السعودية تسيسس الحج و معظم كوارثها سببها الاهمال وسوء الادارة السعودية
9 سبتمبر، 2016
347 14 دقائق
يمنات – رأي اليوم
نظريا من المفترض ان يكون موسم الحج بعيدا عن محاولات “التسييس″، سواء جاءت من قبل الدولة المضيفة، او تلك التي ترسل حجاجا الى البقاع المقدسة في مكة المكرمة وجوارها، لأداء هذه الفريضة، ولكن ما يجري اليوم من خلافات وانقسامات وصدامات وحروب في منطقة الشرق الاوسط، جعل الموسم الحالي هو الاكثر تسييسا منذ عقود، وهناك مخاوف جدية من حدوث بعض الصدامات نتيجة لذلك.
ايران قررت مقاطعة هذا الموسم بسبب خلافات مع ادراة الحج السعودية حول اجراءات السلامة، واصرار الجانب الايراني على قيام حجاجه بالانخراط في مظاهرات للبراءة من الكفار، كعادتهم كل عام، واحتجاجا على عدم تجاوب السلطات السعودية لمطالبها بمعرفة كيفية وفاة اكثر من 450 حاجا ايرانيا في حادث التدافع في مشعر منى الموسم الماضي، وهذه الخلافات لها علاقة بأزمات سياسية اكبر بين البلدين، وحالة الاستقطاب المذهبي التي تعيشها المنطقة.
السلطات السعودية، وعلى غير العادة، رفضت السماح للحجاج السوريين بأداء الفريضة لانها لا تعترف بالحكومة الرسمية في دمشق، واوكلت مهمة التنسيق للحجاج السوريين للمعارضة السورية التي تستضيف قيادة هيئتها التفاوضية العليا في عاصمتها الرياض.
في صنعاء اتهمت جماعة “انصار الله” الحوثية السلطات السعودية بمنع الحجاج اليمنيين من اداء فريضة الحج للموسم الحالي، ويأتي هذا الاتهام بعد يومين من اعلان وزارة الاوقاف اليمنية استكمال تفويج 19 الف حاج عبر معبر الوديعة الحدودي في محافظة حضرموت، واتهم السيد صالح الصمادي (الرئيس المعين) السلطات السعودية بتعريض هؤلاء الحجاج الذين تكدسوا في المعبر لانتهاكات جسيمة، واهانات وحجز، واذلال، وتعريض حياتهم للخطر، بينما قال الرئيس (الشرعي) عبد ربه منصور هادي، المقيم في الرياض انه تم دخول جميع الحجاج.
“حزب الله” اللبناني قرر بدوره منع افراد قيادته وانصاره من اداء فريضة الحج لهذا العام تضامنا مع الموقف الايراني المقاطع، وتطبيقا للتكليف الشرعي للولي الفقيه الامام الخامنئي في طهران بسبب خلافات مع القيادة السعودية، حسب ما ذكره مصدر مقرب من قيادة الحزب، مما يعني ان المواجهات بين المعسكرين السعودي والايراني وحلفائهما، بدأت تنعكس على موسم الحج الحالي، وربما مواسم قادمة ايضا.
الزميل عبد الرحمن الراشد، الكاتب السعودي اعتبر “ان مقاطعة موسم الحج هو افضل ما فعلته الحكومة الايرانية لانها تكون بذلك قللت من فرصة الاشتباكات التي كانت سببا في مقتل المئات في السنوات الماضية”، متهما في مقال نشره في الزميلة “الشرق الاوسط” اليوم (الخميس) وجود بعض رجال الحرس الثوري بين الحجاج ويتعمدون اثارة المشاكل.
نختلف مع الزميل الراشد، ومعظم الكتاب السعوديين الذين يتبنون الموقف نفسه لسبب بسيط، وهو ان غياب حجاج ايرانيين ويمنيين وسوريين وعراقيين، ومعظم هؤلاء من دول تختلف معها المملكة سياسيا، يلقي بظلال الشك حول اهلية المملكة للاشراف على ترتيب هذا الموسم، ويثبت الاتهامات بتسييسها للحجيج، ومن خلال اظهارها بمظهر غير حيادي سياسيا وطائفيا، الامر الذي يوفر ذخيرة قوية لاولئك الذين يشنون حملات دعائية قوية ضدها، ويركزون فيها على هذه المسألة بالذات.
الزميل الراشد اشاد بكل الرؤساء، السوري بشار الاسد، والعراقي صدام حسين، واليمني علي عبد الله صالح، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ومناقبهم في عدم تحويل موسم الحج الى مناسبة لتصفية الحسابات مع المملكة، وهذا قد يحسب لهؤلاء الزعماء وليس للقيادة السعودية التي “تسييس″ موسم الحج سواء بدخولها في حروب وصراعات في سورية واليمن وليبيا وايران، او بمنعها حجاج هذه الدول او معظم السياسيين الذين يختلفون مع سياساتها ومواقفها.
مقاطعة او منع حجاج يمنيين وسوريين وايرانيين، ومن اتباع المذهب الشيعي خاصة، يجعل موسم الحج مقتصرا في معظمه على الحجاج السنة، وهذا خطر كبير على العقيدة، وما كنا نأمل ان يقدم الشيخ عبد العزيز آل الشخ، مفتي المملكة، على تكفير الايرانيين والشيعة عموما وفي مثل هذا التوقيت بالذات حتى لو كان هذا التكفير “زلة لسان”.
صحيح ان السلطات السعودية سمحت للحجاج الايرانيين خارج بلادهم من اداء فريضة الحج، وصحيح ايضا ان الحجاج الموالين للرئيس اليمني هادي لم يجدوا اي صعوبة في اداء الفريضة، ولكن هذا يصب في مصلحة تهمة “التسييس″ للمملكة ايضا.
ندرك جيدا ان اجواء موسم الحج الحالي في ذروة التوتر الامني بسبب التوتر السياسي، الامر الذي يشكل عبئا ثقيلا على ادارة الحج السعودية واجهزتها الامنية، مما يجعلها اكثر تشددا في اجراءاتها، واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث اي صدامات او تدافع او خروج عن القوانين والاجراءات الامنية والمرورية، ولكن كان من المفترض اتخاذ كل ما يمكن من خطوات لمنع اي شبهة تقسيم طائفي للحجاج، والموسم الحالي بالذات، مع تقديرنا لضخامة المسؤولية، وصعوبتها وتعقيداتها.
لا يخامرنا ادنى شك في ان السلطات السعودية لن تتردد في دخول حرب للحفاظ على سيادتها على المناطق المقدسة، ومقاومة اي محاولة لمشاركتها في ادارتها، واي دولة اخرى ستفعل الشيء نفسه، بما في ذلك ايران نفسها، ولكن، ونصر على كلمة لكن، هي مطالبة بإدارة افضل واكثر علمية وكفاءة لهذه الاماكن، من حيث تأمين سلامة الحجاج، وتيسير ادائهم لفريضتهم، بعيدا عن اي اخطار او منغصات، خاصة ان هؤلاء يغطون تكاليف حجيجهم، ويوفرون دخلا ماديا بعشرات المليارات من الدولارات سنويا الى الخزينة السعودية التي تعاني هذه الايام من العجوزات الهائلة، بسبب تراجع اسعار النفط مما دفع ويدفع حكومتها الى البحث عن مصادر دخل بديلة تتصدرها السياحة الدينية (الحج والعمرة)، واذا راجعنا ظروف معظم كوارث مواسم الحج السابقة نكتشف ان معظمها ليس لها علاقة بايران وحجاجها، وانما بالاهمال وسوء الادارة السعودية.
من حق كل عربي ومسلم ان يطالب بالشفافية، وان ينتقد اي تقصير من قبل الهيئات السعودية المشرفة على ادارة موسم الحج، مثلما هو من حقه ان يؤكد على ان زيارة الاماكن المقدسة حق مشروع لكل مسلم موحد، بغض النظر عن مذهبه، وموقف بلده السياسي، طالما يلتزم بإحترام الاجراءات الادارية والامنية، وبما يؤدي الى موسم حج آمن.