ثورة 11 فبراير.. أسئلة لا تموت

يمنات
محمد الصُّهباني
سيظل 11 فبراير اليمني العظيم في قلوب كل من آمن به، كحلم بمستقبل مزدهر، بفضل تضحيات أولئك الذين قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل هذا الحلم الذي عاصرناه نشيداً جميلاً، ملأ اليمن بهجة في رحيل المخلوع (عفاش) رمز النظام السابق، الذي لا يأسف عليه أحد، وعلى حقبته السوداوية التي ظلت تخنق الوطن وشعبه لثلاثة عقود من الزمن.
كانت روح الإباء تعلن عن نفسها بكل معاني الانتماء لليمن يوم توافد مئات الآلاف من الحالمين بوطن خالٍ من صنمية “الفرد الواحد” إلى ساحات التغيير، للتعبير عن غضبهم وسخطهم من نظام ظل يعاقب الشعب اليمني بالفساد والخطابات الفهلوية، دون أن يلتفت إلى استحقاقات مهامه الوطنية في ضرورة بناء يمن خالٍ من الفساد السياسي والمالي.
الأدلة هنا كثيرة على نظام كان يدير البلد بالتخلف والرجعية والمشيخة، دون أن يحقق ما يمكن تحقيقه لشعب من الطبيعي أن يحصل على كافة حقوقه المكفولة دستورياً وعالمياً، وفقاً لنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
مرت 14 عاماً منذ أن خرج الشباب إلى الساحات يهتفون بحناجرهم المبحوحة: “حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية”. كانت الساحات تفيض بالأمل، والوجوه تشع كأنها ترى المستقبل لأول مرة دون ظلام.
لكن السؤال المرير يتكرر: هل كان ما حلمنا به ممكناً؟ وهل صار واقعاً نعيشه؟ كانت 11 فبراير 2011م أكثر من مجرد انتفاضة شعبية أو حراك عابر، كانت لحظة وعي جماعي، لحظة أدرك فيها اليمنيون أن بوسعهم أن يغيروا مصيرهم بأيديهم.
كلما تذكرنا الساحات، وتذكرنا الأعلام المرفوعة والعيون الممتلئة بالثقة، يداهمنا السؤال: هل كنا مستعدين حقاً لهذا الطريق الطويل والشاق؟ هل كنا ندرك أن الثورة ليست ضربة واحدة بل معركة ممتدة ضد الظلم والفساد؟
لقد دُفعت أثماناً باهظة، دماء أُريقت، أرواح غادرتنا، أحلام تحطمت على صخور الحسابات السياسية الضيقة، فهل كانت تلك التضحيات كافية لتغيير الواقع، أم أننا كنا بحاجة إلى وعي أعمق وإرادة أصلب لنقل الثورة من الساحات إلى مؤسسات الدولة؟
اليوم، نقف أمام مفترق طرق، نبحث في ركام السنوات الماضية عن ملامح ذلك الحلم، عن ملامح ذلك الوطن الذي تصورناه يوماً خالياً من الفساد والقمع والانقسام.
الثورة ليست مجرد “لحظة” ننظر إليها بحنين، بل مشروع طويل الأمد يجب أن يُكمل، لأن الأوطان لا تُبنى بالنوايا الطيبة فقط. يبقى السؤال الأخير والأهم: هل مازال لدينا الشجاعة لنكمل ما بدأناه، أم أننا سنكتفي برثاء الحلم والانشغال بتبرير الهزائم؟
قبل أيام، قلت في منشور لي على “فيسبوك”: من المسلَّمات أن ينتصر حَمَلة سارية المشاريع الوطنية يوماً، ولو بعد حين. فالنضال بحاجة إلى نفس طويل من التضحيات، وحتماً سيأتي فجر انتصار أحلام الحياة على الاستبداد”.
التاريخ لا يرحم، ولن يكتب أسماء المتخاذلين في صفحاته المضيئة.