الحديدة .. وضع إنساني كارثي وموت قادم يحاصر المدينة
يمنات
مفيد الغيلاني
تسود حالة من الفزع والرعب، بين سكان مدينة الحديدة، جراء المعارك المتواصلة والعنيفة، بين «ألوية العمالقة» التابعة لقوات «المقاومة الجنوبية» مسنودة بقوات طارق صالح المعروفة بـ«المقاومة الوطنية»، وقوات حركة «أنصار الله» والقوات الموالية لحكومة «الإنقاذ» في صنعاء، في مطار المدينة، وسط مؤشرات على حرب شوارع داخل المدينة.
مصادر محلية مطلعة، أكدت في حديث إلى «العربي»، أن «حالة من الفزع أصابت سكان الأحياء في المدينة، والمجاورة منها للمطار على وجه الخصوص، حيث تعرضت منازلهم للقصف والدمار».
وأضاف أن «الاشتباكات المتواصلة ودوي الانفجارات وبشكل غير مسبوق، دفعت الكثير من أهالي مناطق التماس إلى وسط المدينة».
وأوضحت المصادر أنه «وبرغم من كثافة القتال وشراسة المواجهات، إلا أن موجة النزوح إلى خارج المدينة تعتبر ضئيلة مقارنة بغيرها من المحافظات اليمنية التي شهدت حرب شوارع، والسبب هو ضعف الإمكانيات المادية حيث أن شريحة الفقراء والمحتاجين في المدينة تمثل 70% من مجموع السكان، وهو ما يشير إلى أن نسبة الضحايا من المدنيين في حال حدثت حرب شوارع في المدينة ستكون خيالية وفوق كل التوقعات».
وأفادت المصادر بأن «بارجات وطيران التحالف العربي يستهدف وبشكل مستمر مباني سكنية أهلة بالسكان، وهناك عشرات الضحايا ومئات الجرحى، الذين تعج بهم مستشفيات المدينة». وأشارت المصادر إلى أن «الحركة داخل المدينة ومنذ ثلاثة أيام أصبحت مشلولة تماما، إضافة إلى انقطاع تام للمياه والاتصالات والانترنت عن أحياء مديرية الحوك والمطار وحارة الهندي ومنطقة الكورنيش».
ولفتت المصادر إلى أن «جماعة الحوثي قامت بقطع عدد من الشوارع الرئيسية، في المدينة، بالسواتر الترابية وحاويات النفايات الفارغة وحفروا خنادق كبيرة، استعدادا لقتال شوارع محتمل».ومن جهته، عيسى أبو خميس، أحد ساكني حارة المعدل، أوضح في حديث إلى «العربي»، أن «سكان الحارة أغلبهم نزحوا إلى الأرياف، بإتجاة الزيدية، والقناوص، وباجل، والمراوعة، وبعضهم سافروا صنعاء، بسبب قصف الطيران المتواصل وإصابة المدنيين».
وأضاف أن «الماء مقطوع في الحديدة والدنيا حر شديد والناس خايفة وبعضهم فقراء جدا ما قدروا يهربوا، ولا عندهم حتى ما يأكلون». ويتابع، «الناس هنا تموت جوع وخوف داخل البيوت». وبنبرة حزن وتعجب، يقول: «أنا وأهلي كنا نفكر بالهروب من الحرب ولكن إلى أين؟ وكيف نترك بيوتنا تدمرها الحرب»، ويتوقع، أن «تكون الحديدة ساحة حرب أهلية، ستأكل معها الأخضر واليابس».
النزوح إلى المجهول
وقد أجبرت المواجهات العنيفة، بين الجانبين، عدة آلاف من السكان على النزوح من مناطق التماس، في حين تعرض معظمهم إلى إصابات بليغة.
بثينة طارق الصلوي، مدير البرامج والمشاريع في مؤسسة بنات الحديدة للتنمية، أكدت في حديث إلى «العربي»، أنه «ومنذ صباح الأمس بدأت حالات النزوح الداخلية للمدينة من شارع المطار ودوار المطاحن، والمناطق القريبة من الجامعة إلى وسط المدينة، ووضعهم سيء جداً، وهناك نزوح مستمر من المنظر وأسر لا تزال عالقة حتى الآن».
وأضافت أن «هناك نازحين بشكل كبير جداً من منطقة المنظر، والدريهمي، ومعظم تلك الأسر النازحة أفرادها تعرضوا لإصابات جراء الاشتباكات وتم استقبال اعداد كبيرة منهم في مستشفى 22 مايو والأمل والثورة».
