ذمار تضيق على نسائها

يمنات
إبتهال الكوماني
في مدينة قليلة المتنفسات، لا تتوفر للنساء والأطفال إلا فرص محدودة جداً للراحة أو الترفيه مدينة ذمار التي تفتقر أصلًا للمنتزهات والحدائق العامة، لم تكد تفرح بوجود ثلاث حدائق فيها حتى تحول الفرح إلى هجوم، والتنفس إلى تضييق.
إحدى هذه الحدائق افتُتحت مؤخراً خلال عيد الأضحى، وسط المدينة، كمتنفس بسيط للعائلات والنساء، وتم تمديد وقتها إلى العاشرة ليلاً.
حكاية صغيرة جداً، لكنها في هذه المدينة كانت أشبه بمحاولة شق الضوء في جدار معتم، فقامت الدنيا ولم تقعد.
بدلاً من أن تُقابل هذه المبادرة بالترحيب، جوبهت بهجمة شرسة من بعض أفراد المجتمع، عبرت عن رفضها لوجود النساء والعائلات في المنتزه ليلاً، واستفزتها ضحكات النساء وفرحهن لساعات بسيطة، حتى في أيام العيد.
في مدن كثيرة، تعد وجود النساء في الحدائق في أي وقت كان مظهر طبيعي لا يثير الجدل، بينما في ذمار يتحول الامر ذاته الى تهمة، وصوت الضحك والفرح البسيط يستدعي الادانة ، وتحمل عليها نوايا سيئة تواجه بالرفض والاستنكار ، رغم انه لا يتجاوز ابسط حقوقهن ان يتنفسن بحرية ويشعرن بطمأنينة في مساحة عامة بلا خوف او تجريم او ترقب لان ذلك ليس رفاهية لهن بل مطلب انساني بديهي،،
في مدينة بلا شاطئ، بلا متنفسات عامة لائقة، تحولت الحدائق القليلة إلى جبهة قتال ضد المرأة الذمارية، التي لطالما وجدت نفسها بين مطرقة سلطة لا توفر شيئاً، وسندان مجتمع يرفض لها القليل إن وُجد.
سلطة تراقب وتضع النساء تحت المجهر ومجتمع يتوجس ويشكك في كل لحظة فرح تمر بهن.
تخيل أن تكون ذمار واحدة من المحافظات القليلة التي تُغلق فيها المتنفسات أمام النساء، ليس لخلل أمني أو أخلاقي، بل لأن مجرد وجودهن يُعد استفزازاً لبعض العقول، بينما في صنعاء وإب، الحدائق والمنتزهات ممتلئة طوال العام بالنساء والأطفال والعائلات.
أما هنا، ففي كل محاولة للحياة، هناك من يُطالب بإغلاق الباب
الحقيقة أن هذا ليس صراع على الأخلاق كما روج له، بل صراع على الحق في التنفس،أن تُمنع النساء من حديقة هو امتداد لنفس المنظومة التي تمنعهن من التعليم، من المشاركة، من الكلام، ومن الحياة.
ذمار ليست فقيرة فقط في الموارد، بل تعاني من ضيق في تقبل التعدد والاختلاف.
والمفارقة أن قرار إغلاق الحديقة من السادسة مساءً لم يكن نابعاً من جهة رسمية من تلقاء نفسها، بل جاء استجابة لضغط مجتمعي وحملات تحريض واتهامات عبر مواقع التواصل، حتى تم تكثيف الأمن في هذه الحدائق، فقط لأن نساء خرجن ليتنفسن.
إنها من المرات القليلة التي لا أستطيع فيها لوم السلطة وحدها، فالقرار لم يكن سوى انعكاس لصوت شعبي اختار أن يخنق المتنفس بيده، وأن يضيق على نفسه فرص الفرح.
مدينة لا تزال تتعامل مع المرأة ككائن يجب عزله، لا الاحتفاء بحضوره.
ليس المطلوب الكثير، فقط حق بسيط في الفرح لا أكثر.
ذمار لا تفتقر إلى الجمال، ولا إلى الناس الطيبين، لكنها محاصرة بخطاب يخاف الاختلاف، ويضيق بإي محاولة لكسر الرتابة ويرتاب من النساء .
في كل مرة تُفتح فيها نافذة صغيرة للراحة، تتسارع وتنقض عليها الأيدي لغلقها.
ذمار لا تحتاج أكثر من أن تُترك لتتنفس.