الحكام اللصوص: صومٌ زائف وفقرٌ دائم

يمنات
فؤاد محمد
يعيش بعض الحكام في عالم موازي، حيث يتظاهرون بالورع والتقوى في رمضان، ولكنهم في ذات الوقت يقفون في الجهة الأخرى من التاريخ، حيث ينهبون ثروات الشعوب ويستغلون موارد الدولة لأغراضهم الشخصية. في الوقت الذي تقترب فيه ساعة الإفطار، وتُرفع فيه أيدٍ بالدعاء وتستشعر فيه الأرواح بركة الشهر الكريم، يرفع هؤلاء الحكام أيديهم لتناول ما سرقوه من أموال الشعب وأراضيه.
صومهم في رمضان، الذي يفترض أن يكون مناسبة للتوبة والابتعاد عن الذنوب، يتحول إلى مجرد طقوس شكلية تعزز الصورة الزائفة التي يسعون لتقديمها للعالم. في واقعهم، لا تقتصر مخالفتهم على التلاعب بالموارد الاقتصادية فحسب، بل يتجاوزون ذلك إلى انتهاك حقوق الإنسان، حيث تحكمهم نزواتهم الخاصة، بينما يدّعون الفضيلة.
رمضان: بين الزهد والنفاق
كان من المفترض أن يكون رمضان شهر الرحمة والمغفرة والتقوى. لكن في بلادٍ كثيرة، يتحول هذا الشهر الكريم إلى مناسبة لزيادة حجم النهب والاستغلال. في الوقت الذي يصوم فيه المواطنون من أجل التقرب إلى الله، يصوم الحكام عن الأعمال الإنسانية التي من المفترض أن تكون في صميم مهامهم.
وفي لحظة الإفطار، بينما يتناول هؤلاء الحكام موائدهم المترفة، يردد لسان حالهم: “اللهم لك صمنا وعلى نهب الشعب أفطرنا”، في تعبيرٍ صارخٍ عن ازدواجية شخصياتهم. فبينما يُظهرون في رمضان أنهم رموز للتقوى والعدالة، تُفضح ممارساتهم القاسية طوال العام، من استغلال للموارد العامة إلى فساد إداري في كافة مؤسسات الدولة.
الفساد المستشري: سرقة ثروات الشعب
إن هؤلاء الحكام لا يقتصر فسادهم على قضية واحدة أو حادثة فردية، بل هو نظام عمل متكامل، يهدف إلى نهب المال العام والمساعدة في إفقار الشعب. وتتفاقم هذه الممارسات عندما يُغلق المواطنون أفواههم، ويشعرون بعجزٍ عن مواجهتها.
الموارد الطبيعية للدولة تُستنزف بطرق غير قانونية، ولا يتم تخصيص أي جزء من هذه الثروات لرفاهية المواطنين أو لتحسين البنية التحتية. لا يُفكر هؤلاء الحكام في التعليم أو الصحة أو توفير فرص العمل، بل ينشغلون بكيفية الاستفادة من الأموال التي كان ينبغي أن تُستخدم لتحسين حياة الفقراء. بينما يتحدثون في كل مناسبة عن التنمية والعدالة الاجتماعية، إلا أنهم ينتهكون أبسط مبادئ هذه العدالة في تصرفاتهم اليومية.
المواعظ الزائفة: خطاب الخير والنفاق
ما يجعل هذا الواقع أكثر قسوة هو المواعظ التي يطلقها هؤلاء الحكام في شهر رمضان. نجدهم في وسائل الإعلام يتحدثون عن التوبة والتقوى والعدالة الاجتماعية، بينما هم في الواقع يستمرون في الاستحواذ على الثروات ويغلقون أعينهم عن معاناة شعوبهم. إن حديثهم عن الرحمة في الشهر الكريم يتناقض بشكل صارخ مع أفعالهم طوال العام.
يتبنون خطابا يركز على الزهد والتقوى، ويشجعون الشعب على الصبر والإيمان، بينما يواصلون استنزاف موارد الدولة، ويزيفون الحقيقة حول الوضع الاقتصادي المأساوي. إن المواقف التظاهرية التي يتخذها هؤلاء الحكام تضعهم في مواجهة مع ضمائرهم، وتكذب كل ادعاءاتهم حول العدالة.
سوء إدارة الثروات: إفقار الشعب وتدمير المؤسسات
إن الطريقة التي يدير بها هؤلاء الحكام إيرادات الدولة تشكل مأساة حقيقية في حياة الشعب. فبدلا من الاستثمار في القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والنقل، يتم تهميش هذه القطاعات لصالح مشاريع غير مجدية أو أنشطة تعود بالنفع على هؤلاء الحكام وأسرهم فقط. تُصرف الأموال العامة على رفاهية هؤلاء الحكام، بينما تُركت البنية التحتية في حالة يرثى لها.
وفي الوقت نفسه، يعيش المواطنون في حالة من الفقر والبطالة وإنقطاع المرتبات أو تخفيضها إلى النصف، وتستمر معدلات الجريمة في الارتفاع نتيجة غياب فرص العمل. حيث يتم استخدام موارد الدولة لتمويل المشاريع التي تعود بالنفع على الفئة الحاكمة وأصدقائهم، بينما يعاني الشعب من نقص الخدمات الأساسية.
خاتمة: العدالة هي الحل
إن الحل لهذه المعاناة يكمن في محاسبة هؤلاء الحكام الفاسدين، ودعوة الشعب إلى التمرد على هذا الظلم. يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية لإرساء العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروات بشكل عادل، حتى يتمكن الجميع من الحصول على حقوقهم.
على المجتمع المدني أن يتوحد ويقف ضد هذه الأنظمة الفاسدة. وعلى الشعب أن يرفع صوته ضد هذه الممارسات ويطالب بالتحقيق في قضايا الفساد والنهب. إن الصوم الحقيقي لا يقتصر على الامتناع عن الطعام فحسب، بل على تجنب الظلم والتعسف والاستغلال. فإذا كانت السلطة الحاكمة تدعي الصوم في رمضان، فعليها أن تثبت ذلك بأفعالها، وأن تنصف الشعب الذي يُجوع ويُظلم كل يوم.
إذا أراد هؤلاء الحكام أن يُظهروا صدقهم في التزامهم بتعاليم رمضان، فعليهم أن يبدأوا بتصحيح سلوكهم، وأن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الشعب. إن العدالة لا تأتي بالكلمات فقط، بل بالأفعال التي تظهر في كل جوانب الحياة، من تشريع وتوزيع عادل للموارد، ومن احترام لحقوق المواطنين.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا
لقراءة وتحميل كتاب فضاء لا يتسع لطائر انقر هنا