وأوضحت أن «الوضع الإنساني اليوم في المدينة مأساوي وكارثي، الأسرة الواحدة وسط المدينة تستقبل خمس أسر نازحة من مناطق التماس، وهناك موجة نزوح كبيرة أيضاً من الحديدة إلى صنعاء وغيرها من المحافظات».
وأشارت إلى أن «الحديدة ومديرية الحوك تحديدا تعتبر تحت خط الصفر، مادياً وصحياً واقتصادياً، قبل الخرب فلا مجاري ولا صرف صحي ولا مرافق صحية يمكن أن تقدم خدمة ولو متواضعة، ومع الحرب أعتقد سنكون أمام وضع كارثي لا يمكن ان تصور تبعاته».
وفي السياق، ذكر ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن «القتال أدى إلى فرار 5200 عائلة، بينما تتواتر التحذيرات من تداعيات خطيرة على الوضع الإنساني في حال توقف الميناء عن العمل».
وفي غضون ذلك، دعت 15 منظمة غير حكومية دولية الرئيس الفرنسي إلى «الضغط على السعودية والإمارات لتجنب الهجوم على الحديدة»، معتبرة أنه «لا يمكن تصور الإبقاء على مؤتمر باريس الإنساني حول اليمن والمقرر تنظيمه في نهاية يونيو، حزيران الحالي في ظل الهجوم». ومن جهتها، أعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» عن قلقها على حياة المدنيين جراء العملية في مدينة الحديدة، وبينهم نحو 300 ألف طفل». وأوضحت أنها تستعد «للاحتمال الأسوأ».
مجازفة غير محسوبة
وعلى الرغم من التحذيرات الحقوقية الدولية، من المضي في معركة الحديدة، والتي ستخلف أزمة إنسانية واقتصادية كبيرة، ستنعكس أثارها على المدنيين المتناثرين على قرى ومناطق المحافظة، فإن قوات التحالف العربي، والإماراتية تحديداً، تجاهلت تلك الدعوات ومضت في معركة يرى مراقبون، أنها «مجازفة، ومغامرة غير محسوبة، ستخلق أزمة إنسانية كارثية وعلى كل المستويات».
الناشط السياسي، محمد الصادق، أوضح في حديثه إلى «العربي»، أن «الأمم المتحدة تبحث دائما عن أنصاف الحلول وتعيق إستكمال تحرير أي معارك في اليمن ولي الحديدة فقط، بجحة الوضع الإنساني».
ويضيف، أن «هدف الأمم المتحدة من إعاقة حسم الملف اليمني هو استمرار الحرب في اليمن لسنوات طويلة لتستمر معها أعمالها الإغاثية والسياسية لفترات طويلة وتحقيق مكاسب نفعية وابتزازات دولية وإقليمية ولا يهمها إستمرار نزيف دم اليمنين لسنوات قادمة».
وأكد أن «التحالف يخوض معركة غير محسوبة الهدف منها ليس التحرير، بل الضغط على الحوثيين لقبول التسوية السياسية القادمة المفصلة على مقاسة».
وتشير المعلومات الميدانية في الحديدة، إلى أن «هناك حالة من الرعب، جراء قصف المدينة المكتضة بالسكان من قبل البوارج الحربية التابعة للتحالف»، وتؤكد المعلومات، أن «معظم أحياء المدينة تحولت إلى معسكرات وخنادق لقوات حركة «انصار الله».
ويتوقع مراقبون عسكريون وسياسيون، «حدوث قصف من السلاسل الجبلية التي تتمركز فيها قوات الحوثين، في حال توسعت المعارك صوب المدينة أكثر، وهو ما قد يؤدي إلى ضحايا بالجملة». ويرى هؤلاء المراقبون السياسيون والعسكريون، بأن «المعركة لم تكن بتلك السهولة التي يتصورها البعض، فالمعركة ستستمر أكثر، واستمرارها ليس في مصلحة قوات الشرعية والتحالف العربي، لأن الوضع الإنساني سيزداد سوءا وتفاقما وكارثية، ليس أقلها تهديد إمدادات غالبية المناطق الشمالية الخاضعة لحكومة الإنقاذ بصنعاء».
نتيجة لذلك ولجملة الأسباب والتعقيدات المذكورة أنفا، يقول المراقبون، إن «مؤشرات المعارك الميدانية تؤكد أن المعركة لم تحسم من قبل قوات الشرعية والتحالف، بشهر ولا شهرين ولا حتى عام، وهو ما سيجعلها مكلفة بالنسبة لها وسيخلف وضع إنساني كارثي لأبناء المدينة»، مؤكدين على أن «الآثار التي قد تتركها حرب شوارع داخل المحافظة، لا تزال مجهولة العواقب».
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.