الأسطول الظل يثير المخاوف .. تجارة موازية تهدد أمن الطاقة والاقتصاد العالمي “تقرير بريطاني”

يمنات
لم يعد “الأسطول الظل” مجرد شبكة من السفن التي تتحايل على القوانين لنقل النفط الخاضع للعقوبات، بل تحول إلى نظام موازٍ يعيد تشكيل معادلات الشحن والطاقة في العالم. هذا ما كشفه تقرير جديد صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في لندن، محذراً من أن ضعف الرقابة الدولية على تسجيل السفن سمح بازدهار نشاط يهدد الأمن البحري والاقتصاد العالمي على حد سواء.
ارض خصبة للأسطول الظل
وبحسب التقرير، فإن سهولة حصول السفن على أعلام دول مختلفة من دون تدقيق، وغياب الشفافية بشأن الملكية الحقيقية، والتقصير في الإنفاذ، شكّلت بيئة خصبة لازدهار شبكة واسعة من الناقلات. هذه السفن، التي يُقدّر عدد الخاضع منها للعقوبات بنحو 700 سفينة خلال العام الماضي، تُستخدم بالدرجة الأولى لنقل النفط الإيراني والروسي والفنزويلي بعيداً عن القنوات الرسمية.
المنظمة البحرية الدولية (IMO)، على الرغم من كونها الجهة المخولة بوضع قواعد ملزمة، تفتقر إلى صلاحيات التنفيذ. وهو ما يجعل “الدول صاحبة العلم” قادرة على غض الطرف عن التزاماتها، الأمر الذي أسّس، وفق التقرير، لـ”نظام بيئي موازٍ للشحن” يكافئ التحايل ويضر بالالتزام.
أداة ضغط جديدة
ولمواجهة هذه الظاهرة، أوصى التقرير بإحالة ملف الرقابة إلى مجموعة العمل المالي (FATF) المسؤولة عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. فهذه الهيئة تمتلك أدوات أكثر فعالية، مثل “التقييم المتبادل”، الذي يفرض ضغوطاً مباشرة على الحكومات ويؤثر على سمعتها وتصنيفاتها المالية. إدراج “الأسطول الظل” ضمن نطاق عمل المجموعة يعني تحميل المسؤولية للدول التي تسمح بتسجيل السفن عبر إجراءات متساهلة أو من خلال شركات خاصة تعمل كوكلاء تسجيل.
ما بعد أوكرانيا
يُجمع خبراء أن تفاقم ظاهرة الأسطول الظل بعد اندلاع حرب أوكرانيا لم يعد مجرد مسألة عقوبات اقتصادية، بل ارتبط أيضاً بتمويل برامج انتشار أسلحة الدمار الشامل. وهو ما يجعل الاعتماد على آليات مجموعة العمل المالي أكثر واقعية وملاءمة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية.
أثر اقتصادي مزدوج
وجود الأسطول الظل لا يؤثر فقط على حركة الشحن، بل على أسواق الطاقة العالمية. دخول كميات كبيرة من النفط الإيراني والروسي والفنزويلي إلى الأسواق عبر قنوات غير رسمية يخلق أسعاراً موازية في السوق السوداء والرمادية. النتيجة: صعوبة قياس حجم المعروض النفطي الحقيقي، ما يربك سياسات “أوبك+” ويشوّش على حسابات التوازن بين العرض والطلب.
في المقابل، تتحمل شركات الشحن الملتزمة بالقوانين تكاليف أعلى، نتيجة منافسة غير عادلة من ناقلات تتجنب الضرائب والتأمينات. هذا التشوه يضغط بشكل خاص على الشركات العاملة في المسارات الاستراتيجية مثل الخليج العربي وبحر قزوين.
مخاطر أمنية وبيئية ومالية
شركات التأمين الكبرى بدورها ترى في الأسطول الظل تهديداً مباشراً. فالسفن التي تخفي هويتها وتنفذ عمليات نقل نفطية مشبوهة أكثر عرضة للحوادث والتسربات البيئية والنزاعات القانونية. لهذا رفعت شركات التأمين أقساطها على السفن العابرة لمناطق يُشتبه بانتشار نشاط الظل فيها، ما يرفع تكاليف الشحن الشرعي بشكل غير مباشر.
إلى جانب ذلك، فإن العوائد المالية الناتجة عن هذه التجارة غالباً ما تمر عبر شبكات غسل أموال معقدة، ما يثير قلق الهيئات الرقابية والمصارف الدولية. وعلى المدى البعيد، يحذر خبراء من أن هذا الوضع قد يقوّض ثقة المستثمرين في شفافية أسواق الطاقة ويزيد علاوات المخاطر على الاستثمارات المرتبطة بالنفط والشحن البحري.
منظومة
ظاهرة “الأسطول الظل” لم تعد ثغرة عابرة في النظام البحري، بل منظومة متكاملة توازي الشحن الرسمي وتعيد تشكيل موازين الطاقة والتجارة العالمية. ومعالجة هذه الظاهرة تتطلب أدوات تتجاوز صلاحيات المنظمة البحرية الدولية، باتجاه أطر أكثر صرامة مثل مجموعة العمل المالي، التي يمكنها فرض ضغوط ملموسة على الدول المتساهلة. وإلى أن يحدث ذلك، سيظل الأسطول الظل عاملاً رئيسياً يربك أسواق الطاقة ويزيد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية.
تمرد على القطب الواحد
والحقيقة هي ان هذا الاسطول لولا مساعي الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الامريكية للهيمنة على الاقتصاد الدولي، فالعقوبات الاقتصادية الجائرة التي تفرضها بين الفينة والاخرى على الدول التي تناهض سياساتها ساهمت في توسع الاسطول الظل، كنوع من التدابير الوقائية لمواجهة العقوبات الجائرة. والاسطول الظل في حقيقته هو تمرد على النظام الدولي احادي القطب، وبشارة بأن العالم يدلف نحو عالم اكثر تعددا، واقتصاد غير خاضع لهيمنة طرف دولي واحد.