعيها للتمسك بالمدنية على عكس ما هو حاصل في صنعاء التي لم تتمكن من تطويع القبيلة لصالح المدنية، بل العكس فقد تمكنت القبيلة بمفهومها العام من إحكام قوانينها وأدواتها على قوة التحديث والمدنية حتى صارت صنعاء عاصمة الاستفزاز والغلبة.

وكان بيان صادر عن شباب 3 فبراير للتغيير بإب الأسبوع الماضي قد رحب بالأخبار عن نية الحكومة اختيار عدن عاصمة سياسية لليمن، وأوضح البيان الذي حصلت البلاغ على نسخة منه إن من شأن تلك الخطوة إن تمهد لانتقال الثورة إلى الهدف الثاني وهو إقامة دولة مدنية حديثة ديمقراطية بعد إن حولت قوى الفيد والنهب صنعاء إلى خراب، وقسمتها وفقا إلى مشاريع القبيلة ونزاعاتها المتغطرسة، وأشار البيان إلى إن القوى المدنية تساند الحكومة في تلك الخطوة على طريق بناء الدولة المدنية الحديثة، باعتبار إن تكون على قدر من المدنية وتكون قدوة لباقي المدن الأخرى، ولذا فإن عدن التي كانت عاصمة سياسية واقتصادية هي الحل الأمثل لتكون عاصمة لليمن.

وتناقل الشباب عبر الفيسبوك أخبار اعتزام الحكومة الانتقال إلى عدن لتكون عاصمة سياسية واقتصادية لليمن، وانقسم الشباب بين مؤيد ورافض، على اعتبار إن الهدف الأول لم يكتمل بعد.

وكانت آخر التسريبات قد أكدت أن الحكومة جادة في جعل عدن عاصمة لليمن وأن الحكومة تعكف حاليا على الأعداد لاختيار عدن عاصمة جديدة، وأن جهات استشارية سوف تعمل على تصاميم مخططات عالمية لإنشاء وحدات ومجمعات حكومية، لإضافة إلى إنشاء مطار دولي جديد وفق تصاميم ودراسات عالمية سيكون في الحوطة، التي ستنضم إلى العاصمة، وكذلك مدينة زنجبار، كما سيتم إنشاء سكك حديدية يربط عدن بمدن أخرى، ووفقا لأحد المواقع الالكترونية فإن السكك الحديدية تأتي بناء على الطلب الخليجي السابق الذي كان قد تكفل بتقديم الدعم المالي  له.

صنعاء التي سيتم الإعلان عنها كعاصمة تاريخية لليمنيين هي على موعد قد لا يسر القوى القبلية والعسكرية النافذة التي شوهت أهم مدن اليمن من خلال استباحتها المتكررة، وطالما كانت تلك القوى مستندة إلى محيط قبلي عزز من حضور القبيلة على حساب  القوى المدنية التي لم تتمكن من اختراق القبيلة وترويضها لصالح المدنية.

ربما إن تلك الخطوة الجريئة إذا ماتمت وكتب لها النجاح سوف تكون إحدى ثمار الثورة الشبابية التي سوف تحسب لصالح حكومة باسندوة وان كان الأهم في هذا أنها تمثل البداية نحو الانتقال إلى الدولة المدنية الديمقراطية، إذ لا يعني اختيار عدن عاصمة لليمن بأننا قد انتقلنا إلى الدولة المدنية، وبالتالي فإن الهدف الثاني قد تحقق وبذلك نكون قد حطمنا حلم الشعب بالدولة المدنية، لمن الصحيح إن ذلك سوف يسهل من إقامة دولة مدنية بمفهومها العام، كما انه سيخدم الحكومة في فرض سلطة الدولة، وإيجاد قانون قوي عادل يحتكم إليه، باعتبار إن المدنية هي مقدمة لإرساء دولة النظام والقانون، ولعل ما تردد في اليومين الأخيرين من محاولات القوى القبلية والعسكرية إعاقة عمل الحكومة في السير باتجاه إعلان عاصمة جديدة لليمن نابع من إحساسهم بأن نفوذهم سوف يقل وان اختيار عاصمة بدلا عن صنعاء معناه  أنهم لن يمارسوا أدوارهم التي اعتادوا عليها خلال الفترة الماضية، كما إن النهج الذي اختطوه في أذهان قبائلهم سيتغير، وعليه لا بد من إفشال توجهات الحكومة لتبقى صنعاء مسرحا لهم ولقبائلهم يمارسون طقوسهم حين يريدون شيئا ما من الحكومة.

وقد رحب الجنوبيون بالأخبار الجديدة، وقالت قيادات جنوبية بأن ذلك خطوة بالاتجاه السليم لرد الاعتبار لعدن ولدورها النضالي، كما انه بداية لإنصاف الجنوب، واعتبرت قيادات أخرى في الحراك بأنها خطوة متأخرة لن تجدي نفعا إمام مطالب الجنوبيين في استعادة دولتهم..

وإذا ما صحت تلك التسريبات الإعلامية فإن ذلك شيء يحسب للمناضل باسندوة الذي ربما أراد إنشاء دولة مدنية حديثة، وسيكون باسندوه وفريق عمله في الحكومة إمام تحديات صعبة لا يمكن تجاوزها دون إن تكون هناك عزيمة قوية، فالقبيلة المتواجدة بقوة في شمال الوطن والعسكريون الشماليون، طبعا ليس كلهم، سيكونون أول عقبة إمام طموحات وأحلام الشعب في الانتقال إلى الدولة المدنية.

يعرف المناضل باسندوة إن قرارا كهذا لن يكون سهلا، لكنه ليس بالصعب ولا بالمستحيل، طالما وان الأغلبية العظمى من اليمنيين يحلمون بدولة العدل والقانون، ودولة المساواة.

يدرك باسندوة وهو رجل سياسي ووطني من النادرين في هذا البلد إن توجهات الرئيس الراحل إبراهيم ألحمدي نحو إقامة دولة مدنية جعلته يدفع ثمن ذلك حياته، ليخسر الوطن احد أعظم رؤسائه ويخسر الدولة التي ينشدها، لكن مازال الحلم باقيا حد تعبير جبران خليل جبران.

الجنوب الذي قدم الوحدة ولديه تطلعات بدولة مدنية ديمقراطية كان يعيش في دولة مدنية غير ديمقراطية انصدمت قيادات الجنوب بشيوخ وعسكر لا يؤمنون بالمدنية، ما جعلهم عرضة للاغتيالات السياسية، ومحل تكفير لدى القوى المتعجرفة في شمال الوطن من التكفيريين، ولم يستطع قادة الجنوب في السنوات الأولى من الوحدة إن يجعلوا صنعاء خالية من السلاح، وهو شعار يرفعه الجميع، ليكون السلاح موجها إليهم من قبل النظام في صنعاء والقبيلة والعسكر والقوى الرجعية، ليخسر الاشتراكيون معركتهم العسكرية لكنهم لم يخسروا الحلم في بناء دولة مدنية طالما وان ذلك الحلم هو غاية شعب..

صحيح إن نظام صالح لم يكن جادا في التوجه نحو الدولة المدنية دولة المؤسسات والقانون، وربما إن دهاء صالح كان اكبر بكثير من الحالمين بالدولة المدنية.

يمكن القول بأن الرجل كان يدرك بأنه سينصدم بالقبيلة وبالعسكر الذين أستند عليهم طوال سنوات حكمه، والحقيقة إن ما أوصل صالح إلى سدة الحكم هي القبيلة، وحين حاول التخلص منها كانت هي أول من وقفت ضده وتخلصت منه، لكن الموقع الرئاسي الكائن في محيط قبلي لا يصلح إطلاقا إن ينطلق منه مشروع الدولة المدنية، وبالتأكيد ا ناول من سيقف ضد الدولة المدنية التي يريدها الشعب ستكون القبيلة، كونها المستفيد الوحيد منذ مابعد ثورة 26 سبتمبر والى اليوم.

إن محاولات الخروج من وسط المحيط القبلي بحاجة إلى وقوف جاد من قبل القوى التقدمية والثورية المدنية مع توجهات الحكومة، فبعد أكثر من نصف قرن من ثورة سبتمبر لم يتمكن اليمنيون من إقامة دولة مدنية، وهو شيء مؤسف بحق دعاة المدنية وبحق الساسة والأحزاب.

ومن العيب في حقنا كمثقفين وصحفيين وإعلاميين وأكاديميين وغير ذلك أن انتفضنا ضد النظام، أو إن نقبل إن يسير توجهاتنا المستقبلية إعلام القبيلة.

     تقرير/ بسام قائد

       عن صحيفة ” البلاغ” العدد 959 الثلاثاء 31يناير2012

زر الذهاب إلى الأعلى