أبعاد المطبخ الدموي لاستهداف جرحى الثورة الشبابية ، حاشدالقباطي !

 

يمنات – خاص – منصور السروري
كان المفترض ان ينفذ المطبخ الدموي للجرائم السياسية في تاريخ اليمن المعاصر جريمته يوم 11 فبراير باغتيال قائد الثورة الشعبية احمد سيف حاشد القباطي كما يحب أن يصفه بذلك المفكر والكاتب المخضرم الأستاذ عبدالباري طاهر .
بيد أن القيمة التي يكتسبها يوم 11فبراير في ذاكرة الانتفاضة الثورية الشعبية السلمية أجلت مخطط الاغتيال لليوم التالي حتى لا تتأكد الحقيقة من أنهم هم الجناة الحقيقيون الذين دائماً يجهدون لمواصلة اقتناص رموز الوطن الشرفاء ، إما بالقتل أو بالإخفاء أو بالطرد حتى لا يصير اغتيال احمد سيف في هذا اليوم اثباتاً لما يردده الشارع من أن مراكز القوى النافذة لم تلتحق بالثورة إلا لتحمي نفسها منها، وللتآمر عليها من داخلها.
وحال نفذت جريمتها في يوم 11 فبراير إنما ستكشف عن حقيقتها تماماً ، وستفضح نفسها .
لهذا السبب أرجأت عملية الاغتيال الفاشلة إلى اليوم التالي لذكرى 11فبراير، أي إلى يوم 12فبراير لتنفيذ جريمتها.
إن تباين المواقف الاعلامية "الرسمية – الحزبية – الاهلية" وطبيعة تعاطيها قبل وبعد جريمة الاعتداء على جرحى الثورة ووكيلهم النائب حاشد ــــ الذي نال وتعرض للقسط الأكبر والأخطر من العنف الوحشي نجا منه بفضل الجرحى والمتضامنين الذي استماتوا دون أن يجهز ذلك العسكري على حياته بكل ما أوتوا من قوة ــــ تؤكد تورط أطراف في السلطة، ومراكز قوى نافذة في البلاد في التخطيط والتنفيذ للجريمة إلا أن تثبت كل تلك الاطراف عكس ذلك أي بما يزيح الشبهة عنها ودون ذلك تظل محل شبهة.. أما كيف ولماذا؟.
لأن تأريخنا مليء بالمعطيات التي تؤكد حقيقة ما سنأتي عليه.
ولأن مضمون الابعاد المباشرة والبعيدة في محاولة الاغتيال الفاشلة هي ان القوى التقليدية الجديدة القديمة لا تزال في غيها وبلادتها واجرامها غارقة متناسية ما حدث من تغير وتطور في البنى العقلية، وفي ادوات التواصل الاعلامي يستحيل معهما حجب الحقائق أو تزييف وخداع الرأي العام، وهو تبلد جعلها تواصل استخفافها بالمتغيرات وإلا ما كانت لتختار اليوم الثاني لـ "11فبراير" من ناحية أولى، وتختار احمد سيف حاشد من ناحية ثانية لما بين الاثنين الحدث الثوري، والنائب الثوري من تلازم روحي وثيق .
إن أحمد سيف هو أول من قاد الثوار من ليلة سقوط بن علي في تونس حتى أول ليلة اعتصام دشناها صباح يوم 20فبراير أمام بوابة جامعة صنعاء ، وكنا من داخل بيته التي اطلقنا عليها حينها" بيت الأمة" إسوة ببيت الزعيم المصري الخالد الذكر سعد زغلول داخل بيت الأمة يتوارى الثوار عن عيون الأمن ، ويعدون للمسيرات اليومية التي يدفع وحده ومن قوت عياله تكاليف ملصقاتها وطبع منشوراتها ، ومعالجة من يصابون على حسابه والتفكير بكيفية إخراج الناس وحشدها للثورة في وقت كانت فرائص أدعياء الثورة اليوم ترتعد لمجرد ذكر لفظة ثورة أمامها .
وخلال هذه الفترة حد علمي كان على تواصل مع شباب في تعز بل اتذكر انه سافر خلالها والتقى بعدد منهم قبل 11فبراير لهذا الغرض.
