حزب الإصلاح بين تياراته التقليدية والتيار المتجدد .. منصــور الســروري

يمنات – خاص
سأتحدث بعيداً عما يترسخ في وعي كثيرين بشأن حزب التجمع اليمني للإصلاح من أحكام قد يكون بعضها أو كلها أو أقلها صحيحة وقد يكون العكس .
سأتحدث بحيادية قلما يود دائما أن تنطبق عليه مقولة "ولا تخطط بيدك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه ".
وما أراه أو نلمسه ونعيشه هذه الأيام من مؤشرات عن بعض ممارسات قواعد حزب التجمع اليمني الإصلاح .. الحزب الذي يعد أكبر الأحزاب على الساحة اليمنية جماهيريةً وأكثرها امتلاكاً لاستثمارات نقدية وعقارية ومؤسسات استثمارية ………..الخ ذلك من نقاط القوة التي تصب في صالح حزب الإصلاح وتميزه عن بقية الأحزاب في المشهد السياسي الوطني ، مؤشرات خطيرة لن تنفعه في المستقبل المنظور المواعظ الدينية المؤثرة عند انعكاسها على حياته الداخلية.
والمؤشرات التي أقصدها هنا تلك التي تطفو إلى السطح عند استخدام الأسلوب السابع في التحليل المعروف بالتحليل الرباعي أسلوب سوات (Swot)(1) في التحليل لمعرفة نقاط القـوة Strengths، والضعف Weaknesses، وهي نقاط البيئة الداخلية (الذاتية ) لدى حزب الإصلاح ، و كذلك لمعرفة عناصر البيئة الخارجية (أي الموضوعية ) المتمثلة بالفـــرص Opportunitiesالمتاحة التي يمكنه الاستفادة منها , و التهديــدات Threatsأو التحديات التي تهدده من ناحية في ضرب الفرص الخارجية له ، ومن ناحية أخرى في ضرب نقاط القوة عنده.
في تقديري الشخصي أن قيادات الإصلاح المعنية برسم سياساته المستقبلية ليست على إحاطة بمعايير استخدام هذا البرنامج في تقييم وتقويم أداء الحزب أو التخطيط لمستقبله السياسي عبر تحليل البيئتين الداخلية والخارجية لحزبها.
لأن جل المعطيات تشير (وفقاً لـ Swot) أن نقاط القوة الرهيبة التي يمتلكها الإصلاح حالياً ستضربها نقاط الضعف القوية ، وأنها إن كانت على علم بهذا النظام أو تستخدمه لما سمحت لعناصر الضعف ، والتهديد أن تلتهم نقاط قوة الحزب ، وضرب فرص التطور الحقيقة له.
إن المقصود بنقاط الضعف القوية هي بعض التيارات التي لم يعد يوجد ما يمنعني من عدم التصريح برموزها لأن الشارع السياسي والعام باتا يعرفانها كل المعرفة ناهيك عن تصنيفات كثيرة أهمها تصنيف يعود للعام 2005 م لحازم الأمين (2) والتي نستند عليها في بناء هذه الجزئية من المقالة.
إن طبيعة تركيبة حزب الإصلاح البنيوية والتي كانت عند تأسيسه صالحة وضامنة لاتساع قاعدته بين الناس لم تعد بعد عقدين ( أي اليوم ) من تأسيسه بذات القدر من الأهمية.
وليس أمام الإصلاح كحزب يريد الاستمرار في العملية السياسية وفق قواعدها الحقيقية من خيارات غير أن يعمل على تذويب كافة تياراته داخل منظومته التنظيمية حتى لا تضل هذه التيارات تشتغل بقواعده الجماهيرية لحماية مصالحها الخاصة تحت حجية الانتماء للحزب أو كأن ذلك التوظيف للقواعد هو من مهامات الحزب.
لقد باتت التيارات التي يتكون منها الإصلاح عبئاً كبيراً يهدد نقاط قوته السياسية ، وأقصد بها :
1 ــ التيار السلفي الجهادي يمثله الزنداني , والمسوري , وعارف الصبري , وعشرات غيرهم رموزاً للتيار السلفي المتشدد .
2 ــ التيار التقليدي المعتدل ويمثل امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين في مقدمته يس عبد العزيز القباطي .
3 ــ التيار القبلي العشائري , ويمثله الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر و حاليا ابنه حميد.
4 ــ التيار الرأسمالي ويمثله التجار ورجال الأعمال ومن رموزهم عبد الوهاب الأنسي " .
