فضاء حر

الإرتزاق السعودي بين الحقيقة والوقيعة

نزل تقرير صحيفة الشارع بقائمة نموذجية ومصغرة من الأسماء التي تتقاضى أموالاً من السعودية كالصاعقة وبالذات على حزب التجمع اليمني للتمصلاح الذي سارع بالنفي وكأنه يتفاجأ بهذه المعلومة لأول مرة أو كأنها لم تكن بالنسبة له إلا مجرد شائعات مغرضة. مع أن القائمة الكاملة كما ذكرنا في مقالات سابقة تفوق الثلاثين ألف شخصية يمنية أساسية معظمها من قيادات هذا الحزب ومشائخ القبائل الشمالية وذكرنا بأن هذه الميزانيات هي ما أدت وتؤدي إلى حالة الشلل التام وإستمرارية الكارثة على اليمن واليمنيين منذ قيام ثورة سبتمبر وأكتوبر. وأنه مالم يتم وضع حد لحُمران العيون كما يطلق على هؤلاء المرتزقة لن تقوم لليمن قائمة باعتبار أن هذه الأموال المدنسة هي ثمن بخس وحقير لتمريغ أنوف اليمنيين في الوحل وإبقاء اليمن في حالة تخلف دائم.

بيد أن الجديد في الموضوع هو الزج ببعض القيادات الجنوبية وايضاً بعض الشخصيات الشمالية من المعروفين بوطنيتهم في نفس التقرير الذي يضم عتوالة المرتزقة التاريخيين منذ عقود طويلة والذين يتقاضون الملايين من الريالات السعودية مقارنة بالفتات لهذه الشخصيات المستجدة في هذه القوائم من ما يدل على الغرض الحقيقي من نشر هذا التقرير في الظرف الراهن من أجل خلط الأوراق على الجميع وبين الجميع ليقال (بأن الكل في الإرتزاق شرق) لاسيما بين من أمتهنوا العمالة والإرتزاق وبيع الأوطان بالوراثة ومن شردوا من أوطانهم وأصبحوا لاجئين على كبر في أنحاء العالم وأصبح جلهم مُجبر لا بطل لتقاضي ما يسد به الرمق بعيداً عن أهله ووطنه وهنا يقع مكمن الوقيعة. ولست هنا بصدد الدفاع عن أحد او تقديم الأعذار لأحد فالعمالة لا تتجزأ ، بيد أنه من الخطاء وضع الجميع في سلةٍ واحدة بهذه الطريقة الفجة والمقصودة رغم عدم الإعتراض على التقرير من الناحية الصحافية إلا أن هذا التقرير من حيث يعرف أو لا يعرف الناشر يهدف سياسياً بشكل مبطن إلى خلق إحباط مركب وغمام كثيف نحو أي إنفراج سياسي أو بارقة أمل في نهاية هذا النفق المظلم.

وماعدا هذا التحفظ فأن الصحافي المرموق والقدير نائف حسان قد تمكن من إختيار معركته بجدارة تستحق الإحترام والتقدير والثناء ، فهذه هي معركة اليمن الحقيقية (تجفيف بؤر ومصادر الإرتزاق) بل ومعركة كل اليمنيين إن إرادوا الإنعتاق من ربقات الفقر والجهل والمرض والتخلف والإرتهان والوصاية. هذه هي معركة كل الأقلام الوطنية الشريفة وليست المؤجرة او المباعة. قد نختلف على بعض الأسماء القليلة المذكورة التي تم ضمها إلى نفس القائمة لأسباب سياسية واضحة والتي أسقطت التقرير إلى خانة الوقيعة لأن التفريق له ضروراته الموضوعية بين ما هو إرتزاق تاريخي موروث وعمالة خالصة لهدم اليمن وشعبه وبين ماهو إضطراري لمن ذاق مرارة التشرد من وطنه والمطاردة ولم يجد المأوى وما يسد به الرمق له ولأطفاله بسبب إتخاذه مواقف وطنية سابقة الجأته للنفي القسري خاصة بعد حرب 94 وتم إستغلال وضعه المادي كنوع من مضاعفة الإذلال والتسلط وإهانة وإخراس ألسنة البعض الآخر وشرائهم ، أو كنوع من المواساة الشكلية للبعض التي لا تخلو من المساومة كتعبير مبطن عن التعويض لما أرتكبه آل سعود من قتل وإراقة دماء لأقاربهم بشكل مباشر من أجل شراء سكوت الضحايا المباشرين عن هذه الجرائم. لكن الفرق واضح ، وشتان بين من ساهم في بيع الوطن وشعبه من أيادي فرق العمالة بالوراثة منذ عشرات السنين وبين من يتم إستغلاله وفاقاته وممارسة الإبتزاز عليه ، والتفريق بين الجانبين قضية مهمة مع وجود التأثير البالغ على القضية الوطنية في كلتا الحالتين إلا أن الفريق المرتزق بالوراثة هو من وضع اليمن في هذه الزواية الخطيرة للغاية التي لا تسمح له بالتعافي بقدر ما تسهل له الإنزلاق في العمالة والإرتهان بشكل أكبر ومتواصل.

وعودة إلى حزب التمصلاح المرتهن بالأصالة الذي لم يسارع بالنفي وحسب بل أنه ذهب إلى أكثر من ذلك بالقول بأنه يعتمد في أنشطته على إشتراكات أعضائه. فإن كان فعلاً يستطيع أن ينفي عن نفسه هذه التهمة المؤكدة والموثقة فعليه أن يسارع بتقديم كشف كامل يتضمن قيمة رسوم الإشتراكات والمبالغ المحصلة من أعضائه مقابل كل أنشطته التي يقوم بها للشعب اليمني ، بما في ذلك مقدار الدعم الذي قدمه الحزب للثورة المضادة بمليارات الدولارات ومصدره ، وتكاليف تدريب عناصر الإرهاب ومحاربة وتمويل العمليات الإرهابية وقيمة النشاط الدؤوب على تحويل اليمن بكل الطرق والوسائل إلى الغابة الخلفية لمن يمول هذا الحزب؟ أم أن الحقيقة هي أن أعضائه هم من يتقاضون مرتبات ومكافآت مقابل أنشطتهم التخريبية ضد الوطن؟ بل وهل يوجد في اليمن حزب يعتمد على إشتراكات أعضائه ، وهل من يعمل في صفوف وأطر الأحزاب اليمنية ماهم إلا عبارة عن مجموعات من المتطوعين ؟ ألم يعترف شيخ الإصلاح ومؤسسه الراحل بأنه كان يتقاضى ميزانيات من السعودية لحزبه؟ ثم لو أفترضنا أن كل هذا غير صحيح فهل من الممكن أن يقدم هذا الحزب خدمات مجانية للسعودية بنشر الفكر الوهابي المتطرف في اليمن ومقاتلة كل من ينتمي إلى المذاهب اليمنية الأصيلة؟ وهل أيضاً يقوم مجاناً بمحاربة المذهب الزيدي في صعدة وأبنائها فقط لمجرد أنه متعصب للفكر الوهابي؟ أم أن أعضاء هذا الحزب الذين يدفعون إشتراكاتهم كما أدعى بيان النفي يعرفون أن إشتراكاتهم هذه تذهب لتمويل الإرهاب والعمليات الإرهابية بأنواعها في اليمن وخارج اليمن لكنهم يغضون الطرف مخافة من قياداتهم؟!

لذا فبقدر فرحتنا وأهتمامنا بنشر التقرير الجزئي وتوقعاتنا في نشر المزيد في القريب إن شاء الله إلا أنه من الواجب علينا أيضاً توخي الحذر والريبة في إستقبال المعلومات على عواهنها والتفريق بين ما يقصد به نشر الحقيقة وبين ما يقصد به الدس والوقيعة {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [ إبراهيم الآية 42]

زر الذهاب إلى الأعلى