أِشهر سجين رأي سياسي يمني: لا ازال حاقدا على الجلادين ولست من المؤمنين بالتسامح
6 يوليو، 2016
819 18 دقائق
يمنات
منصور راجح: شاعر وناثر وكاتب يمني يقيم في النرويج منذ سنة 1٩٩٨م حيث جرى نقله (نفيه) من السجن الذي قضى فيه ١٥ سنة مباشرة الى النرويج اثر حملة عالمية طالبت بإطلاق سراحه كسجين راي محكوم عليه بالإعدام بسبب نشاطه السياسي ضد الدكتاتورية وممارسته لحقه في حرية التعبير.
لمنصور راجح العديد من الاصدارات شعرا ونثرا وهو كاتب مقالة فكر ـ سياسية والكثير منها تنتمي الى ما يسمى بالأدب السياسي الى كونه ناشطا عالميا من اجل حرية التعبير .
المستقبل أونلاين أجرى حوار خاص جدا مع منصور راجح فإلى الحوار ..
حاوره / عزالدين العامري
– هو منصور راجح؟
سؤال مربك: بالفعل من هو منصور راجح . هل سوف تصدق لو انني قلت لك بأنها المرة الأولى التي اجد نفسي ازاء سؤال كهذا. الحق اقول لك بانني لست بقادر على تعريف نفسي اللهم من خلال تاريخ حياتي ومن خلال كل ما صدر عني حتى الآن ادبا ونثرا وفعالية انسانية لأنسان وجد نفسه من نعومة اظافره في معمعة النضال من اجل الحرية وممارستها حركةً وشعرا. ثمة تعريفات كثيرة يجب ان تكون او ان هذا ما اتخيله الان، على سبيل المثال انت نفسك دخلت عليّ وفي ذهنك تعريف محدد لي دفعت لأن تطلب محاورتي بما في ذلك انت تعرفي من انا عمن اكونه بالنسبة لي، حقيقة لا اعرف او انني لا اجيد تعرف نفسي سيما وانني اتبر كل تعريف اسر بمعنى او بآخر ولست في وارد ان اقوم باسر نفسي بيديّ بان اقوم بتعريف ذاتي، ولو انني فعلتُ فسوف اكون التمثال والنحات في آن وهذا ما لا اقدر عليه.
ـ ما هو الشعر ولماذا الشعر ومن هو الشاعر؟
ثمة تعريفات للشعر كثيرة مدرسية او تنتمي الى النقد الادبي بمدارسه الادبية المختلفة. بالنسب لي الشعر لا يُعرف مثله مثل الحرية الا في سياق (ممارسته) كتابة او قراءة، بهذا المعنى فان الشعر بالنسبة لي هو القصيدة ولهذه تعريفات عديدة مدرسية او من تلك التي تزخر بها كتب النقد الادبي، لكنها بالنسبة لي لحظة (تحرر) استثنائية يجري تكثيفها عبر اللغة بقانونيتها الى حيث تصبح مادة للمتلقي، قراءتها تطلق خياله من مكامنه بما هو تمدد للحظة الحرية (الشعر) التي قام الشاعر بتكثيفها على هيئة القصيدة.
الشعر هو شعور(الشاعر) بالحياة، بإيقاعها الأزلي تمييزا لها عن الحياة بإيقاعها الاجتماعي، يقوم بالتعبير عنه بأدواته وبهذا المعنى فان الشاعر هو منتج القصيدة بما قد اصبح معروفا ومتعارفا عليها كواحدة من ادوات الجمال والخيال،
لماذا الشعر كما لو انك تقول لماذا الحياة! الشعر مثله مثل الموسيقى والرقص وكل الفنون غائية أي انها لا تنتمي الى النتيجة ولا تؤدي اليها، قيمتها في ذاتها انها نتحٌ من حقول الحياة او من جواهرها الاصيلة والخالدة : الحب والجمال والخيال تؤدي اليهما بما هو انتاج لقيمها الجمالية، القيم التي بها تصبح الحياة على الدوام ممكنة في مواجه الكراهية والقبح وضيق الأفق من قيم النظام الاجتماعي بعد ان يتكلس ويتحجر من حول مصالح فئة معينة تسيطر وتجعل من سيطرتها نظاما اعتقاليا تنتجه وتعيد انتاجه بأدوات القهر والقسر. لماذا الشعر كما لو انك تقول لماذا الحرية، ولماذا الحب! لماذا الجمال ولماذا الخيال.. الشعر كل هذا بكلمة الشعر ممارسة ضرورية للجمال لا تجد معناها ولا الجواب على سؤالها سوى ممارستها على اساس من ضرورة الحرية، ضرورة الحياة نفسها التي لم يسأل احد نفسه في اي يوم من الأيام: الحياة لماذا، لأنها فقط تمارس!
