الحرب على غزة
سقطت التهدئة في قطاع غزة لتتفجَّر اليوم عدواناً إسرائيلياً واسعاً ملأ شوارع القطاع بدماء الغزيين، الذين يعانون في الأصل حصاراً قاسياً، بينما ينقسم الفلسطينيون، وتصرّ حركة «حماس» على الاستمرار في سيطرتها على غزة، متجاهلة التحذيرات العربية.
واستهلت إسرائيل عدوانها بتنفيذ مذابح عبر سلسلة من الغارات الجوية المتزامنة، مستهدِفة كل المقار الامنية التابعة لـ«حماس» في القطاع، وموقعة أكثر من 206 قتلى، و400 جريح، بحسب حصيلة مساء امس، بينهم 100 مسلح من المؤسسات الأمنية التابعة لـ«حماس»، حسبما ذكرت الأخيرة.
وفي وقت وعدت إسرائيل بمواصلة عملية «الرصاص المصبوب» وتوسيعها حتى القضاء على «حماس»، ولو تطلب ذلك إدخال قوات برية إلى القطاع، هددت «حماس» برد «مزلزل» في كل الأراضي الإسرائيلية، وبكل الوسائل المتاحة، بما فيها الهجمات الانتحارية، مؤكدة أنها «لن تستسلم ولن تقدم أي تنازل سياسي». ولاقت العملية الإسرائيلية إدانة دولية وعربية واسعة، لم تَستثنِ بعضها مسؤولية «حماس» بإطلاق الصواريخ.
ودان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي بدأ زيارة إلى المملكة العربية السعودية أمس، العدوان الإسرائيلي، ودعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى إجراء اتصالاته لوقف العدوان.
ودعت كل من السعودية وسورية وقطر وليبيا واليمن إلى عقد قمة عربية عاجلة لبحث التطورات، كما دعت الجامعة العربية إلى اجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب اليوم، وأبلغت ليبيا بصفتها، عضوا في مجلس الأمن الدولي، والمجموعة العربية في الأمم المتحدة، بضرورة الضغط لعقد جلسة في مجلس الأمن. من جهتها، حضت الولايات المتحدة إسرائيل على تجنب إيقاع ضحايا مدنيين في غاراتها على قطاع غزة، داعية «حماس» إلى «وضع حد لأنشطتها الإرهابية إذا كانت تريد أن تؤدي دورا في مستقبل الشعب الفلسطيني». وكانت مصر دانت العدوان الإسرائيلي، إلا أنها لم تعفِ «حماس» من مسؤوليتها في رفض تجديد اتفاق التهدئة، وفي استمرارها بإطلاق الصواريخ.
واصطبغ قطاع غزة بالأحمر القاني, ومهر بدماء أكثر من 210 شهداء و400 جريح صفحة جديدة من صفحات المجازر الإسرائيلية المتمادية حيث فاجأت إسرائيل مقرات “حماس” وقت الظهيرة بغارات مدمرة أتت على أكثر من 30 مقرا امنيا وسلطويا في القطاع ما أوقع هذا الكم الكبير من القتلى والجرحى لاسيما في صفوف أفراد “حماس” على الرغم من إعلانها منذ أيام إخلاء مقارها تحسبا لعمليات عسكرية إسرائيلية مفاجئة.
وقد عاش قطاع غزة منذ ظهر السبت حالة من الحزن المطبق لهول الصدمة التي لحقت به وأدت إلى هذا العدد الكبير من القتلى والمرشح للارتفاع في ضوء ما أعلنه مدير عام الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة الفلسطينية معاوية حسنين من أن حالة أكثر من 120 جريحا حرجة جدا وهم في حالة الخطر مع العلم انه تم إجلاء عدد منهم إلى مصر للمعالجة فيما أعلنت دول عربية أخرى في مقدمها الكويت استعدادها لاستقبال الجرحى.
وفيما اعتبرت إسرائيل على لسان مسؤولين عسكريين فيها أن الغارات أنجزت مهمتها المحددة بنجاح؛ بدا واضحا إن ما تقوم به يتجاوز غارات الأمس إلى “حرب مفتوحة” استقطبت تأييدا حكوميا إسرائيليا حولها اقله بالنسبة إلى المجلس الحكومي المصغر المناط به أمر العمليات ضد حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى التي “تشكل خطرا على امن إسرائيل”.
