فضاء حر

هل افلح الحزب الاشتراكي في تأطير تجربته الأنسانية حيال مهمشي جنوب ما قبل الوحدة؟! (3-1)

يمنات

محمد القيرعي

 ما من شك في أن الحزب الاشتراكي اليمني وخلال تجربته التقدمية الثورية في جنوب ما قبل الوحدة كان له دورا ملموسا في الحد « الأني والمحدود نوعا ما » من جذور المعضلة العنصرية والتصدي لارثها ومورثاتها التاريخية في السياق الثقافي والاخلاقي للمجتمع، وذلك من خلال جملة من الاجراءات والتدابير التنفيذية التي اتبعها الحزب انذاك في اطار ما يمكن تسميته بمشروع التمييز الايجابي المكرس خلال فترة حكمه الشطرية للجنوب لصالح الرفع من مستوى الشخصية الطبقية والوجودية والأنسانية للمهمشين والذي انتهجه الحزب بدرجة مكنت الالاف من شباب المهمشين.. بما فيهم انا بالطبع من نيل فرص العيش والنماء والتعليم المتاحة والمتكافئة دون اقصاء او تمييز عرقي او سلالي..او طبقي.. الخ

ومع هذا نستطيع القول انها وكتجربة متقدمة «ورغم فرادتها الحداثية » كانت منقوصة.. ومختلة الاركان بشكل كارثي ومخيف.. بالنظر الى انعدام طابعها التشريعي والقانوني الصرف ، اذ ان كل ما طبق في السياق الانساني على مدى عقود الثورة خلال الحقبة التقدمية الشطرية بداء من عام الاستقلال الوطني الفعلي العام _1967م وحتى قيام الوحدة في مايو _1990م.. وبغض النظر عن فاعليته من عدمها.. كان محكوما بالدرجة الاساس بالتصورات الثورية الصرفة للحزب الاشتراكي اليمني.. خارج سياق الأطر التشريعية الرسمية للدولة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية..ان جاز التعبير، الأمر الذي أفقدها ( كتجربة انسانية رائدة ) ليس فحسب صفة الديمومة والأستمرارية العملية المفترضة.. وانما ايضا القدرة على تحقيق انجاز فعلي ملموس وطويل الأمد على صعيد تعميد وتقدم الحياة الطبقية العامة لمهمشي الجنوب بمستوياتها المعيشية والاقتصادية والفكرية.. حيث ظل الفقر كما هو.. رديفا يومياً لحياتهم الطبقية خلال اغلب مراحل العملية الثورية.. والحال ذاته ايضا فيما يخص قدرتهم الطبقية والعرقية المفترضة انذاك على امتلاك الوظائف العليا في الدولة حيث ظل التقدم بطيئا جدا فيما يخص شراكتهم المفترضة والمتكافئة في مختلف ادارات الدولة القضائية والأدارية والمدنية والعسكرية.. فيما ظلوا يعيشون على ذات النمط الهامشي المعزول السائد والمكرس حتى اللحظة في اغلبية تجمعاتهم البشرية خلال سني الحقبة التقدمية محشورين في كانتوناتهم_ ومحاويهم السكنية البدائية والمكونة في اغلبها من اكواخ القش والطين والخرق البالية المغلفة بأسواء الظروف والمناخات المعيشية الاجتماعية الأكثر رداءة وإهمالا.. ان جاز التعبير… الخ

ولتنطفئ بعدها جذوة التجربة الانسانية في الجنوب برمتها تماما مع اول انتكاسة أيديولوجية مني بها الحزب.. بدءا من العام _1989م جراء سياسة الاصلاح السياسي والأقتصادي ( البروسترويكا) والمقرة انذاك من قبل لجنته المركزية في دورتها المنعقدة أواخر سبتمبر 1989م ،،
مرورا بأندفاع الحزب وقياداته العليا المتهور وغير المدروس في أعقاب الجلاسنوست المشؤم وسئ الصيت.. صوب مشروع الوحدة العاطفي في بنيانه.. وبدرجة ادت في المقام الاول الى انحدار وذوبان الشخصية السياسية والأيديولجية والثورية للحزب الاشتراكي اليمني واندثارها كليا تحت تأثير القيم الماضيوية المتبلدة الوافدة من الشمال بانماطها السلالية والعشائرية والقبلية الممقوتة.. والتي طمرت بدورها كل اثر لتجربة الحزب الانسانیة فی چنوب ما قبل الوحـــده.. وبصورة ادت ليس فحسب الى تقويض كل امالنا وتطلعاتنا الطبقية معشر المهمشين في نيل حياة انسانية.. حرة.. وعادلة.. وامنة.. ومتكافئة .. الخ

بقدر ما اسهمت في الوقت ذاته « وكأنتكاسة حضارية» بأعادتنا الى مربع العبودية الاول.. مفتقرين لابسط شروط الحماية السياسية والطبقية والقانونية والمدنية التي كفلها لنا الحزب قبل ذوبانه في المستنقع الشمالي.. والتي مهدت الطريق انذاك لبدء الانحدار الحركي صوب تنصله التدريجي وعلى ضوء نتائج هذا الذوبان ايضا.. عن الوفاء بالتزاماته الأخلاقية والأيديولوجية والثورية حيال مجمل الطبقات الاجتماعية الدنيا والمهمشة.. وعلى رأسها طبقة اخدام اليمن التي كانت عاقدة كل عزمها وامالها عليه _اي الحزب _ لأستعادة حقوقها وهويتها الإنسانية وادميتها المستلبة.. واكتساب مكانتها العادلة والمتكافئة في المجتمع ..

وتلك كانت بالطبع واحدة من سلسلة لا متناهية من الاخفاقات الأيديولوجية والثورية العميقة والعويصة التي منينا بها بانتظام في اغلب مراحل العمل الثوري التقدمي في جنوب ما قبل الوحدة.. والتي ادت بطبيعة الحال الى تفكك العملية الثورية برمتها تحت ضغط التوترات الطبقية والسلالية والعشائرية المتزايدة في صميم مشروعنا الثوري والتقدمي المحموم انذاك ..

يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى