كم أحبك يا أبي .. عندما كنت أكتب عنك شاهدتك في الحلم غاضب ووحيد.. ربما اعتدت أن أراك غاضبا، ولكن ما آلمني أن أراك وحيدا..
لم أقصد هجوك يا أبي وأنا أسرد قصة حياتي، ولم أقصد تسجيل بطولة، وأي بطولة يمكن يسجلها ابن على والده.. لست عاقا يا ابي ولست من يسجل عليك بطولة، إنما ابلغ الآباء قصة فيها عبرة وعضة..
كم مزقني مشهد أن اراك وحيدا.. شعرت أنني أحاكمك في غيابك محاكمة غير عادلة.. محاكمة تشبه محاكمة متهم في غيابه.. شعرت أنني أصادر حق حضورك.. ولكن كيف يكون حضورك وكيف استحضر روحك.. لقد حاولت في أحدى الليالي أستحضر روحك حتى بدأت تتحشرج في حنجرتي فقمت فزعا، وقد بدأت ممتقع الوجه وشاحب، وقلبي يكاد يقفز من فمي بعد أن بلغ الحنجرة..
لقد شعرت يا أبي بوخزة ضمير في أعماقي.. شعرت أن هكذا عقوق لا يليق بي.. أنني أفهم يا أبي قد سلطت كثير من الضوء على قسوتك وجاوزت أن احكي كم كنت انسان..
لا زلت أذكر ذلك اليوم ..يوم صدفة تفاجأت وأنت تشهق بكاء ونشيج كطفل.. ياه .. أبي يشهق بالبكاء، ينتحب وبحرقة وألم.. لم أصدق ما أراه.. كيف لأبي القاسي أن يبكي بهذا القدر من الوجع.. لم أر ولم أتصور أن الرجال الكبار يبكون، لكن أن أشاهد أبي الذي اعتقدت أنه مسكون بقسوة العالم يبكي بهذا القدر من المرارة والوجع، كان أمراً لا يصدق.. لم أدرِ ما السبب وظل الأمر غامضا؛ ولم تخبرني أمي أي قهر قد أصابه.. ولكن اليوم عرفت.. كان يتذكر ويبكي رحيل ابنه علي.. أحسست أن أبي مثلنا ومثل جميع الناس يحزن ويبكي ويتألم..
أحبك يا أبي..
أحبك يا أمي..
إنني امتداد لكما ولحزن ذاك الزمان وهذه البلاد..
قبل أيام خرجت من البيت ولعجل من أمر كدت اضرب ابني فادي أمام زملاءه في الشارع أمام البيت.. كان المنظر كئيبا وغير سوي.. تذكرتك يا أبي.. شعرت لحظتها أن طيفك يداهمني ويقول لي أن بيننا وبين الخطأ مدت يد أو أقل.. استعدت تلك الجملة التي كتبتها في قصتي وأنت تضربني أمام الأطفال وأنا أشعر أن عيونهم تأكلني.. جميعنا يا أبي نحن أبناء هذه البيئة القاسية..
شعرت أن روحك كانت لحظتها حاضرة فوق رأسي وهي تقول: اغفر فكلنا خطاؤون.. شعرت أنك تذكرني بما لا أريد تذكره.. شعرت لحظتها بغصة في حلقي كسكين.. أحسست أنك تعاقبني وتقول كل يقع في الخطأ.. شعرت بمرارة من تكرار الخطأ وهو أن يعيد الابن خطأ والده في التربية.. بعد ساعات من معركتي مع ضميري وجدت نفسي أقبل رأس ابني فيما هو كان يقول: سامحتك.. سامحتك..