السفر من تعز إلى عدن .. سفر يرافقه الخوف والرعب والمخاطر في طرق لا تخلو من الموت والعذاب
يمنات
مفيد الغيلاني
قطعت الحرب في تعز جميع الطرق الرئيسة والفرعية المؤدية إلى المدن المجاورة لها، ولاسيما عدن ولحج، مما جعل المسافرين وسائقي المركبات يسلكون طرقاً جديدة، عادة ما تكون وعرة وتستغرق وقتاً طويلاً، حيث أصبح السفر من تعز إلى عدن رحلة معاناة نحو المجهول، كما يقول مسافرون.
فمن أراد السفر إلى عدن لا بد أولاً أن يحصل على تصريح من مجلس تنسيق “المقاومة”، الأمر الذي قد يأخذ أكثر من أسبوع، والكثير لم يحصل عليه إن لم يكن له وساطة أو معرفة بأحد قيادات “المقاومة”.
تبدأ بعدها رحلة المعاناة والمشقة والمغامرة والخسارة المادية إن صدر لك تصريح العبور، لرحلة سفر يرافقها الخوف والرعب والمخاطر، من خلال طرق لا تخلو من الموت والعذاب، قصص وحكايات لمواطنين قرروا السفر عبر هيجة العبد إلى عدن، وقف “العربي” على بعض من تفاصيلها.
البداية كانت مع عمار المعمري، أجبرته رزنامة من الحاجيات المهمة لسفره إلى عدن، ليس أهونها الذهاب من أجل تعزية أسرته ووالده بوفاة أخته هناك، حمل أمتعته وقرر السفر إلى عدن، في رحلة طويلة استغرقت خمسة عشر ساعة.
يقول المعمري، لـ”العربي”، إن “الحرب أنتجت لنا المعاناة والمآسي، التي نتكبدها كل يوم، وفي كل مكان، فالسفر اليوم أصبح متعباً جداً، وتكاليفه باهظة، ازدادت أربعة أضعاف عما كانت عليه سابقاً، ولا قدرة لنا أن ندفعها، ناهيك عن المسافات الطويلة التي سلكناها أثناء السفر إلى عدن، ومسلسل البحث عن تصريح عبور من مجلس تنسيق المقاومة، والبحث عن وساطة .. ولم أحصل عليه إلا بعد ثلاثة أيام”.
و يضيف المعمري أن “السفر، اليوم، إلى عدن، يتطلب مبلغاً لا يقل عن ستة عشر ألف ريال يمني كمواصلات فقط، في رحلة معاناة تصل إلى خمسة عشرة ساعة”.
ليس هذا فقط ما يعانيه المسافر إلى عدن عبر الطرق الوهمية والخطوط الطويلة المتعرجة، بل هناك مأساة أخرى يواجهها، كما يقول المعمري، وهي “المعاملة التي عوملنا بها أثناء سفرنا، فتشت أمتعتنا في كل النقاط، ووجهت لنا أسئلة استفزازية: من أين أنت؟ ولماذا مسافر؟ وأيش معاك؟ أنت دحباشي؟ يالله إرجع حرر بلادك! فتشو هواتفنا المحمولة، واحتجزوا اثنين كانوا معنا وجدوا معهم صوراً لبعض فصائل المقاومة التي لا تروق لهم على ما يبدو”.
أما هشام المخلافي، فقد رفضت ثلاث شركات سفر إصدار تذاكر سفر لأخيه بحجة أنه من تعز، يقول: “أخي لديه بطاقة من مواليد تعز، وصادرة من لحج، وزوجته من أبناء عدن وتحمل بطاقة صادرة من عدن، مريت على ثلاث وكالات سفر وجميع الشركات رفضوا إصدار التذاكر لأن الزوج، أي أخي، من تعز، ومن يحمل بطاقة من مواليد الجنوب هو من يحق له السفر”.
يتابع: “هذه ليست المشكلة، المشكلة دلوني على أشخاص لديهم باصات هيس لتهريب المسافرين إلى عدن بمقابل مبلغ يصل إلى حدود عشرين ألف ريال لكل مسافر، وعبر طرق قد تصل من خلالها أو لا تصل”.
الابتزاز والتقطع والقصف والخوف مأساة أخرى يتعرض لها المسافرون عبر الطرق الوعرة.
صهيب الصلاحي، يعتبر السفر من تعز إلى عدن بمثابة رحلة نحو المجهول، أسوأ حالاتها أن تقتل أو تصل مهاناً أو مسروقاً، يقول: “على طول الطريق من تعز إلى عدن يوجد أكثر من 23 نقطة تفتيش، نصف هذه النقاط غير رسمية؛ نقاط نهب وتقطع، في إحدى هذه النقاط في منطقة طور الباحة، تعرضت أنا وأحد الزملاء للاختطاف من قبل خمسة مسلحين، أنزلونا من الباص وأخذونا على سيارة سوزوكي سوداء إلى مزارع بعيدة عن الخط والقرى السكنية، وهناك تم سلب وسرقة جميع ما كنا نمتلكه من النقود والجوالات والبطائق وحتى حقائب الملابس، ناهيك عن التلفظ بالسب والإهانة التي تعرضنا لها من قبلهم”. ويتابع بحسرة وقهر: “وبعد نهبنا لكل ما نملك تركونا في مكان خال من الناس وذهبوا”.
في تعز هناك الكثير ممن يريدون السفر إلى عدن لكن يظل البحث عن مواصلات وطرق آمنة يعبرون من خلالها هو الهم الذي يؤرقهم، وإن وجدوها فلا أحد يعثر على الأمان والطمأنينة، حتى السائق نفسه.
يوسف النابهي، أحد سائقي المركبات التي تنقل المسافرين من تعز إلى عدن، يتحدث إلى “العربي” عن “صعوبات كثيرة يواجهها السائقين، فالمسافة التي نقطعها خلال أكثر من خمسة عشر ساعة عبر الضباب التربة الحجرية هيجة العبد سامع والصلو طور الباحة الخط الساحلي لحج… لنصل إلى عدن، ليست بالسهلة، منحدرات وعرة نرى فيها الموت، ناهيك عن القصف وأعمال القنص مجهولة المصدر، خصوصاً أننا ننقل أرواحاً لا مواشي”.
ويضيف: “المسافر أصبح اليوم لا يبالي بطول وقصر المسافات، أو بخطورة الطريق التي لا يأمل عبرها الوصول، أو المبالغ التي يدفعها، بقدر ما يخاف الموت أو السلب والنهب والتقطع”.
ويتابع: “في إحدى المرات مررنا على إحدى النقاط فتم إنزال الركاب رغم الوثائق الشخصية التي عرضت عليهم، لكنهم أخذوا منهم كل ما يمتلكون، وأخذوا ما بحوزتي معهم ثم أجبرونا على الرجوع من حيث أتينا”.
معاناة السفر من تعز إلى عدن هي إحدى صور معاناة الحرب، التي يصطلي بنارها المواطن التعزي منذ قرابة عامين.
نساء وأطفال وشيوخ أجبروا على ركوب نعش الموت عبر طرق بديلة ليست آمنة، لكنها الوحيدة أمامهم، بعدما أغلقت معظم الطرق أمامهم، وضاقت سبل الحياة بهم، وفتحت الحرب نافذة واحدة: هي نافذة الموت.
للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا