تقسيم اليمن .. مخطط يتوارثه حكام الإمارات
يمنات
بلغ المخطط الإماراتي في اليمن ذروته في الوضوح، وأصبح بما لا يدع مجالاً للشك في طريقه لتقسيم البلاد؛ حيث تحولت مؤشرات المخطط بإنشاء كيانات مسلحة ذات عقيدة انفصالية إلى حقيقة بقصف قوات حكومة هادي ومنعها من استعادة عدن.
ودخلت الإمارات في الملف اليمني تحت غطاء تحالف تقوده السعودية لدعم الشرعية، وأهم أهدافه الحفاظ على اليمن وسيادته ووحدة أراضيه، وهو هدف تؤكده كل المرجعيات والقرارات والبيانات الدولية.
لكن أبوظبي -وبتواطؤ سعودي تؤكده المواقف الرمادية للرياض- انقلبت على الأهداف المعلنة وهرعت إلى السيطرة على الجزر والموانئ والسواحل، وأنشأت الكيانات المسلحة خارج سلطة الدولة، وطعنت الحكومة اليمنية في ظهرها؛ عبر انتهاك السيادة وتهديد الوحدة الوطنية التي تمثل أهم إنجاز يمني في التاريخ المعاصر.
إن مخطط الإمارات لتقسيم اليمن وفرضه بالقوة رافقه ارتكابها لجرائم ضد الإنسان اليمني، وفقاً لتقارير دولية؛ منها تقرير فريق خبراء مجلس الأمن، حيث أنشأت أبوظبي عدداً من السجون السرية ومارست تعذيباً وانتهاكات بحق نشطاء يمنيين، فضلاً عن تورطها في سلسلة اغتيالات طالت سياسيين وأئمة مساجد وقادة اجتماعيين.
دعم سابق للانفصال
يقول التاريخ إن دعم تقسيم اليمن ليس مخططاً إماراتياً حديثاً يسعى إليه أبناء زايد؛ فوالدهم الشيخ زايد بن سلطان سبق أن دعم الانفصاليين في حرب صيف 1994، لكن النتائج لم تأتِ كما تشتهي سفن أبوظبي وبعض العواصم الإقليمية، وانتصرت إرادة اليمنيين.
الدعم الإماراتي لتقسيم اليمن أكده فيديو قديم انتشر قبل أشهر ويعود إلى العام 1994، يظهر فيه الرئيس اليمني وقتها، علي عبد الله صالح، يخاطب قوات في الجيش: “أنتم قهرتم وانتصرتم على فهد ونظام فهد (الملك فهد بن عبد العزيز)، والشيخ المجنون زايد (الشيخ زايد بن سلطان)”، رئيس الإمارات الراحل.
إذاً ما الذي يدفع أبوظبي لتبني وتوريث هذه السياسة التي تنتهك حق الشعوب والدول والأعراف والقوانين الدولية، فضلاً عن أنها لا تتفق وأن البلدين وإن كانا متباعدين جغرافياً يرتبطان بروابط العروبة والدين؟! وما هي المصالح الإماراتية وراء هذا المخطط التآمري؟
دوافع ومطامع اقتصادية
يرى الصحفي والكاتب السياسي اليمني محمد الأحمدي أن “مشروع تقسيم اليمن بالنسبة للإمارات هو مفتاح للسيطرة على ميناء عدن الاستراتيجي والقريب من مضيق باب المندب، وما يشكله من منافسة لموانئ دبي في حال تم تشغيله بشكل جيد، وأيضاً مفتاح للسيطرة على جزر يمنية مهمة مثل سقطرى وميون، ومفتاح السيطرة على الموانئ والسواحل المطلة على خطوط إمدادات الطاقة في البحر الأحمر”.
وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين” لفت الأحمدي إلى أن “خروج الإمارات من الصومال وجيبوتي جعلها أيضاً تتشبث بموطئ قدم لها في اليمن وخط الملاحة الدولي، فضلاً عن أن المطامع الإماراتية عقب ثورات الربيع العربي أصبحت أكثر وضوحاً في عدد من البلدان، وخصوصاً في منطقة القرن الأفريقي”.
وكانت جيبوتي والصومال أنهتا اتفاقيتي ميناءي دوراليه وبربرة، وهما يشكلان بالإضافة إلى ميناء عدن مثلثاً تجارياً استرايجياً مع الموانئ الأفريقية، والخطوة نفسها كانت اتخذتها الحكومة اليمنية عام 2012، حيث ألغت مؤسسة موانئ عدن اتفاقية تأجير الميناء الاستراتيجي لشركة موانئ دبي العالمية، وهو ما دفع الإمارات -وفقاً لمراقبين- للعودة إليه ولموانئ يمنية أخرى بقوة عسكرية؛ جاءت تحت ذريعة إعادة الشرعية.
