نتنياهو فرح من سياسة الرياض: السعودية هي خطتنا البديلة!
يمنات
لا يوجد شيءٌ يمكن أن يدلَّ على صواب الخيارات الإستراتيجية والظرفية الحالية للدول الإسلامية، أكثر من موقف الكيان الإسرائيلي منها. فالحقيقة أن الصراع بين الإسلام والصهيونية هو جوهر الصراعات الحالية. حيث أن الإسلام دينٌ مُكمِّلٌ لكافة الأديان، في حين أن الصهيونية تختلف مع اليهودية التي يحترمها الإسلام ويُقدِّرها. وهو بحثٌ آخر لسنا في وارد الحديث عنه اليوم. لكن الأمر الطارئ الذي بات يحتاج الى وقفة جريئة، هو الكلام الذي خرج به رئيس الكيان الإسرائيلي، عدو العرب والمسلمين، حول السعودية. وتعبيره عن فرحته لسياسة الرياض والتي ساهمت في غياب الحجاج الإيرانيين عن موسم الحج هذا العام. لكن فحوى الكلام، وهو الأهم، يعني أن السعودية باتت بالمفهوم الإسرائيلي الخطة البديلة (ب) بعد أن فشلت الخطة الأساسية (أ). فماذا في كلام نتنياهو الأخير؟ وما هي دلالات ذلك؟
نتنياهو وتعبيره عن الفرح
أشاد رئيس وزراء الکيان الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو في تصريح لموقع “Times of Israel” بإطلاق الحكومة السعودية حملة “الحج عبادة وسلوك حضاري”. وأضاف بأن هذه المبادرة ستكون خطوة عملية لإحياء السلام العالمي بين الإسلام وسائر الأديان خاصة الديانة اليهودية في الشرق الأوسط كمقدمة لتحقيق التطبيع بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي والذي اعتبره قريباً بحسب رأيه. وتابع نتنياهو مُعبِّراً عن سعادته لغياب الحجاج الإيرانيين عن الحج هذا العام، مؤكداً بأن إيران هي العائق الرئيسي لتحقيق السلام مدى العقود الأخيرة في الشرق الأوسط على حد قوله. وأشار نتنياهو الى إمكانية رفع الخلاف السعودي الإسرائيلي في ظل السياسة الجديدة التي تنتهجها السعودية.
الدلالات بموضوعية
أسئلة كثيرة يطرحها كلام المسؤول الإسرائيلي. في حين بات العلاقة بين تل أبيب وبعض الدول العربية أمراً طبيعياً، بعد أن روَّجت لذلك ماكينة الإعلام الخليجي وبعض العربي. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: يحتاج تصريح نتنياهو لوقفة جريئة من المسؤولين في البلدان الإسلامية، لما يعنيه ذلك من سعيٍ لوأد الفتنة ومنع انقسام المسلمين، أو ظهورهم بمظهر الإنقسام. وهو الأمر الذي يعرف المسلمون مدى أهميته. في حين يبدو واضحاً أن مرحلة الوعي التي باتت تعيشها الأمة الإسلامية اليوم، هي أكبر من أن يتمكن العدو من خرقها.
ثانياً: أكد نتنياهو من خلال كلامه على أن آل سعود هم حلفاء استراتيجيون للكيان الإسرائيلي وليس أدوات ظرفية. خصوصاً بعد أن اعتبر سلوكهم نموذجاً لما يجب أن تنتهجه الدول الأخرى. وهو ما يُثبت حقيقة المقولة التي تدعي بأن أيديولوجية آل سعود لا تختلف عن أيديولوجية الصهاينة.
ثالثاً: يدل كلام نتنياهو على سوء إدارة آل سعود لأمور المسلمين، حتى باتت سياساتهم نقطة فرح الأعداء ودليلاً لصواب خياراتهم الإستكبارية. خصوصاً عبر استخدامها في التحريض على الإنقسام. وهو الأمر الذي يجب أن تتبرأ منه الدول الإسلامية كافة. لأن مجرد رضا الأعداء عن سياسات أي طرف، يعني وجود خطأ في الخيارات والمنحى المُتَّخذ.
رابعاً: يُعتبر كلام نتنياهو شهادة للجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي لا تحتاج لشهادة نتنياهو. لكن كلامه يدل على أن خيارات طهران لا تتوافق بل تتعارض مع خيارات الأعداء وتحديداً الكيان الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يؤكد بحد ذاته صوابية الرؤية الإيرانية لمصلحة المسلمين، خصوصاً أن جميع المسلمين يتفقون على العداء للكيان الإسرائيلي.
خامساً: يجب التنبه الى أن نتنياهو لم يقصد في كلامه فقط إعطاء شهادة لطرف وذمَّ طرفٍ آخر، بل إن الأخطر من ذلك هو سعيه لترسيخ العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية كخيار استراتيجي. محاولاً نقل السياسة الجديدة من مرحلة التخطيط للسلام بحسب تعبيره الى مرحلة تنفيذ التطبيع. مُعبِّراً عن وجود حاجة متبادلة لذلك ومصالح مشتركة.
سادساً: أكد نتنياهو أن مشاريع الصهيونية لم تتحقق في المنطقة بسبب السياسة التي تتبعها إيران. وهو عَنا بذلك ترؤسها لمحور المقاومة وتطويرها دور هذه الأطراف من المحلية الى الإقليمية والدولية. مما يعني بأن الدور المركزي لمحور المقاومة بات مؤثراً لدرجةٍ يحتاج فيها الى منع تأثيره عبر إقناع المسلمين والعرب بالسلام، والذي اعتبر نتنياهو أن إيران تشكل العائق الوحيد له بعد وقوفها في وجه السياسات الأمريكية، فيما تُشكل سياسة السعودية نموذجاً له.
سابعاً: لم يُخف نتنياهو أسلوب الإذلال الإسرائيلي في التعاطي مع الدول العربية. حيث أكد أنه على الرغم من وجود بعض الخلاف مع السعودية الا أن ذلك لا يعني عدم إمكانية رفعه عبر السياسات الجديدة التي تنتهجها الرياض. وهو ما يجب أن تلتفت له الدول العربية كافة، والتي فكَّرت أو تُفكّر بالعلاقة مع الكيان الإسرائيلي، بأنها لن تكون إلا أداة لتحقيق المشروع الإمبريالي الصهيوني في المنطقة.
إذن خرج نتنياهو ليعلن رضاه عن سياسة الرياض. في حين لم يخرج أحدٌ بموقفٍ حكيمٍ في زمن السياسات المُعقَّدة، والتي تحتاج لبصيرة في التعاطي. لم تكن السعودية يوماً منتميةً الى الإسلام بشيء. بل إن تعبير نتنياهو ليس إلا توصيفاً لحقيقة الواقع الذي يبدو واضحاً وجلياً، والذي تنقله حقائق التاريخ. وهو بأن الرياض أنشأت لتكون الخطة البديلة للكيان الإسرائيلي. في حين يعرف المحارب والمُخطط أن مُجرد الإنتقال من الخطة (أ) الى الخطة (ب) يعني الإقرار بالفشل. ولمن ينتظر أن تنجح الخطة البديلة (ب)، فعليه أن يُعيد قراءة التاريخ ليستفيد من دروسه الحقيقية. فمن ينتمي للإسلام هو من يقبل أن يقف بوجه العالم بأسره لنُصرة المظلومين ولو حوصر لسنوات. وبين رضا نتنياهو والواقع المُشرِّف للمسلمين، سجَّل التاريخ عاراً يتَّصف بالذل لآل السعود.
المصدر: الوقت