معالم السياسة الامنية الامريكية لمنطقة الشرق الاوسط في مؤتمر ميونيخ للأمن
يمنات – صنعاء
عبد الوهاب الشرفي
واحد من أهم المؤتمرات الدولية انعقدت دورته الـ 53 على مدى ثلاثة أيام من 17 إلى 19 من فبراير الجاري في مدينة ميونيخ الألمانية التي تستضيفه سنويا و يحمل إسمها و يعنى بمسألة الأمن الدولي، و افتتحت اعماله وزيرة الدفاع الالمانية و نظيرها الامريكي.
مؤتمر ميونيخ لهذا العام عكس حالة الأمن المتردية بشكل غير مسبوق في العالم ككل، وغير مسبوق هنا تغطي الفترة من بعد الحرب العالمية الثانية و حتى الان، فهشاشة الأمن الدولي حاليا بحسب بعض متحدثي مؤتمر ميونيخ تشبه هشاشته قبل الحرب العالمية الثانية، و هذا الأمر ظهر أيضا في حجم المشاركة في هذا المؤتمر التي فاقت مؤتمرات ميونيخ للأعوام الماضية بشكل لافت، ما يعني أن الهاجس الأمني بات ضاغطا على الجميع و بات الجميع يتداعى للبحث في مسألة الأمن.
يظل مؤتمر ميونيخ لقاء غير رسمي و تغلب عليه حالة عرض التوجهات الأمنية أكثر من كونه مؤتمرا يتدارس الأمن الدولي و يضع توصيات ملزمة يمكنها التخفيف من حدة المشكلة الأمنية و إصلاح أعطاب الحالة الأمنية الدولية، و من هنا تكمن أهمية المؤتمر في أنه يقدم أشمل عرض للتوجهات الأمنية المتعددة في العالم في فعالية واحدة، وبالتالي يمكن النظر إليه بإعتباره ملتقى ترتسم فيه للمهتمين التوجهات و السياسات ذات الأثر على الأمن الدولي بشكل أكثر وضوحا و أكثر إكتمالا من غيره من اللقاءات ذات الصلة.
كما هي الحالة العالمية الماثلة كقطبية واحدة كانت الهيمنة على مؤتمر ميونيخ هي لتلك القطبية، ليس ذلك وحسب وإنما أيضا بذات الإستثارة التي تشهدها القطبية الواحدة ذاتها على الواقع و التي يجسدها الرئيس الأمريكي ترامب منذ توليه زمام الإدارة الأمريكية من خلال تصريحاته و مواقفه و خطواته المتلاحقة و المتقطعة الانفاس و ذات الأبعاد الأمنية بالدرجة الاولى.
تحدثت ميركل المستشارة الألمانية عن كثير من المسائل ذات العلاقة بالأمن الدولي و كان من أهم ما تحدثت عنه هو موقف الرئيس الأمريكي من الأوعية الأممية و الدولية النازعة بإتجاه تقويض هذه الأوعية أو التأثير على دورها و البادية من خلال تصوراته تجاه الامم المتحدة و الإتحاد الاوروبي و حلف شمال الاطلسي (الناتو)، و كانت هذه اللفتة “الميركلية” واحدة من أهم المسائل المتعلقة بالأمن الدولي بشكل مباشر، و اين يكن تقييمنا لدور هذه الاوعية في حفظ الأمن العالمي إلا أن التوجه لتقويضها أو لتعطيل دورها دون وجود بدائل أكثر عملية لها حتى الان سيكون هذا التوجه غاية في الخطورة على الأمن الدولي لأن ماسيترتب عليه هو فقط الاطاحة بالبقية الباقية من حالة التنسيق بين أطراف متعددة تجاه المسائل الأمنية و كذا إهدار ماهو متوفر من الضوابط – على علاتها – التي لازالت تحكم الاداء الرسمي تجاهها.
الحقيقة إن توجه ترامب بإتجاه متصادم مع الأوعية ليس متعلق فقط بالأوعية الأممية و الدولية و إنما هو ذاته الذي أبداه في خطاب التنصيب الذي القاه و تحدث فيه عن إختطاف المؤسسات الأمريكية للسلطة من الشعب الامريكي و أنه سيعمل على إستعادتها له، ما يعني أن مزاج الرجل متصادم مع المؤسسية أمريكيا و دوليا و أمميا، و خطورة هذا التصادم بعبارة أوضح تتمثل في إنحسار دور المؤسسية في إتخاذ القرارات لصالح القرار الفردي، و بأخذ وضع الولايات المتحدة كقطب عالمي وحيد و ما يصاحب ذلك من أثر عالمي لقرارات إدارتها يمكن إدراك حجم الكارثة التي يمكن أن تترتب على إزاحة المؤسسية لصالح القرار الفردي على الامن الدولي.
لم يتحدث الرئيس ترامب عن شأن أكثر مما تحدث عن الشأن الإيراني ما يعني أن الملف الإيراني, و بالتبعية منطقة الشرق الاوسط ستكون أمام فترة عصيبة قادمة، فالمواجهة مع إيران تعني تصاعد وتيرة الصراع في كل الملفات المشتعلة حاليا في المنطقة و كذلك رفع حالة التجاذب في الملفات المهيئة فيها وصولا بها إلى ملفات مفتوحة إضافية للصراع، و قد كان الحديث في مؤتمر ميونخ عن هذا الملف حادا بقدر حدة ترامب تجاه دور ايران في منطقة الشرق الاوسط.
لم يكد حسن نصر الله امين عام حزب الله اللبناني ينهي خطابه الأخير الذي طالب فيه الكيان الصهيوني بتفكيك مفاعله النووي حتى خرج ترامب لمؤتمر صحفي كان مما قال فيه: “إيران أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم”، و لم يكد مؤتمر ميونيخ للأمن يختتم أعماله حتى قال الجبير في تصريحاته الإعلامية: “إيران أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم”، و بذلك تكون الولايات المتحدة و المملكة السعودية قد حددتا مفهومهما للأمن الدولي – على الأقل في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة – بأنه قمع إيران و مواجهة ادائها في المنطقة.
العبارة التي جرت على لسان ترامب و لسان الجبير بعده تضعنا أمام أكثر من قضية أولها هي أن هناك مفاهيم مختلفة للأمن الدولي و ليست كلها ذات بعد تعزيز حالة الامن، و إنما هناك مفاهيم سياسية بحتة تصل لدرجة تهديد حالة الأمن الدولي ذاتها، و ثانيها أن هناك أيضا إختلاف في تحديد مفهوم الإرهاب بين تاطيره في الجماعات المعروفة كداعش و القاعدة المجمع دوليا على تصنيفها إرهابية و تمثل خطر على الأمن الدولي و بين الاستخدام السياسي لمفهوم الارهاب الذي يخلط معها دول و جماعات على خلفية تباين سياسي، و الاخطر هو تغليب هذا المفهوم الأخير للارهاب على المفهوم الاول المتسم بالمنطقية و المجمع عليه و على تهديد للأمن الدولي عالميا.
كان الجبير وزير خارجية السعودية قد غاب عن المشهد بقدر كبير في الفترة الاخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، و هي فترة شهدت الكثير من المنغصات للعلاقة الأمريكية السعودية، و عودة الجبير إلى المشهد في عهد ترامب بذات الحضور الذي إعتدناه بداية توليه منصبه كوزير خارجية للمملكة و مع التطابق الحرفي لتصريحه مع تصريح ترامب ترتسم امامنا معالم لأمرين اثنين, اولهما هو أن حالة الإستخدام الأمريكي للسعودية كمخرج لسياساتها في المنطقة قد عادت أشد من ذي قبل على خلاف التوقعات التي سادت قبل فوز ترامب بالرئاسة الامريكية.
لعل من الجدير بالذكر هنا أن ترامب تمكن من أن يفرض على السعودية العودة إلى السياسات المتطرفة تجاه إيران التي كادت أن تتخلى عنها بنهاية عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما و سعيها لإيجاد مخارج تفاوضية مع إيران كانت قد تكللت بمباشرة الكويت فتح الطريق لتفاهم سعودي – أو خليجي – إيراني تجلت في زيارة وزير خارجية الكويت لطهران مؤخرا، و بذلك أضاع ترامب على السعودية فرصة – أجزم أنها لن تتكرر – كان من الممكن لها اذا ما نجحت أن تعفي المملكة من الكثير من أحمالها الثقيلة و المنهكة في المنطقة التي تترتب على حالة الصراع الايرانية السعودية القائمة.
الأمر الثاني الذي ترتسم معالمه تبعا لعودة الجبير للمشهد بقوة و تطابق تصريحه مع ترامب هو أن عملية التنسيق بين الجانب الأمريكي و الجانب السعودي لخطوات المواجهة مع إيران في الفترة القادمة قد تم الإتفاق عليها بشكل هيكلي و بات التوجه لها أمرا إجرائيا و ليس نشاطا سياسيا و إعلاميا فقط.
اذا تحدث الأمريكيون و تحدث السعوديون و كذلك الاتراك و قبل هؤلاء الكيان الصهيوني في مؤتمر ميونيخ للامن بلسان مبين، و على مرأى و مسمع الجميع رسمت معالم واضحة للتوجهات الأمنية القادمة في الشرق الاوسط و التي سترتكز على مواجهة أوسع و أشمل و أعنف مع إيران ستزيد من حالة إشتعال الحرائق في المنطقة و سيزداد إشتعالها بقدر تطرف “المفهوم السياسي” للأمن الدولي بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فيما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط و النازع لتفلّت من اي قيود بقدر نزوع ترامب للتفلّت من المؤسسية و التفرد بقرار حالة الامن الدولي.
للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا