هادي من “سأدوس على كرامتي وأستمر” حتى منع طائرته من الهبوط في مطار عدن من قبل “أبو قحطان”
يمنات
فايز الأشول
“إنني لا أرغب في أن أكون في هذا الوضع اليوم الذي أنا فيه، فأنا أرفض أن أمسك بدلاً عن علي عبد الله صالح، لكن القدر وإصرار الرئيس على هذا الكلام (قبول المنصب) وضعني في هذا الوضع”.
ليس إصرار صالح فقط من نقله من ظله لـ17 عاماً وأقعده على كرسي الرئاسة الملتهب، بل توافق جميع الورثة على “حمل وديع” منزوع الصلاحيات. لكن اليمنيين الذين توجهوا في الـ21 من فبراير عام 2012م إلى صناديق الإقتراع، انتخبوا المرشح الوحيد للرئاسة، عبد ربه منصور هادي، كملاذ أخير من صراع القوى النافذة.
وقف العالم إلى صفه، وحزم رئيس وأعضاء مجلس الأمن حقائبهم إلى صنعاء لمساندته، لكنه خذل الجميع وفر هارباً إلى عدن في الـ21 من فبراير عام 2015م، مضيفاً بذلك إلى رصيده نقطة الهروب الثانية. فقد سبقها هروبه مع “الزمرة” من عدن إلى صنعاء عقب أحداث 13 يناير 1986م، وأتبعها بهروبه للمرة الثالثة من عدن إلى مسقط في الـ21 من مارس عام 2015، ومنها إلى الرياض.
و لا يزال سجله حافلاً بالاخفاقات والكوارث المتتالية. عقب كل كارثة ينفعل الشعب، ويظهر هادي بهيئة بيروقراطية واسترخاء قاتل. يتحدث كأنه رئيس… لكنه مجرد من الفعل.
فرص ضائعة
إنتظر الشعب منه تنفيذ عملية إزالة جماعية للشخصيات النافذة، لكنه تعامل معها كما لو أنه لا يزال نائباً للرئيس. لقد زاحمه مستشاره اللواء علي محسن الأحمر في القصر الجمهوري بصنعاء، واتخذ لنفسه أكثر من جناح بداخله وسير موكباً يضاهي موكبه.
تُنفَّذ توجيهات محسن وتُرفض توجيهات هادي، لكن الأخير يحافظ على هدوئه، ويقابل عدسات التصوير بابتسامة يكررها، ولم يجد لها المتابعون تفسيراً حتى اللحظة.
ظل الرئيس هادي ملازماً لمنزله في شارع الستين بصنعاء معظم أيام فترته الإنتقالية التي حددت في المبادرة الخليجية بعامين. لم يتمكن خلالها من دخول دار الرئاسة الذي يبعد عن منزله بضعة كيلومترات إلا في أيام معدودة، وظل الجنرال محسن بجواره فارضاً طوقاً على منزله بحجة حراسته بقوات من الفرقة الأولى مدرع، “أنصار الثورة”. كما ظل “مقيله” عامراً بقيادات “اللقاء المشترك” والمهاجرين من حزب “المؤتمر” بحثاً عن مغانم السلطة.
أفضت ملازمة الجنرال محسن وقيادات “المشترك” لهادي إلى قرارات أفسدت علاقته مع الرئيس السابق وحزب “المؤتمر”، وأفقدته دعم قوات الحرس الجمهوري والعديد من ألوية الجيش. وظهر كواجهة لحزب “الإصلاح” الذي تمكن من خلاله من إزاحة أقرباء صالح وأغلب الموالين له في الوظائف العليا بشقيها المدني والعسكري، ما دفع بصالح إلى عقد اجتماع للجنتين العامة والدائمة والتصويت على إزاحة هادي من منصب الأمين العام للحزب، لتبوء كل محاولات الأخير في استنساخ “المؤتمر” وسحب البساط من تحت صالح بالفشل.
لم يستمر وفاقه مع الجنرال محسن وحزب “الإصلاح” طويلاً بعد تنامي قوة “أنصار الله” التي حاصرت معقل السلفيين في دماج بصعدة حتى تهجيرهم، وصرح ناطقهم حينها، سرور الوادعي، لوسائل الإعلام، بأن “الرئيس هادي اتخذ قرار تهجيرنا إرضاء للسيد”.
ملتزم بالحياد
مع مطلع العام 2014، زحفت “أنصار الله” بمسلحيها من حرف سفيان صوب مدينة حوث، معقل أبناء الشيخ عبد الله الأحمر. إستنجدوا بالرئيس هادي ولكنه وجه وزير الدفاع حينها، اللواء محمد ناصر أحمد، بإبقاء القوات المسلحة على الحياد، لتسقط محافظة عمران بيد “أنصار الله”، ويقتحم مسلحوها معسكر اللواء 310، ويقتلوا قائده، العميد حميد القشيبي، في الـ8 من يوليو من العام نفسه. بعدها، خرج الرئيس هادي عن صمته، وقام بزيارة إلى مدينة عمران تحت حماية “أنصار الله”، وصرح من وسط المعسكر الذي كان يقوده القشيبي بأن “عمران عادت إلى أحضان الجمهورية”.