5 ــ التيار العسكري ، ويمثله اللواء على محسن الذي يستحيل القول أن لا صلة له بحزب الإصلاح , وتتبعه عناصر أخرى تنتشر في الجيش بسرية ، وغير سرية.
6 ــ التيار الأمني المنضوي داخل جهاز الأمن السياسي , والمتوزع داخل مؤسسات الدولة الرسمية بدليل أن صالح سعى إلى تأسيس جهاز الأمن القومي تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية ورعايته رعاية لوجستية ليحل محل جهاز القمش بعد أن ثبت أن الإصلاح لديه عناصر تشغل مناصب عليا في جهاز الأمن السياسي وعلى رأسها محمد اليدومي (بصرف النظر عن تقديم استقالته من الأمن السياسي).
7 ــ التيار المتجدد: وهو التيار الحقيقي المخلص لفكرة الحزب ذو الطابع السياسي المحض وهو تكتل يتجدد ، ويتطور باستمرار إما لكون عناصره جاءت من أحزاب غير دينية أو لكونها تمتلك من الوعي المعرفي والقدرات الفردية ما جعلها تقوم بمراجعات فكرية وتقيمية اقتضت معها أن تتكيف إلى حد إيجابي مع المتغيرات المتعددة على كافة الأصعدة ومجالات الحياة ، وبالتالي استعدادها لاستلهام قيم التعايش والشراكة السياسية ، ويمثل هذا التكتل قطاع كبير من المثقفين والشباب الذي يعيش حالة من التضاد بين مواقفه ، وخطابه المغايران تماماً لمواقف وخطابات وممارسات بعض عناصر بعض التكتلات الأخرى نحو مواقف (د. ألفت الدبعي، وشوقي القاضي، ومحمد قحطان، وعبده سالم) إلى جانب عدد من الإعلاميين ، والكتاب.
" ثمة تداخلات واسعة بين هذه التكتلات ………. فمثلا يجمع بعض رموز هذه التكتلات بين جميعها ، كأن يكون أحدهم قائداً عسكرياً وتاجراً، وأخر شيخ قبيلة وتاجر ورجل دين ومسئولاً كبيراً في الدولة ….. وهكذا دواليك.
إن هذه الوظائف المختلفة المتجمعة في قيادات مكونات تجمع الإصلاح تشكل نواة العمل الإسلاموي في اليمن من خلال المعادلة التي تبين العلاقة التبادلية بين كل من التكتل الأول والثاني .
فالديني بشقيه السلفي الجهادي ، والتقليدي المعتدل, يدرك أن القبيلة هي مركز وجوده وانتشاره , وتحالفه معها ضرورة تمليها طبيعة الأشياء.
والتكتل الثاني القبلي العشائري يرى أن التجمع اليمني للإصلاح مثله مثل المؤتمر الحاكم , عبارة عن نافذة يمتد من خلالها إلى حياة أفضل كالتجارة والوظيفة العامة والسيطرة عليها.(3)
وبتفصيل أوضح معلوم إن معظم رموز هذه التيارات السبعة غالباً ما يتواجدون داخل أكثر من تيار فمثلاً علاوة على كون (حميد الأحمر) رمز التيار القبلي هو أيضاً من كبار التيار الرأسمالي ، وتربى داخل التيار الديني المعتدل (الإخوان المسلمين) ، وكذلك الزنداني علاوة على كونه رمز التيار الجهادي السلفي هو أيضاً من التيار الرأسمالي ، وعلي محسن في حين أنه رمز التيار العسكري هو أيضا من كبار رموز التيار الرأسمالي ، والجهادي السلفي ، والحالة الأرقى هنا هي (الأنسي ) رغم كونه رمز التيار الرأسمالي ، ومن التيار الديني المعتدل (الإخوان المسلمين ) غير أنه يميل كثيراً للتيار المتجدد ويحسب له القدرة على الموازنة بين فقه الدعوة الاسلامية ، وفقه الضرورة لمقتضى الحاجة التي تفرضها طبيعة التحديات التي يجب على أي تنظيم إسلامي لمواجهتها أن يحدد موقفه من كافة الأشكال الارهابية ، والتيارات المتخلفة أو غير المسموح لها أن تكون ضمن التيار الاسلامي السياسي.
ونلاحظ أن أربع تيارات مقابل التيار المتجدد الذي يقوده الآنسي وهو التيار الأكثر مرونة .. تيار لم تتبلور أو تنبثق عنه قيادة قوية موازية بمحاذاة التيارات الأخرى السابقة , وكأن هناك تعمد في أن يبقى هذا التيار رديفاً لها.
إن ما يقوم به التكتل المتجدد نحو (ألفت الدبعي , وشوقي القاضي , وعشرات من الشباب المثقف النوعي ممن أعرفهم) رغم خطاباتهم التي تصل إلى حد التصريحات النارية في كثير من المواقف والأحيان لا تخرج من المنظور التحليلي لها عن كونها :
إما أنها نوع من التكتيك السياسي المؤقت لتجمع الإصلاح الهدف منها تجاوز الأخطاء التي طفت ، ولا تزال تطفو بتزايد على السطح للحفاظ على مكانة الحزب الجماهيرية من ناحية , من ناحية أخرى الحفاظ على بنية الحزب الداخلية من التصدع.
وإما أن تلك التصريحات النارية ليست تكتيكاً وإنما هي حقيقية وهنا ستكون الكارثة لكونها تعبر عن الشريحة الأكثر وعياً وعقلنة داخل الحزب .
قد يقول قائل : لماذا إذا لا تُحدد هذه الأصوات موقفا موحداً من الأخطاء الجسيمة التي تمثل في مجملها نقاط الضعف الحقيقية في حزب الإصلاح الموازية للنقاط القوية والتي تؤثر على مكانته في المشهد السياسي وستسحب من رصيده الجماهيري ؟ سؤال بديهي طرحه.
غير أن إجابته خطيرة هذا " إن كانت تلك الإجابة هي السبب المباشر في عدم اتخاذ التيار الشبابي الواعي موافقاً موحدة قد تصل الى حد الانسحاب أو تجميد عضوياتهم " وهي ــ أي هذه الإجابة ــ أن بقاءهم داخل الإصلاح يكمن في أنهم واثقون من قدراتهم على إزاحة تلك التيارات مع مرور الوقت.
وهذا التقدير إن كان صحيحاً في عدم تسجيل مواقف معلنة لمواجهة الممارسات الخاطئة من رموز تلك التيارات فهو تقدير مقبول إلى حد كبير مع أنه سيكون بطئاً ، وقد تستمر الممارسات الخاطئة تتضاعف الى الحد الذي لن تقوى معه نقاط القوة أن تحول دون حدوث الانتكاسة لا سيما في ظل وجود قوى سياسية قديمة وجديدة , ومتغيرات على الخارطة الوطنية فرضتها الظروف والمتغيرات الثورية.
إن نقاط القوة عند الإصلاح تكمن في (قاعدة جماهيرية عريضة + توفير المال وخدماته + الخطاب الديني المؤثر + التيار السياسي المتجدد المرن ) .
بيد أن نقاط القوة هذه ستلتهمها نقاط الضعف من خلال:
– قيام التيارات الأربعة (حميد , علي محسن , اليدومي أحياناً , الزنداني ) بالضغط المستمر على القاعدة الجماهيرية للإصلاح , وتحميلها أعباء مصالحها الخاصة , ويكفي أن نعود لرسائل الإعلام المختلفة التابعة تحديداً لـ " حميد , وعلي محسن " في اغلب الأحداث ، والتي ثبت أن الاثنان يشتغلان بها ويدأبان على توظيفها لمصالحهما الخاصة وبالتالي وقوع تلك القواعد داخل دوائر ارتكاب الأخطاء .
إن ما تتناوله وسائل إعلام الرجلين المختلفة لن تستطيع في النهاية إقناع الجميع بما فيهم الإصلاحيين انفسهم من أن ما تنشره حقائق واقعة لأن الواقع يكشف على نحو مغاير الحقائق الصحيحة التي يعرفها كل المتصلين بتلك الأحداث.
ومجموعة الأحداث الأخيرة تثبت صحة ما نقوله هنا :
– في جامعة صنعاء يحاصر أعضاء هيئة التدريس وتغلق الكلية بالسلاسل من قبل اتحاد طلاب اليمن , وتصل الأمور الى الاعتداء على أستاذ جامعي ونائب لعميد كلية الزراعة وضربه ، وركله من قبل رضوان مسعود رئيس اتحاد الطلاب وعشرات معه ثم تخرج الصحف التابعة لكل من (حميد , وعلي محسن) معبرة عن قيام الطلاب باعتصامات ضد فساد الجامعة , وكأنه لا يوجد (أستاذ أكاديمي) تم سحله تحت أقدام شباب الإصلاح , وكأنه لا يوجد أيضاً فضيحة هي كل العيب على شباب محسوبين على حزب ديني واقصد بها فضيحة المطالبة بترفيع الطلاب الراسبين بأربع مواد جامعية ………. .الخ.
– وفي حجة تقوم قواعد من الإصلاح باقتحام مقر المحافظة بالأسلحة المختلفة.
