قصة الفتاة التي أصبحت سفيرة بعد أربع سنوات على تخرجها من الجامعة
2 سبتمبر، 2016
1٬004 9 دقائق
يمنات
علي الفقيه
تخرجت من الجامعة في عام ٢٠١٢ وقبل أن تخوض عناء رحلة البحث عن وظيفة وجدت نفسها تزاحم القادة السياسيين ورجال الدولة الذين أمضى بعضهم أربعة عقود في مجال الوظيفة الحكومية أو العمل السياسي.
أدت الشابة اليافعة سحر غانم اليوم الخميس اليمين الدستورية سفيرة لليمن لدى مملكة هولندا، رغم ما يمكن أن تتمتع به هذه الشابة من قدرات ذاتية إلا أن ذلك في أحسن الظروف يهيئها لأن تشغل موقع رئيس قسم في أي مؤسسة حكومية.
لم تقعد يوماً ما على مكتب الوظيفة الحكومية في أي مستوى، وكانت مشاركتها الوحيدة في مجال العمل العام هي عضوية مؤتمر الحوار الوطني في عام ٢٠١٣، وما قبله وبعد تخرجها من الجامعة كانت ناشطة تجيد اللغة الإنجليزية ابتدأت للتو حياتها مع إحدى منظمات المجتمع المدني، تحلم مثل غيرها من آلاف الشباب اليمني المؤهل بالحصول على فرصة طبيعية للعمل.
في بلد يغرق بالفساد والحرب لا شيء يخدم الطامحين للقفز إلى المناصب العليا مثل القرابات والعلاقات الشخصية، فالفاسدون الذين استلموا السلطة في ٢٠١٢ من فاسدين قبلهم لا يزالون يعملون على هدم مؤسسات الدولة وإهانة الوظيفة العامة بتوزيع المناصب العليا في الدولة على الأقارب والأصدقاء دون اعتماد أي معايير محترمة للتعاطي مع التعيينات التي أصبحت هي النشاط الأكثر حضوراً في الجدول اليومي للسلطة الشرعية القابعة في المنفى.
كانوا فاسدين في صنعاء وصاروا فاسدين أكثر رداءة وهم مشردون خارج البلاد، فهم يقضون جل وقتهم في توزيع المناصب على الشلة ذاتها بينما لا يفكرون مجرد التوقف لحظة للالتفات إلى أبطال يسكبون دماءهم في الجبهات دفاعاً عن بلد تمتصه هذه الشلة الناعمة والطبقة المخملية التي لم تذق يوماً طعم البؤس.
سحر هي زوجة الشاب مبارك البحار الذي أصبح مؤخراً سكرتيراً خاصاً لرئيس الجمهورية، وكلاهما “سحر ومبارك” ناشطان بداأ نشاطهما في المجال العام انطلاقاً من مؤتمر الحوار الوطني ووضعا حينها مداميك أسرتهما السعيدة، وكان يمكن لهما كشابين متعلمين أن يشقا طريقهما ويحصلان على فرص في الوظيفة العامة، لكن أي قدرات خارقة يتمتعان بها لن يمكن فتاة يافعة من أن تبدأ حياتها العملية بمنصب سفير.
سبقتها وستلحقها قرارات مشابهة بتعيينات في مناصب عليا في الدولة لشباب محضيين ربما بعضهم لم يكمل دراسته الجامعية، بل ومتعثرون في الجامعات بعد أن وجدوا أنفسهم في زمن يكرم الرداءة والابتذال، وتأكد لهم أن الفهلوة أكثر فاعلية للحصول على قرارات في مناصب عليا من أي شهادات أكاديمية ولو كانت الدكتوراة، فالرئيس كونه المعني بإصدار القرارات يتلقى توصيات وتزكيات من المقربين له بإصدار مثل هذه القرارات التي تشكل أكبر عملية تجريف للوظيفة العامة وإهانة للمناصب في مؤسسات الدولة لمئة سنة قادمة.
تناقل الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية مهزلة الوزير الذي استخرج لزوجته قرار وكيلة وزارة، ونائب الوزير أخو الوزير، والنائب أخو المحافظ.. يعني باختصار الشلة التي تلتقي في قصر الجيران صباحاً وتشرب الشاي مساءاً في ردهة الموفنبيك هي ذاتها تتبادل خدمات استخراج قرارات التعيينات ليلحقها معاملات اعتماد المستحقات والامتيازات والبدلات و”اخدمني اخدمك”!!، إلا أنهم يجهدون كثيراً وهم يسردون على بعضهم تضحياتهم ومواقفهم النضالية لدرجة تبعث على الغثيان.
وانا اكتب هذه القصة استعدت حرفياً قصة القائد المليشياوي “أبو الكرار” الذي سردت قصته قبل أيام، إذ تم إلحاق اسمه رسمياً بكشوفات وزارة الداخلية في إبريل الماضي كمجند جديد ليتم بعدها ترقيته إلى رتبة لواء ركن في شهر أغسطس وتصدر له اللجنة الثورية في آخر أيامها قراراً بتعيينه نائباً لوزير الداخلية.
الفساد الذي أخرج هذه النخبة المتخمة من صنعاء لا يمكن أن يعيدهم إليها على كل حال.