وكان مسؤول يمني رفيع في نظام الرئيس صالح كشف في فترة سابقة لـ”الخليج أونلاين” أن المحاولات الإماراتية الجادة للسيطرة على ميناء عدن تعود إلى بداية التسعينيات، عندما أقرت الحكومة اليمنية آنذاك إنشاء منطقة التجارة الحرة في المدينة، وهو القرار الذي أثار مخاوف أبوظبي؛ من أن ينعكس ذلك على حركة ميناء دبي.
كما أسهمت الإمارات في تعطيل المفاوضات مع عديد الشركات العالمية لتطوير الميناء وتشغيل المنطقة الحرة، إلى أن خضعت الحكومة وسلمت الأمر لشركة موانئ دبي التي تعمّدت المماطلة في تطوير الميناء والمنطقة الحرة قبل أن يتم إلغاء عقدها قبل نحو سبع سنوات.
كما أوضح الصحفي والكاتب السياسي اليمني أن الإمارات استغلت حالة الحرب الأهلية والضعف والانقسامات في اليمن وتحاول أن تفرض مشروع التقسيم بالقوة لضمان مصالحها وحمايتها عبر إنشاء كيانات مسلحة وأدوات محلية كالمجلس الانتقالي.
ضرب التحول الديمقراطي
من جهته يذهب المحلل السياسي اليمني ثابت الأحمدي إلى أن الإمارات تنفذ أجندة دولية تتجاوز أجندتها، ويقول لـ”الخليج أونلاين”: “أولاً لفهم كامل الأدوار الإماراتية بشكل عام علينا أن نعرف أن الإمارات دولة وظيفية طارئة أوجدتها المصادفات السياسية المعاصرة، ليس لها جذور ولا امتدادات، وليست دولة في الأساس، والحقيقة أن ما لم ترده بريطانيا أو أمريكا بصورة ظاهرة توعزان إلى الإمارات لتنفيذه على طريقتها، فالإمارات اليوم هي لسان حال بريطانيا. هذا باختصار”.
وأضاف الأحمدي: إن “من أهداف التقسيم أيضاً هو ضرب أي تحول ديمقراطي في اليمن والقوى التي يمكن أن تكون رافعة لهذا التحول؛ حتى لا يحدث أي إلهام لشعوب المنطقة، مثل الإمارات، لذلك تتولى الثورات المضادة في البلدان العربية تحت وطأة فوبيا الربيع العربي، وتعمل جاهدة على ضرب تيارات الإسلام السياسي التي تتمتع بسقف مرتفع في الحرية والتغيير، في مقابل دعم الحركات السلفية المتشددة”.
ردة فعل اليمنيين
وعن قدرة اليمنيين على إفشال مخطط التقسيم بعد أن أفشلوه في العام 1994، أشار المحلل السياسي اليمني إلى أن القيادة وقتها كانت يمنية وكبيرة، أمّا اليوم فملف اليمن بيد الأمم المتحدة، ولذلك أتوقع أن يكون مؤتمر جدة (حوار بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم إماراتياً) فاصلاً وسيحدد الملامح ويوضحها”.
ورغم ما ذهب إليه ثابت الأحمدي حول ضعف اليمنيين اليوم في إفشال المخطط فإنهم سجلوا ردة فعل قوية تمثلت في موقف حكومي متماسك حتى الآن رغم ضغوطات الرياض وتدشين حرب إلكترونية لفضح الإمارات وجرائمها بحق اليمنيين، وخصوصاً في منصة تويتر، بالإضافة إلى سلسلة احتجاجات في مختلف دول العالم، ومنها أمريكا ودول أوروبية وآسيوية.
وسبق أن أبدى سياسيون ونشطاء يمنيون استعدادهم لتناسي الخلافات العميقة التي تضرب المكونات اليمنية ولو مؤقتاً، والتفرغ لمواجهة الإمارات التي أثبتت أنها دولة احتلال، وضربت بكل الروابط والأعراف والقوانين عرض الحائط لتمارس أبشع الانتهاكات في اليمن بحق الدولة والحكومة والمكونات السياسية والشعب.
المصدر: الخليج أونلاين
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.