وقد تطول التفاصيل بتلك الايام لهذا أوجز قائلاً: لم يكن ثمة رمز وطني يستند عليه الشباب والطلاب واوائل الثوار غير احمد سيف حاشد في وقت كان الكثيرون فيه يسخرون منه ومن الشباب.. البعض ممن يجني ثمار الثورة اليوم كان يدبج قصائد الولاء ، ومدائح التبجيل لـ " صالح " ونظامه غير البائد… بل أتذكر أن شباباً من تجمع الاصلاح في الأيام الاولى لاعتصام ساحة التغيير كانوا مجمعين على أنه هو قائد الثورة الشبابية الطلابية الأول، وأنا على ثقة من اولئك الذين سمعتهم حينها يقولون بذلك مازالوا علي يقين في وعيهم الباطني من انه كذلك قائد الثورة رغم كل ما تقوم به وسائل اعلامهم السوداء من تعمد الاساءات والتشويهات لهذا الانسان الاستثناء.

أولاً : أبعاد المخطط ، والنتائج المنشودة

إن اغتيال احمد سيف حاشد في هذا الظرف التاريخي من تاريخ اليمن كان يمكن أن تُحقق من وراءه القوى الخفية المخططة لاغتياله حال لم يفشل النتائج التالية:
1ــ أن اغتيال اشهر ناشط حقوقي يمني كشف ذات يوم سجونهم غير القانونية، وكشف مظالم سجناء لا ذنب لهم سوى ذنب مخالفة ورفض سياسات وفساد اركان النظام السابق.
مناضل حقوقي تجده في مقدمة صفوف المضطهدين دائما داعماً مناصراً للفقراء ، والمساكين من اصحاب البسطات والمفرشين، إلى دعم الموظفين المسحوقين، والمواطنين المنكوبين الذين تدوسهم اعقاب المشائخ، وبيادات العساكر والنافذين، إلى دعم المعتقلين، والمخفيين، والمطاردين والصحفيين وناشطي الحراك الجنوبي وصولاً إلى قضايا الشهداء وجرحى الثورة الشعبية السلمية وكل من له مظلمة.
إن اغتياله هنا يعني اسكات أكبر صوت مناصر لأصحاب الحقوق، ويعني ايضاً أننا غداً لن نستطيع ان نتظاهر او نضرب أو نعتصم لان مصيرنا لن ينتهي إلا بالمصير الذي انتهى اليه احمد سيف حاشد.
وهذه هي النتيجة التي تسعى اليها القوى التي تقف خلف محاولة الاغتيال الفاشلة وهو بعد غير مباشر.
2ـــ اغتيال رمز الثورة الاول لما يمثل ذلك الاغتيال في تقديرات خاطئة لدى القوى المستفيدة من انها باغتياله من ناحية تعلن عن انها ماتزال قوية وقادرة على فرض وجودها، وان من يفكر بشطبها سيكون هذا مصيره، ومن ناحية تالية اغتيال الثورة في الوعي المجتمعي ووجدانه، والاكتفاء بما تحقق من إسقاط صالح وحده وحتى لا يفكر الثوار المطالبة بأكثر من ذلك، ومن ناحية ثالثة حتى لا يظهر أو يتوالد في المستقبل ثوار من طراز احمد سيف حاشد.
3ـــ اغتيال حاشد يعني اغتيال المشروع الوطني الكبير باعتباره من ابرز الزعماء الوطنيين المعاصرين الرافضين تأجيل أو ترحيل المشروع الوطني إلى زمن اخر، وباعتباره لا ولن يقبل بأنصاف ثورة .. فكيف اذا كانت نتيجة اعظم انتفاضة يمنية تاريخية لم تحقق سوى واحد من عشرة بالمئة من مطالب الشعب التي لم تتبلور حتى اليوم في صيغة أهداف وطنية مشتركة !.
4ـــ اغتيال حاشد القباطي يعني استمرار اغتيال الرموز التعزية فقد خُطط لاغتياله خطة تقوم على قاعدة "ان تضربه القبائل ضربة واحدة فلا تقوى بنو هاشم على استرداد دمه من القبائل" وهي ذاتها القاعدة الاجرامية التي عُمل بها عقب احداث السبعين يوم عام 1968م عندما اجتمعت القوى القبلية، والملكية المتجمهرة، وكبار ضباط الجيش الذين هربوا من العاصمة أثناء الحصار عندما تآمر الجميع على بطل حرب السبعين ورمز انتصار ثورة سبتمبر البطل عبد الرقيب عبدالوهاب الذبحاني، على نحو طائفي جبان وحاقد حيث سحلوه في شوارع صنعاء العاصمة لحق ذلك تطهير شبه شامل لكل ثوار تعز الأحرار بتهمة التهور حد وصف الاستاذ عبدالله البردوني في مقال له عنوانه " الثورة بين التأسيس والتصحيح" حيث افاد " أن المتصالحين بعد حصار السبعين تخلصوا من الابطال الحقيقيين المنتصرين بتهمة المتهورين" وكان قوله صائباً حيث لم يقف التخلص عند حد التخلص من بطل فك الحصار ، وإنما تجاوزه إلى الإطاحة بكل أبطال فك الحصار ، من ضباط ، وجنود ، والمنظويين بالمقاومة الشعبية ، ورموز الحركة الوطنية التاريخية ، وكل الرموز الوطنية اللاحقة ، التي سارت على دربهم حيث انتهوا بين شهداء، ومشردين هربوا إلى الجنوب، ومخفيين قسرياً، ومقصين من وظائفهم، ونزلاء في السجون، واسألوا إلى جانب عبد الرقيب عبدالوهاب كيف انتهت حياة كل من :
الصانع الأول للحركة الوطنية الحديثة والأب الروحي لها الأستاذ أحمد محمد نعمان ،عبد الغني علي الحروي الملقب بأبو الاقتصاد اليمني ،عبدالغني مطهر رجل المال الذي أنفقه في سبيل دعم الحركة الوطنية وثورة سبتمبر ، ودعم المقاومة الشعبية لفك الحصار عن صنعاء التي كان يرأسها ، وعبد القوي إبراهيم حاميم السروري أول وزير خارجية بعد الثورة ،وجازم الحروي ، وعبد القادر سعيد أحمد طاهر الأغبري قائد القطاع الشبابي للمقاومة الشعبية لفك الحصار ، أحد مؤسسي الجبهة القومية في عدن والحزب الديمقراطي الثوري اليمني في الشمال ، والبطل عبد الرقيب الحربي نائب قائد مدرسة الصاعقة ونائب رئيس هيئة الأركان العامة في حرب السبعين يوماً ونائب عبد الرقيب عبدالوهاب ، ومحمد مهيوب الوحش أحد ابطال حرب السبعين ،وحمود ناجي قائد مدرسة المظلات في فك الحصار ، والشهيد محمد احمد محمد نعمان (ابن الأستاذ) والذي يوصف بأدبيات التاريخ الحديث أنه فاق اباه ، ويعتبر رائد الليبرالية واول من دعا لحوار بين الأطراف اليمنية وعمل سفيرا لليمن بأكثر من دولة ورئيسا للوزراء ووزيرا ًللخارجية وله عدد من المؤلفات اشهرها " الأطراف المعنية في اليمن " ، وكيف اغتيل في بيروت بظروف ما تزال غامضة حتى اليوم ؟ ويقال أن القوى التقليدية اغتالته لأنه كان بمثابة مشروع سياسي تلتقي وتتفق حوله كل الافرقاء المختلفة فاغتيل خوفا ًمن أن يكون ذات يوم الرئيس المناسب لليمن ، ومحمد علي عثمان عضو المجلس الجمهوري ،والشيخ ابراهيم حاميم صاحب اول دعوة لفكرة توحيد تعز بعد ان قتلوا ابنه عبد القوى أول وزير خارجية يمني ، ولا ننسى الشيخ أحمد سيف الشرجبي والشهيد المناضل عيسى محمدسيف وعبدالسلام مقبل اول من عبرا عن رفضهما لأن يحكم البلاد شخص متخلف، وعصابة خبيثة حقودة بليدة فقادا حركة اكتوبر الشهيرة التي انتهت بخيانة أودت إلى استشهادهما بالإعدام ، وسلطان امين القرشي ، عبدالوارث عبد الكريم ، وعلي خان ، وطه فوزي ، وعبدالله محمد سيف ، وعبده محمد المخلافي أحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في اليمن ، والشهيد المهندس ماجد مرشد سيف ، الصحفي الشهير عبد الحبيب سالم مقبل، وعلي سيف حاشد القباطي الأخ الأكبر للقاضي أحمد سيف حاشد ….. الخ القائمة التي لا حصر لها ؟
اسالوا تعز عن هذه الاسماء الخالدة المضيئة في تاريخ اليمن الحديث اسالوها ماذا قدموا من تضحيات بأموالهم وانفسهم؟
وبماذا كانوا يحلمون؟ وكيف انتهت حياتهم؟
ليس وحدهم بل كل أبناء القبائل الشرفاء الذين كانوا على ذات درب الهدف الكبير المتمثل ببناء دولة مدنية حديثة هم أيضا سقطوا بين شهداء ومخفيين ومطاردين ومشردين!!!!