ــ أما في تعز وما أدراك ما تعز؟
حملة شرسة تشن ضد المحافظ (شوقـــي) بدأت بمطالب على إثر تعينه محافظاً تقتضي تلك المطالب ضرورة التدريج في تنفيذها لتصل مؤخراً ذروتها اللأخلاقية واللاعقلانية في كونها تجاوزت حدود اللياقة الأدبية التي ما كان العاقل يتمنى أن تقع فيها قواعد الإصلاح "
يرحل شوقي عفاش"
وشعار "يا شوقي يخرب بيتك…تعز اللي ربيتك ." .
– فكيف يحسب هؤلاء السفهاء على حزب يتبني منهج الدعوة الإسلامية ؟
وهل هكذا تكون أخلاق الدعاة؟
"منتجات هائل سعيد ملوثة " شعار رفع في صلاة الجمعة قبل الأخيرة من قبل قواعد الإصلاح في تعز .
ما لفرق بين هذا الشعار وشعار مقاطعة المنتجات البرتغالية والهولندية ؟
أليس معناه "قاطعوا البضائع المنتجه من مصانع هائل سعيد " ؟
على إثر هذه الأخطاء الفادحة يظهر الصوت العقلاني , منتقداً الحملة الشرسة , وبدلا من إصدار بيان سياسي يعتذر فيه من إلصاق صفة عفاش بشوقي , ومن سبه (يخرب بيتك) و (بالإساءة لبضائع المجموعة) عوضاً عن ذلك يخرج العقلاء منتقدين على نحو شخصي تلك الممارسات دونما يتنازلوا عن المطالب التي يطالبون الرجل بتنفيذها كــ (شوقي القاضي ) رجل الحقوق والبرلماني والخطيب المفوه الذي تناسى أن حزبه قد منح زعيم القتلة حصانة رصينة , ويتناسى أكثر أن تسليم القتلة او محاكمتهم هو أمر قضائي في مجمله , وليس من مهام السلطة التنفيذية الفرعية , وأن القضاء حتى إن ثبت لديه أن المتهمين بجرائم قتل الثوار في تعز هم المجرمون حقاً فسيقضى بعقابهم دونما يقتضي عزلهم عن مناصبهم , لكون الموت أو السجن عقاباً يفوق عقاب العزل .
أكتفي بهذا الاستدلال لأطرح السؤال:
إن مصير حزب الإصلاح بات رهن خيارين .. خيار توجهات تياره السياسي الشبابي إن كان صادقاً كما اشرنا أعلاه ، وخيار توجيهات التيارات ( الأربعة ) التي أبرزتها جريمة جامعة صنعاء , و أحداث تعز , والحديدة , وحجة ، وعدن ………. الخ ؟
وواضح أن سيطرة (حميد , ومحسن) قوى في تحريك قواعد الإصلاح ودفعها لممارسة أخطاء فادحة جديرة أن تحدد مستقبلة السياسي ، وعلى الإصلاحيين أن يدركوا جيداً هذا الأمر لأن نقاط القوة الرهيبة سوف تتبخر في النهاية أمام نقاط الضعف التي تتمثل بتوظيف تياراته المنتهية صلاحيتها كلية لحزب الإصلاح في إثارة كثير من الإشكاليات في كل من تعز والجامعات ، والمؤسسات خصوصاً في ظل المسارات الوطنية القائمة ، وعلى التيار المتجدد أن يعي ذلك جيداً ، وأن يحدد موقفه من تلك التوظيفات الخاطئة لقواعد الحزب التي لم يثبت حتى الآن أنها تتم بقرارات من أمانته العامة ؟!
هامش:
(1) سوات / swotهو أسلوب تحليلي لمعرفة نقاط الضعف ونقاط القوة والفرص والتهديدات في أي منظمة أو مؤسسة أو شركة (ويمكن استخدامه لتحليل مقومات شخص أو مجموعة) ويعتبر هذا النظام من أفضل النظم لبناء استراتيجيات الأعمال (خطط طويلة المدى وخطط قصيرة المدى) وخطط الأعمال للوصول إلى الأهداف المرجوة لنجاح المنظمة ، وذلك بتحليل الوضع الداخلي والخارجي من خلال البنود الأربعة : القوة، الضعف ، الفرص والتهديدات.
(2) لمن أراد الاستزادة بمادة حازم الامين العودة لتغطية صحفية مطولة نشرتها صحيفة الحياة اللندنية عام 2005م ، أعادت الثوري نشرها في عددها 1886.
(3) حازم الأمين ….. نفس المرجع