– صفتك اشهر سجين سياسي يمني كيف كانت تجربة السجن بالنسبة لك وبماذا خرجت منها وهل ما زالت حاقدا على سجانيك ام انك متسامح معهم؟
سوف ابدأ من اخر السؤال: اي نعم لا ازال حاقدا على الجلادين، ولست من المؤمنين بالتسامح بالسذاجة التي قد باتت معها كملة تسامح مُبتذلة! انا مع معالجة التاريخ على اساس من معطياته، هذه المعالجة التي اقصدها لا علاقة لها بكلمات مائعة اذ تُقرأ في حد ذاتها مثل كلمتي الحقد والتسامح، حتى الحقد والتسامح مفهومان لا يٌعرفان بذواتهما كما قد اصبح مبتذلا بل في سياق البنية (الفكرية) التي ترادان فيها.
السجن ليس، ولم يكن، تجربة يا عز، خاصة لو تعلق الامر بواحد مثلي! لا، ليس تجربة البتة علما بأنني لم اسجن! بل اُعتقلت، لم اكن في سجنا بل داخل مُعتقل ومُعتقل مركب ايضا! لا ازال داخل معمعة الاعتقال والمقاومة، الانعتاق الحقيقي يتمثل فيم صدر عني حتى الان وما يزال يصدر تباعا. مواجهة الاعتقال بمختلف اشكاله وصوره لا تكون إلا بممارسة الحرية كل يوم بصفتها فعلا يوميا بدونه سوف نتحول الى لقمة سائغة في فم النظام الاعتقال.
ولما كانت ممارسة الحرية ليست خاضعة لنمط (والا تحولت الى عنصر في بنية النظام الاعتقالي نفسه) فأنني لا استطيع ايضا ان اصفها بل ان امارسها، ولقد مارستها وما ازال سلوكا وتعبيرا بكل ادوات التعبير المتاحة وتلك التي اجيدها اكثر اما اجيد الكتابة : شعرا ونثرا، فكرا وتخييلا. نحن لا نستطيع ان نواجه النظام الإعتقالي الا بان نعمل كل يوم من اجل من اجل ان نكون احرارا ومن اجل توسيع مساحة الخيال وتفعيل ملكة التخييل الأمر الذي ينقلني الى السؤال الثاني
ـ هل يراودك الحنين بالعودة الى اليمن وكيف تنظر الى مستقبلها في هذه الحرب؟
اليمن كانت وما تزال بالسنبة لي هوية وقضية، منذ ان وعيت بذاتي وبها او انني لم اعي ذاتي إلا بوصفه وعيا بها. اما بالنسبة للحنين فانه محرك وميكانزيم الشخصية لو كانت (انا). ثمة حنين يومي مبهم او معلوم يجب ان يتحرك داخل وثيق الصلة بكينونتي. انا لا احن للعودة الى اليمن، امارس عودتي اليها كل يوم منذُ ان اقصيت بعديا عنها بالمعنى الجغرافي والاجتماعي بالمعنى المباشر(لنقل بانها اشبه ما تكون بعودة عوليس في الأوديسة )
ـ هل مازال للشعر جدوى رغم ما نمر به من حروب؟
الجدوى كاملة تنفع في السوق، انها كلمة من اهم الكلمات التي تتشكل منها لغة المال والاعمال. كأنك تسأل هل ما تزال لزقزقة عصفورٍ جدوى! لا افهم حقيقة معنى قولك للشعر جدوى، خاصة وقد اردفت بـ (رغم من نمر به من حروب) دعني اسير مع منطقك وأتساءل: ما لم تكن الحرب هذه التي وردت في سؤالك فما جدوى الشعر اذا، دعني اسير اكثر مع منطقك واقول: اي نعم! لأننا في حالة الحروب فأن للشعر جدوى، ان لم تكن جدواه هنا فأين سوف تكون يا هل ترى. الشعر شعور بالحياة او انه من ايقاعها الازلي والخالد! والحرب محاولات قاتلة لا فراغها من محتواها كحياة! قلا بد اذا من الشعر في مواجهة الحرب، لا بد من الحياة كما نشعر بها ضد الحياة العُلبة او (المُعلبة) كما تحاول ان (تُكعفنا) قوى الغَلَبة!
ـ لو لم تكن شاعرا وكاتبا ماذا كنت تتمنى ان تكون؟
الحياة كان سوف يكون شكلها او طبيعتها مختلفة عما هي عليه لو كان من الممكن تفعيل الاداة (لولم) بعيدا عن وظيفتها اللغوية المحضة ، ومع ذلك اصدقك القول بأنني كنتُ وعلى الدوام، وما ازل وسوف استمر اتمنى ان اكون ُمغنيا
ـ ما هو جديدك الشعري؟
ماويةٌ حتى الغياب: هي اخر مجموعة شعرية اصدرتها ولقد صدرت قبل بضعة ايام.
ـ ماهي اخر قصيدة كتبتها؟
لم اكتب اخر قصيدة بعد، ولا أظنني سوف افعل رجيا من العلي القدير ان يطيل بعمري!