لهذا تظن تلك القوى العابثة بمصير هذا البلد وهي تبني تقديراتها الخاطئة على معطيات الماضي من أن الاعتداء على الجرحى واغتيال احمد سيف حاشد سيكون حدثاً ليس له صدىً كبير، وسيمر مثله مثل أسماء سبق أن قدمتها محافظة تعز أضحية على طريق التغيير والتحديث اضطرت بعدها الصمت لأكثر من ثلث قرن، وبالقياس إلى ذلك الماضي ظنت أن اسكات حاشد سيكون كذلك.. هكذا سولت لتلك العصابة نفسها ووعيها متجاهلة ما حدث من فارق كبير في الوعي الاجتماعي والوسائل الاعلامية كفيلان أن لا يمرر مثل هكذا مخطط قذر.. صحيح أنه نجح في الماضي باغتيال عبد الرقيب عبدالوهاب، وعشرات الرموز الوطنية لكنه اليوم فشل في اغتيال حاشد كما ستفشل كل مخططاتها المضادة للثورة لأن الزمان قد تغير. هذا الزمن إنما هو زمن العقل الجديد ، والفضاء المفتوح لا زمن المشاريع العسقبليية التقليدية المتخلفة الملحقة بالخارج من أعداء اليمن في التاريخ الحديث وهي ستفشل ايضاً لأن الله تعالى لن يمرر لها جرائمها المتكدسة فالله مع الحقائق، لا مع الاباطيل، مع الصادقين لا مع الكاذبين، ودينه ليس كرة يتقاذف بها اللاعبون كما تشاء تلك القوى لحراسة مصالحها.

ثانياً : المعطيات المؤشرة لأطراف الجريمة

إن السؤال الذي نسوقه هنا هو : ماهي المعطيات التي دفعت هذه القوى مجتمعة أو متفرقة لارتكاب الجريمة البشعة أخلاقياًودينيا وحضارياً على الجرحى ومحاولة اغتيال النائب حاشد واختيارها لفرقة مكافحة الشغب لتنفيذ هذه المهمة؟.
يمكن الوقوف على المعطيات التي سرعت بدفع المطبخ الدموي لتنفيذ مخطط استهداف الجرحى، وحاشد من خلال العودة إلى السيناريوهات التي رافقت صدور حكم المحكمة الادارية من منتصف شهر نوفمبر أواخر العام المنصرم حتى يوم الاعتداء إذ تبلورت المعطيات على مدى الأيام الماضية على النحو التالي:
1ــ تم التعاطي مع قضية الجرحى، ووكيلهم النائب حاشد تعاطياً أقل ما ينعت به بالصفق لتصويره للقضية أنها من قبيل المزايدة السياسية من قبل كل من رئيس الحكومة، وصخر الوجيه، ومن يقف خلفهم من شيوخ القبائل الكبار، والجنرالات العسكرية، ووسائل اعلامهم إلى درجة اتهام الجرحى وحاشد بالباحثين عن الشهرة ، وهي نفسها الاسطوانات المشروخة التي الفناها طيلة فترة حكم النظام غير البائد عبر خطاباته ، ووسائل اعلامهم بوصف كل من يطالبهم بحق وطني مكتسب مصادر عندهم بالأصوات المزايدة ، ولكم وُصفنا بها وبغيرها عند كل فعل نقوم به حتى اعتدنا على ان أي مطلب سنعبر عنه سوف نوصف بالمزايدين .
وفي حين كنا نتوقع أننا انتهينا من تلك الاسطوانة إذا بها تعود على نحو أشد بذات التهمة لتصف بها الجرحى والمتضامنين معهم خاصة حاشد دونما يستحوا من وصف الجرحى المصابين بعاهات شرع الدود يأكل بعض أصحابها بالمزايدين.. فأين المزايدة يا باسندوة وأنت يا صخر وثمة حكم صدر قبل شهرين ونصف الشهر يقضي بمعالجة الجرحى ويحدد حتى مكان العلاج في كل من المانيا وكوبا؟.
2ـــ سعى صالح لتوظيف القضية ضد الحكومة غير ان الجرحى وحاشد رفضوا عرضه بعلاجهم على حسابه الخاص ، وهذا الرفض بحد ذاته يمثل لطمة سددت بوجه المزايدين الحقيقيين ممن استحوذوا على ثورية ووطنية الجرحى وحاشد ، وهي لطمة أيضا وجهت لصالح نفسه.
3ــ مجيء صخر الوجيه إلى ساحة الحرية وقيام بعض الجرحى والمتضامنين معهم بمهاجمته على نحو مخز ومهين كانت أقوى من لطمة على وجهه أشعلت جذوة الحقد في قلبه لا شك ضد حاشد تحديداً وهذا بحد ذاته من المعطيات التي سرعت بعملية الانتقام .
4ــ ارتفاع شعارات تردد بين وقت وأخر من قبل بعض المتضامنين الذين لا يستطيع احد تبين حقيقة نواياهم … أهم مدفوعون من جهة ما ويعملون لصالحها ضد جهة أخرى ؟
أم هم مدفوعون من جهة بهدف إفشال الاعتصام ، وإلحاق الهزيمة بالجرحى ، ووكيلهم البرلماني حاشد ــ فهم يحبون لغة الانتصارات حتى وإن كانت على ضلال نحو 94م ــ وكذلك طز بحكمك يا قاضي بدر الجمرة ؟ .
أم هم مندفعون لرفع تلك الشعارات المنددة بالأحمرين " اللواء علي محسن،والشيخ حميد الاحمر" من منطلق أن الاثنين يدعمان صخر الوجيه وعبدالقادر قحطان وباسندوة ؟
أم اندفاعهم لرفع تلك الشعارات ناتج عن احتراقهم على تجاهل حقوق إخوانهم الجرحى والواقع الأليم الذي صاروا إليه ؟
أم هي قلة خبرتهم السياسية التي تجعلهم يخلطون في تلك الشعارات بين الهدف الذي هم معتصمون لأجله وهو التضامن مع الجرحى ضد الحكومة ، وبين الشعارات التي يرددونها ضد الأحمرين مع أن المعني بالتضامن ضده كما قلنا الحكومة ، وليس الأحمرين اللذين يرى المتضامنون أنهما يقفان ضد رغباتهم الثورية لإحداث التغيير المنشود ؟
ثمة شعارات اخرى ضد مؤسسة وفاء، لكونها واحدة من الجهات التي عرقلت سفرهم ، وتاجرت بسفريات بعض الجرحى ، ووصل الأمر أن قام بعض ممن ينتمون لها – حد وصف احد الجرحى لي- بالاتصال به وتحديه لـ "الجرحى" بأنهم لن يسافروا مهما عملوا ، او اعتصموا ، وطلب منه إقناع بعض الجرحى لترك النائب حاشد ، والمجيء إلىمؤسسة وفاء وهي ستعمل على تسفيرهم للعلاج عبر مؤسستها .
إن الشعارات التي هاجمت كل هذه الأطراف والجهات التابعة لها دفعت الأخيرة لضرب الجرحى ، بل والذهاب إلى اغتيال حاشد خصوصاً بعد تصريحاته الأخيرة بالمؤتمرات الصحفية وغيرها بمبالغ 2مليار و252 مليوناً ريال ( صرفت من باسندوة وصخر الوجيه خارج القانون لكل من مؤسسة وفاء ، وجامعة الإيمان ، جمعية الإصلاح ، والحكمة ) في وقت يتذوق فيه الجرحى ويلات الآلام من الإصابات ، وموجات البرد القارسة، وطعنات الجوع الكافرة دونما يتحرك للحكومة ، وهذه المؤسسات والجمعيات وقياداتها أدنى ذرات الشعور الإنساني ، والرحمة باعتبارها كما تدعي خليفة الرحمن على الأرض ، وإنما على العكس بدلاً من الاستحياء والخجل الباعثين على الصمت يتبجحون ويبهررون ويتهمونهم ويا للأسف بالمزايدين .
كل هذه الحقائق الساطعة تعري الجميع ابتداء من الأحمرين إلى صخر الوجيه فعبدالقادر قحطان فباسندوة ، وجميعها دوافع كافية بالنسبة إليهم هم وحدهم لكونها تهدد مصالحهم .. دوافع تحثهم على إسكات هذه الاصوات التي تعريهم ، وتكشفهم عن حقيقتهم ويجب في وعيها انطلاقاً من المثل القائل "نتغدى بهم قبل أن يتعشوا بنا" وقبل أن يشعلوا ثورة كان لابد من إسكاتهم أي الجرحى ، وحاشد إلى الأبد.
5ــ قيام صحف محسوبة على الاصلاح وبعض مواقعه بمحاولة خلط الأوراق من ان السبب يعزى إلى "صراع بين باسندوة، وجوهرة حمود حول الموازنة يؤخر علاج جرحى الثورة" كما صرح بذلك موقع وصحيفة الاهالي، وهو اسلوب خبيث الهدف منه نقل الرأي العام من الانتقاد لباسندوة والوجيه إلى القيادية الاشتراكية جوهرة حمود وزيرة الدولة لشئون مجلس الوزراء وتحميلها كامل المسئولية هي وحزبها على حساب المعنيين الحقيقيين بالأزمة وهو اسلوب دأبت عليه القوى الخفية حينما تخطط لعمل اجرامي كبير فتبدأ تلك القوى بالدعاية الاعلامية المبكرة .. تلحقها بالخطاب الديني التحريضي عبر منابر المساجد .. ليأتي بعد ذلك التنفيذ الاجرامي لمخططها وهو ذاته الذي اتبع تحديداً مع حاشد منذ زمن يسبق الثورة بثلاثة أعوام حينما تم تكفيره والاحتساب ضده في منتصف فبراير 2008م من قبل أعضاء في مجلس النواب من الاصلاح والمؤتمر معاً .
6ــ الخوف من أن يؤدي تطويل أمد الاعتصام إلى اخراج الفئات الصامتة عن صمتها وقوى الثورة عن صبرها إلى ساحة الحرية جوار رئاسة الوزراء للتضامن مع الجرحى، وما قد يلحق ذلك من ارتفاع منسوب المطالب إلى إسقاط الحكومة التي إن سقطت فقد تطيح بمصالح كل بقايا النظام غير البائد الملتحفة بلبوس الثورة، والمنطوية سرائرها على لعن الثورة وكل ما يمت إلى الثورة بصلة.
إن هذا الخوف إلى جانب المعطيات (الخمسة السابقة) جعلت المطبخ الدموي القديم الذي ظل يخدم صالح سابقاً إذ ثبت ان الاخير لم يكن سوى كرت طيلة سنوات حكمه بيده "جعله يطبخ بليل مخططاً لضرب المعتصمين لكونهم ليسوا إلا مزايدين، ومدفوعي الأجر ، ويهددون التسوية السياسية، ولو أدى ذلك إلى تصفية رمز الثورة الأول حاشد القباطي فليكن خصوصاً أن الحصانة قد منحت جميع أعضاء المطبخ الدموي حصانةً من أية محاسبة قد تطالهم حتى أنها أعادتهم طاهرين من جرائمهم الوحشية ضد ضحاياهم الأبرياء كيوم ولدتهم أمهاتهم .
ولا أدل على ذلك من التصريح الذي نشرته المصدر عن باسندوة بتساؤله: هل نعلن الحرب على المانيا، ونغزوها لأنها لم تمنحنا تأشيرات تسفير الجرحى؟.
تساؤل ينضح بالسخرية، وإيحاءات تحمل في عرفنا السياسي دلالات سياسية معكوسة مضمونها هو اعلان الحرب على الجرحى وغزوها داخل ساحة الحرية التي لم تغادرها منذ خمسة عشر يوماً عندما صرح بذلك وهو ذاته اليوم الذي تم الاعتداء فيه على الجرحى وحاشد الذي يرقد الان فوق سرير بأحد المستشفيات.
إن الاعتداء الآثم على جرحى ثورة 11 فبراير يوم 12 فبراير، ومحاولة اغتيال الزعيم الوطني الثوري احمد سيف حاشد القباطي المنهك بسبب الاضراب عن الطعام إلا من نصف لتر حليب في اليوم الواحد على مدى ايام الاعتصام وبقوة مكافحة الشغب التي نفذت الجريمة على تلك الصورة العدوانية المتوحشة لًتؤكد على ثمة اتفاق ابرمه المطبخ القديم الجديد برعاية كل القوى الخائفة على مصالحها. وعلى مراكز القوى التي تقول أنها غير ضالعة أو متورطة إبراء ساحتها من جريمة ضرب جرحى الثورة الشعبية السلمية والمتضامنين معهم ومحاولة الاغتيال الآثمة الفاشلة ضد حاشد.
إن الشارع يشير بأصابع الاتهام ليس إلى المحللين الاعلاميين والسياسيين ، وإنما إلى كل من علي محسن الاحمر وحميد الاحمر، وصخر الوجيه، وعبدالقادر قحطان، وتوكل كرمان وكل القوى السياسية أما لماذا كل هؤلاء؟.
فلأن الاول والثاني رُفعت ضدهما شعارات أزعجتهم ناهيك عن مواقف حاشد منهما سياسياً ،ولأن توكل كرمان زارت الجرحى ونالت ما نالت من تأنيب ونقد لها عادت على إثرها متعثرة بدموعها ، وكذلك الوجيه وباسندوة ووزير الداخلية ، وحتى صالح نفسه رفض عرضه ، ولا نستثني من القوى السياسية "الاشتراكي والناصري" على وجه التحديد لتغاضيهم عن الجرحى منذ نصف شهر.
كل هذه الاسماء مطلوب منها أن تبرئ ساحتها من أصابع اتهام الشارع الوطني، والوعي المجتمعي.
وفي تقديري أن كل من سيدأب على تكييف الحادثة على الأهواء ، وسيخلق لها المبررات فإنما يؤكد ضلوعه وتورطه أو قبوله وتشجيعه على الجريمة.
وعلي رئيس الجمهورية الاشراف المباشر على اللجنة المكلفة من وزارة الداخلية للتحقيق في الجريمة لضمان عدم التلاعب بنتائج سير التحقيقات، والكشف ليس عن العناصر المنفذة للجريمة فحسب ، وإنما من الذي أمرها بتنفيذ تلك الجريمة ؟ وصولاً إلى الغرف المغلقة التي تمثل مطبخاً دموياً خطط لهذه الجريمة التي أرادت إخراس رمز الثورة الاول (حاشد القباطي ) إلى الأبد إما بالموت أو بإلحاق عاهة مستديمة به مثلما خطط في الماضي للجرائم التاريخية السابقة، ولجرائم قادمة هي على الطريق فانتظروها ؟!.

شهادة للتاريخ

سيجد القارئ لتاريخ اليمن الحديث أن ما يميز القاضي احمد سيف حاشد القباطي عن كل المناضلين اليمنيين أنه يتجاوز من سبقوه و معاصريه في مناصرة قضايا البسطاء ، والفقراء ، والمظلومين إلى حد التماهي في التضحية بنفسه ، وماله دون انتظاره مكافأة من أحد أو مكرمة من جهة ما غير مكرمة دموع الفرح التي يحب أن يراها تجري فوق وجه مواطن بسيط عندما ينتزع حقا له كان قد يئس من استعادته .
إن كل ما في هذا الرجل من سجايا نبيلة خالصة ، وقدرات فردية لا تعرف النفاق ، والمداهنة ، والرياء ، وأحلام ليس لها حدود غير حدود أحلام البسطاء ، والفقراء ، والشرفاء في وجود دولة مدنية مستقلة تشق طريق وجودها في هذا العالم بعقول وسواعد اليمنيين المنتميين لذرات رمالها وجبالها لا لتراب غيرها .. إن كل تلك الصفات ومئات غيرها هي التي اختارت أحمد سيف حاشد القباطي ليكون أول قائد لثورة الشباب السلمية من بين كل رموز اليمن الشرفاء سواء المناضلين المخضرمين أو المجايلين له .

زر الذهاب إلى الأعلى