فضاء حر

الصعب محاكمة الأفكار (علي السعيدي نموذجا)

يمنات

تحول درامي ظهر في محاكمة المفكر الاسلامي المبدع علي السعيدي في محكمة الصحافة والمطبوعات بتهمة الردة ، فقد سعى القاضي الى ايجاد مخرج للمحكمة والنيابة من ورطتها في محاكمته.

بدأت الوقائع بسماع مرافعة محامي المتهم وبعد ان اكمل تلاوتها طلب القاضي من السعيدي ان يبتعد عن المحامي ويقف امامه مباشرة وسال بعض الاسئلة منها اسئلة فلسفية كانت تستخدم في محاكمة بعض المجتهدين في العصرين الاموي والعباسي مثل هل القران مخلوق ام كلام الله؟ وغيرها من الاسئلة وكلما حاول المحامون التدخل هددهم القاضي بإخراجهم من الجلسة، محاصرا السعيدي بأسئلته الى ان وصل الى درجة استنطاق السعيدي الشهادتين فرد عليه باني لم انكرهما ومفطور عليهما فامر القاضي كاتب المحضر بكتابة العبارة التالية كحل وسط "اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، ولدت عليهما وسأموت عليهما". ثم طلب القاضي من السعيدي ان يعلن التوبة فتدخل المحامون وحدث بعض الهرج في القاعة حتى من الحضور فيما القاضي يحاول تهدئة الغضب عبر حلفه يمينا انه يقصد مصلحة المتهم وانه يعرفها اكثر من المحامين طالبا من الجميع الاستماع الى العبارة التي يطلب من السعيدي ترديدها الى النهاية ليعرفوا انها لصالحة.

سعى القاضي الى اغلاق الملف عبر دفع السعيدي الى اعلان توبته، الا ان السعيدي صمد امام ضغوط القاضي التي تجاوز فيها حدود وظيفته كقاض مع انه يقصد اخراج السعيدي والحكمة من ورطة المحاكمة.

المهم ان السعيدي رفض اعلان التوبة على اعتبار انه لم يفعل او يكتب ما يستدعي التوبة ولأن النيابة والمحكمة ليس بيدها ما يدين السعيدي، لجأ القاضي الى حيلة جديدة في مجال القضاء وهي انه طلب من السعيدي ان يردد وراءه العبارة التالية :"اعلن توبتي ان كان في ما كتبته خروج على الدين الالهي"، وقال له القاضي وبالحرف الواحد "ان الشرطية ياسعيدي بمعنى ان كلامك ليس اعلان توبه، انما اذا كان في ما كتبنه خروج فالرجوع عن الخطأ فضيلة فرد السعيدي قائلا: انا اكتب في كل ابحاثي انها اجتهادات شخصية، وما وافق منها القران فهو صحيح وما ثبت انه خالف القران فاني اتراجع عنه، فطلب منه القاضي بإلحاح ترديد العبارة السابقة، لأنها مشابهة لما قاله آنفا، مذكرا إياه بوجود اداة الشرط، فردد السعيدي العبارة "اعلن توبتي ان كان في ما اكتبه خروج على الدين الالهي" وانهى القاضي الجلسة وحجز القضية للنطق بالحكم في 24/12/2012م.

لقد تحولت محاكمة السعيدي الى محاكمة للمحكمة نفسها ومن خلفها النيابة عبر دخولهما في جدل فلسفي عمره قرون طويله.

وبالتأكيد فقد عرف القاضي الحصيف والنبيه – اشهد له بذلك – ما كان يفترض ان ترفع امامه من الاصل لأنه من الصعوبة بمكان محاكمة الافكار والاجتهادات لذلك اجهد القاضي نفسه في ايجاد مخرج للجميع من القضية مع انه مخرج غريب لأن المحكمة كان يفترض بها ان تحدد ما اذا كان السعيدي قد ارتد بما كتب ام لا ، والعبارة التي اغلق بها القاضي القضية لا تفيد باي من الامرين ، فهي تشابه عبارة "كل واحد يصلح سيارته".

اليوم سيحكم القاضي ببراءة السعيدي من التهمة المنسوبة اليه وسيحاول ان تكون صيغة الحكم وسطية بما لا يحرج النيابة.

زر الذهاب إلى الأعلى