واصلت “أنصار الله” مسيرتها صوب العاصمة صنعاء، وانهالت قذائفها على مبنى التلفزيون الرسمي وجامعة الإيمان ومعسكر الفرقة الأولى مدرع، ليوجه الرئيس هادي مستشاره اللواء علي محسن بالعودة لقيادة الفرقة. إرتدى الجنرال بزته العسكرية، وانتظر دعم هادي و وزير دفاعه ولكن دون جدوى.
أجرى عشرات الإتصالات بالرئاسة ولكن لا إجابة، ليجمع ما تبقى من جنود الفرقة ويخاطبهم بقوله “إخلعوا الزي العسكري والبسوا زياً مدنياً. لقد انتهى الأمر”. إتجه الجنرال محسن إلى السفارة السعودية، ومنها أقلته مروحية إلى المملكة، وأحكمت “أنصار الله” سيطرتها على العاصمة صنعاء في الـ21 من سبتمبر 2014م. تلاها التوقيع على “اتفاق السلم والشراكة”، وبعد أيام ظهر هادي بخطاب طالب فيه الحوثيين بمغادرة المدن، وإنهاء المظاهر المسلحة في صنعاء.
ساعدوني وسأنفذ
ظل الرئيس هادي محافظاً على هدوئه كحمل وديع تحت رحمة “أنصار الله”. التي لبى مطالبها بتعيين عدد من مرشيحها في المؤسسات الحكومية، لكنها طلبت من هادي المزيد.
و في عشية الـ15 من يناير 2015، حضر مدير مكتب زعيم “أنصار الله”، مهدي المشاط، إلى منزل الرئيس هادي، وطلب منه إصدار قرارات جمهورية في التاسعة من مساء ذلك اليوم، تتضمن تعيينات لنائب رئيس الجمهورية، و200 مرشح في مناصب مدنية وعسكرية.
و بحسب ما كشفت عنه صحيفة “المصدر”، نقلاً عن شخصيات حضرت الإجتماع، فقد رد مستشار الرئيس، سلطان العتواني، على المشاط بالقول: “باقي تستكملوا الإنقلاب وتصدروا البيان رقم واحد”. فرد عليه المشاط: “البيان رقم واحد في جيبي ومن الأفضل أن تروّح بيتكم”. فرد عليه العتواني: “تعال اعتقلني، أنا أرفض كل هذا”. وأعلن انسحابه من الإجتماع. فتدخل الحاضرون وأثنوا العتواني عن الإنسحاب.
و عقب تلك اللحظة قال مستشار الرئيس، عبد الله أحمد غانم، “واضح أن هذا فرض للمطالب بالقوة”. فرد المشاط: “نعم بالقوة. نحن ماسكون كل شيء فماذا عندكم أنتم..؟ المكونات السياسية سبب المشاكل”.
و عندما تم التوصل إلى صيغة أولية للاتفاق، خاطب يحيى منصور أبو إصبع الرئيس بالقول: “أمام هذه الأوضاع لم يبق أمامك سوى خيارين، إما أن تنفذ المطالب أو تستقيل”. فتدخل مهدي المشاط مرة أخرى وقال: “ينفذ المطالب ولكن لا يستقيل”. و هنا أفصح الرئيس هادي وقال: “سأتحمل وأدوس على كرامتي وأستمر… ساعدوني على تنفيذ المطالب”. صُعق الجميع من رده و خيم الصمت.
قصة الهروب
تعثر صدور القرارات التي طلبتها “أنصار الله”، والسبب ليس مرواغة هادي، وإنما خلافه مع مستشاريه بشأنها. فقررت عزله ومحاصرة القصر الرئاسي في 20 يناير 2015م، ليقدم هادي استقالته في الـ22 من يناير إلى مجلس النواب، بعد استقاله الحكومة برئاسة خالد بحاح، ولم يعقد البرلمان جلسة لقبول الإستقالة أو رفضها.
و أصدرت “أنصار الله” ما سمته “الإعلان الدستوري”، الذي قضى بحل البرلمان، وتولي “اللجنة الثورية”، برئاسة محمد علي الحوثي، رئاسة البلاد. وظل الرئيس المستقيل هادي ورئيس الوزراء قيد الإقامة الجبرية التي فرضها مسلحو “أنصار الله”، حتى استطاع هادي الفرار من منزله بصنعاء، بمساعدة من استخبارات دولة قطر، التي كشفت مصادر لـ”العربي” أنها دفعت مبلغاً من المال لشيخ في حزب “الإصلاح” من قبيلة خولان، ليتولى تهريب هادي من صنعاء إلى عدن في الـ21 من فبراير، بعد أن أخرجه من منزله اللواء علي حسن الأحمدي، رئيس جهاز الأمن القومي حينها، على متن سيارته إلى المدينة الليبية، بواسطة رشوة دفعها للحراس الذين كانوا عند إحدى بوابات المنزل.
و لدى وصول هادي إلى عدن، تراجع عن استقالته التي وجهها للبرلمان، وأصدر بياناً بثته قناة “الجزيرة” القطرية، وليس “تلفزيون عدن”، قال فيه: “إن انقلاب الحوثيين غير شرعي”.
إستعاد عافيته بعد محاصرته لأسابيع في منزله، وتحمل مشقة الهروب براً. لكنه خصص لقاءاته في قصر المعاشيق لأسابيع ليروي قصة الهروب وأهوالها كمغامرة تضاف إلى رصيده، حتى تبعه مسلحو “أنصار الله” وطرقوا أبواب مدينة عدن، ليبدأ قصة هروب جديدة عبر الصحراء.
و قبل وصوله إلى الأراضي العمانية، بدأت السعودية حربها في اليمن في الـ26 من مارس وأطلقت عملية “عاصفة الحزم” التي كشف هادي عن تفاجئه بها، قائلاً في مقابلة مع قناة “أبو ظبي” الإماراتية في يناير 2016: “وصلنا إلى الغيضة في الصباح، قالوا بدأت عاصفة الحزم (يضحك). لم نكن ندري ونحن نمشي طوال الليل. حتى أنا لم أتوقع لأن الأميركيين أخبروني بعدم تدخل أحد”.
بدون سند
وصل الرئيس هادي إلى الرياض قادماً من مسقط على متن طائرة تابعة للصليب الأحمر. إستقبله ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، وتقرر له سكن وإقامة مؤقتة، وأُسندت إليه مهمة إسباغ المشروعية على الحرب التي بدأها التحالف في اليمن بقيادة السعودية، مقابل رفع يافطة “إعادة شرعيته” كرئيس استنجد بجار شقيق.
توقفت شاصات “أنصار الله” في عتق، مركز محافظة شبوة، وبقيت أكثر من ثلث مساحة اليمن خارج سيطرتها. كان بإمكان الرئيس هادي أن يتخذ من المكلا عاصمة مؤقتة، ومركزاً لقيادة عمليات إخراج “أنصار الله” وحلفائهم وإن بإسناد من “التحالف”، لكن طاب له المقام في الرياض وباسترخاء تام كعادته.
لقد سبقه القيادي في تنظيم “القاعدة”، خالد باطرفي، إلى القصر الرئاسي في المكلا، وتربع على مقعد الرئيس، ووضع علم الجمهورية اليمنية تحت أقدامه.
و بارك تنظيم “القاعدة” في حضرموت “عاصفة الحزم” لتطهير اليمن من “الروافض” وقطع ذراع إيران. تولت دولة الإمارات مهمة “تحرير عدن” بكتائب من السلفيين و”المقاومة الجنوبية”، قامت بتدريبها ومدها بالسلاح، فيما أسندها التحالف بالطيران، لتتمكن من إخراج تحالف “أنصار الله” وصالح إلى كرش، كنقطة حدودية قبل العام 1990م.
أعقبتها الإمارات بعملية لإخراج عناصر تنظيم “القاعدة” من حضرموت، لتفرض نفوذها على معظم الجنوب بجيش لا يعترف بـ”شرعية” الرئيس هادي.
يمنع قائد قوات حماية مطار عدن المعين من قبل الإمارات، صالح العميري، هبوط طائرة الرئيس في عدن، مطلع فبراير الجاري، ويحول مسار رحلته إلى سقطرى، ليعود إلى عدن بعد أيام وبتصريح من أبو ظبي التي أغضبتها زيارته إلى الدوحة.
عاد هادي ليثأر لنفسه هذه المرة وأصدر قراراً بإقالة العميري وأدرك لحظتها افتقاده لأي سند.
تخصص تفكيك
هادي الذي نال درجة الأركان من روسيا عن بحث له في “الحروب الجبلية وتفكيك الجيوش”، لم يرفع العلم على جبال مران رغم مضي عامين من الحرب، لكنه فكك الجيش النظامي وأفسح للمليشيات المتصارعة المجال للعبث بمقدراته ونهب معسكراته.
أضاع الفرصة تلو الأخرى، وخسر حلفاءه الواحد بعد الآخر. دول وأطراف عدة تخوض الحرب تحت يافطة “إعادة الشرعية”، لكن جميعها لها حساباتها ومشاريعها الخاصة، التي ليس من بينها إعادة الشرعية لهادي. فالكل يجمع على ضعفه، والكثير تكبد خسائر فادحة بسبب تخبطه وضيق أفقه وغبائه السياسي.
يحمله السلفيون مسؤولية خذلانهم في دماج، ويتهمه “الإصلاح” بتمكين “أنصار الله” من اجتياح محافظات الشمال والسيطرة على العاصمة صنعاء، وتحمل سيرته تولي منصب وزير الدفاع في الحرب ضد الجنوب عام 1994م، وترى فيه قيادات الحراك الجنوبي حليفاً لـ”الإصلاح” واللواء علي محسن الأحمر ومتآمراً على قضيتهم. هكذا، صار في نظر غالبية الشعب أسوأ رئيس تولى السلطة في اليمن.
للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا