نائب يمني يعمل في نيويورك بعد عملية قلب مفتوح

يمنات
محمد المخلافي
وصل البرلماني اليمني أحمد سيف حاشد إلى نيويورك في مايو الماضي من هذا العام 2025، وقلبه يئن من أوجاع أثقلت شرايينه حتى بدت وكأنها على وشك الانفجار من شدة ما تحمله من إرهاق وضغط الظروف التي مرّ بها مدافعاً عن حقوق المظلومين من عامة الناس.
جاء محملا بمرضه، وبهموم وطنٍ لا تفارقه، يبحث عن فرصة للعلاج بعد أن ضاقت به سبل الطب في بلاده التي تعيش أكبر مأساة إنسانية.
لم يكن وصوله إلى الولايات المتحدة رحلة علاجية عادية، بل كانت ثمرة جهد إنساني نبيل قامت به الجالية اليمنية في نيويورك.
هم من تكفّلوا بترتيب كل شيء: المواعيد الطبية، وإجراءات المستشفى، والسكن، وحتى أدق التفاصيل التي يحتاجها في غربته. فتحوا له الأبواب وقلوبهم، ووقفوا إلى جانبه كما يقف الأبناء مع والدهم.
لهم كل الشكر والتقدير على موقفهم الذي يعكس أصالة اليمنيين أينما كانوا، وعلى دعمهم الذي كان سندا له في واحدة من أصعب محطات حياته.
أُجريت له عملية قلب مفتوح في أحد أفضل مستشفيات نيويورك، وتكللت بالنجاح والحمد لله. وبعد أيام قليلة من العناية الدقيقة، نصحه الأطباء بالبقاء تحت المراقبة لما يقارب شهرين، حتى تستقر حالته وتلتئم جراحه تماماً. لكن حاشد، بطبيعته التي لا تعرف الانتظار ولا تقبل الإقامة الطويلة خارج الوطن، رفض البقاء. حمل قلبه المثقل وجراحه التي لم تجف بعد، وغادر نيويورك متجهًا إلى القاهرة.
كانت الرحلة طويلة ومرهقة، وجعلته يشعر بألم حاد في موضع العملية، حتى ظهرت بقع داكنة حول الجراحة بسبب الضغط والجلوس لساعات. ومع ذلك تحمّل كل ذلك بصمت، وعاد إلى القاهرة في مطلع أكتوبر الماضي.
هناك وجد نفسه بين أربعة جدران في شقة صغيرة، يحاول أن يتكيّف مع وحدته، وأن يستجمع قوته لمتابعة رحلة علاجه التي لم تكتمل بعد. فما يزال بحاجة إلى عملية جراحية في سقف الحلق، ويعاني أيضًا من مشاكل في العمود الفقري واعتلال الأعصاب الطرفية، وكلها أمراض تحتاج إلى رعاية مستمرة وصبر طويل.
ورغم ما يمرّ به، حاول أن يبقى واقفًا. كان يرقص أحيانا ويشارك مقاطع خفيفة على صفحته في فيسبوك، لا بدافع المرح، بل في محاولة للهروب من ثقل الواقع، وللاختباء لحظات عن المشهد المعقّد في اليمن، وعن الأحداث الأخيرة التي تضرب البلاد وتهدد بتقسيمها.
كل هذا الضغط، الصحي والنفسي، جعل قرار العودة إلى نيويورك يفرض نفسه. عاد وهو يحمل همًّا أكبر من جسده المرهق، وكان يتمنى لو استطاع قبل ذلك أن يعود إلى بلاده ولو ليوم واحد، ليزور أسرته التي تركها في صنعاء، تعيش في شقة إيجار متواضعة وتعاني مثل عامة الناس. فهم ليسوا من أصحاب الفلل ولا من أصحاب الأرصدة، بل عائلة تشبه ملايين الأسر اليمنية التي أثقلتها الحرب وضيّقت عليها الحياة.
عاد إلى نيويورك ليحاول أن ينتزع فرصة جديدة للحياة، رغم أن قلبه ظل معلقا هناك حيث ترك وطنه وأسرته وذكرياته، وكل ما يشبهه.
وبعد يومين فقط من عودته إلى نيويورك، ظهر في صورة على صفحته في فيسبوك، وهو يعمل في أحد المقاهي هناك، يُحضّر القهوة بيديه لزبون. كانت صورة موجعة لمن يعرف تاريخه ومواقفه، لكنها في الوقت ذاته صورة ناصعة، تعري الواقع وتكشف الفارق بين رجل اختار أن يبقى نظيف الكف مرفوع الرأس، وبين جموع من الفاسدين الذين باعوا ضمائرهم بأثمان بخسة.
كان واقفًا خلف ماكينة القهوة كما كان دائمًا خلف مواقفه. ثابتا، لا يخجل من العمل، ولا يتخفّى من الحقيقة. يمارس حياة بسيطة، لكنها حياة تشبه روحه، نقية، صادقة، غير ملوثة بسلطة ولا مصلحة.
هذا هو أحمد سيف حاشد، كما عرفناه مُناضلا صبورا، لا ينثني أمام ثقل الجسد ولا قسوة الغربة، ولا يتبدّل بما حوله من ظروف. حمل جراح وطنه قبل جراحه، وظل قلبه النابض بهم بلاده أقوى من أي وعكة صحية.