وقد أشارت وزارة الأمن الإسرائيلية في هذا السياق إلى أن “ما جرى هو مجرد مقدمة وان العمليات ستتواصل وستتسع حسبما يتطلب وفقا لتقييمات الأوضاع التي تجريها القيادة العامة والمنظومة الأمنية”واستباقا لتطورات الأوضاع باتجاه مزيد من الاعتداءات الإسرائيلية التي تزيد من حدة المخاطر المحدقة بالفلسطينيين لاسيما المدنيين في قطاع غزة برز استنفار عربي واسع ومشاورات عالية بهدف عقد قمة عربية طارئة وعاجلة.
وتحضيرا للقمة الطارئة المنتظرة يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا طارئا الأحد لمناقشة تطورات الأوضاع في غزة, علماً أن المندوبين استبقوا الاجتماع الوزاري باجتماع تحضيري عقدوه أمس في القاهرة التي وصلها الرئيس الفلسطيني لحضور الاجتماع الوزاري.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أمس إن الأردن طلب عقد الاجتماع الذي ساندته مصر بهدف النظر “في العدوان الإجرامي ووقف المجازر التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني في غزة وإنهاء الحصار وجرائم الحرب التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الأبرياء”.
وأضاف انه يجري اتصالات مع كبار المسؤولين في الدول العربية والجهات الدولية لبحث الخروج من هذا الموقف بالغ الخطورة.
ومن ناحية أخرى, وجه موسى نداء إلى جميع الفصائل الفلسطينية لتوحيد صفوفها و”أخذ العبرة من استغلال ضعفهم وانقسامهم واستمرار احتلالهم وإساءة معاملتهم والاعتداء عليهم”.
وفي تطور لافت, أمر وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بسحب سفير بلاده في تل أبيب احتجاجا على “العدوان الإسرائيلي” على قطاع غزة, الذي أدانه وطالب إسرائيل بوقفه ” فورا”.
وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية حسام زكي أن أبو الغيط أمر باستدعاء سفير إسرائيل بالقاهرة للإعراب عن رفض مصر “الكامل للعدوان” الإسرائيلي والمطالبة بوقفه بشكل فوري, مشيرا إلى انه تم تكليف سفير مصر لدى إسرائيل بنقل رسالة بفحوى هذا الرفض إلى الخارجية الإسرائيلية.
وأضاف أن أبو الغيط وجه رسائل عاجلة إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ورئيس مجلس الأمن الدولي من أجل وقف هذا “العدوان بشكل فوري” واضطلاع المنظمة الدولية, وأعضاء الرباعية الدولية الخاصة بعملية السلام في الشرق الأوسط, وكذلك وزراء خارجية الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن.
وفي المقابل حمل أبو الغيط أيضا , حركة حماس مسؤولية إفشال جهود الوساطة التي كانت تقوم بها مصر لتمديد الهدنة بين الحركة وإسرائيل والتي انتهت في 18 ديسمبر الجاري.
وقال في مؤتمر صحافي, عقده في القاهرة أن ستين صاروخا أطلقت من قطاع غزة يوم الخميس الماضي عندما كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني تقوم بزيارة للقاهرة, موضحا أن إطلاق الصواريخ كان يبعث برسالة تهدف إلى عرقلة جهود التهدئة.
وفي حين دافعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني عن المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة معتبرة إياها ترجمة لحق إسرائيل الأساسي في الدفاع عن النفس. كشفت مجلة تايم الأميركية في موقعها على الانترنت أمس عن أن الولايات المتحدة دعت إسرائيل إلى تجنب شن عمليات في قطاع غزة أثناء الفترة الانتقالية.
وقالت المجلة إن المسئولين الأميركيين حثوا إسرائيل على تجنب القيام بعمليات أو بغزو لغزة خلال الفترة الانتقالية في البيت الأبيض إلا أن الهجمات التي شنتها اليوم (أمس) قد بددت هذا الأمل في ظل الفراغ السياسي في الولايات المتحدة .
وقالت المجلة إن هذه الضربات كانت متوقعة منذ أيام إلا أن نطاقها ووقوعها في هذا التوقيت هو الذي جاء بمثابة مفاجأة حيث انتهزت إسرائيل فرصة صفاء الجو وجودة الطقس وقامت طائراتها بقصف نحو 40 موقعا من مواقع قوات الأمن الفلسطينية وأهداف أخرى في غزة.