أرشيف

من الصوملة حتى المجاعة!!

تتصاعد موجة الرسائل الموجهة إلى الخارج الباحثة عن معونات.. وقد توزعت تلك الرسائل بين التخويف بالصوملة.. أي أن يتحول الشعب اليمني إلى شعب صومالي ثاني، تائه في الرمال والبحار،تتقاذفه أمواج البحار نحو المجهول ، وتلتهمه اسماك القرش المفترسة، فيما تفترسه في الرمال السباع والضباع والحيوانات المفترسة وتلدغه الثعابين، وهو يبحث عن ملجأ يقيه جوعه.

تلك الرسالة الأولى نطق بها ومن فاهه، عبد الكريم الأرحبي، وزير التخطيط والتعاون الدولي، وهو المقرب إلى رئيس الدولة نسباً.

فيما جاءت الرسالة مؤخراً من الدكتور عبد الرحمن الارياني ، ومن بيروت حيث جرت الانتخابات الديمقراطية هناك، وكان مراقبا لها بجانب الرئيس الامريكي الاسبق كارتر.

والرسالة الثانية أكدت أنه في العام القادم سيتعرض الشعب اليمني للمجاعة القاتلة بسبب الجفاف وعوامل البيئة والأزمة الاقتصادية ، بنضوب النفط وانخفاض اسعاره، وقلة الاحتياط النقدي الذي لا يكف إلا لاستيراد ستة أشهر.

والإرياني بذكائه المعهود ، أراد أن يوجه رسالته وعبر وسائل اعلامية دولية، معترفاًُ بمجاعة قادمة، فيما لم يقلها من الداخل حيث تنكر قيادة السلطة كل عوامل التدهور الاقتصادي والتقارير الدولية التي تشير إلى أن اليمن بنظامها واقتصادها الهش سيوصلها إلى التدهور والفشل .. بل وما هو أكثر من ذلك ، غير أن تصريحات ونائبه ورئيس الحكومة ومسئولي المؤتمر الحاكم تنفي كل تلك التقارير، وتعتبرها جزء من التشكيك بقوة النظام القائم، وأنها تستمد معلوماتها من المعارضة – حسب وصفها.

ويمكن لأي مراقب سياسي في الداخل أو الخارج أن يرصد وبدقة درجة الاختلاف والإزدواج بين الرسائل الموجهة للخارج ، والخطاب المكرس للداخل ، والذي يؤكد أن (كل شيء تمام يا فندم) على الطريقة العسكرية المعتادة…!

فحين انخفض سقف إنتاج النفط اليمني وتدهور سعره عاليا وحدثت الأزمة المالية العالمية، كان هناك من يصرح أن اليمن لن يتأثر بالأزمة المالية العالمية، وكأننا خارج هذا الكون..! وأن انخفاض انتاج النفط ستعوضه مصادر جديدة من الغاز، فيما تظل وتيرة الانفاق لشراء الاسلحة واستضافة المؤتمرات والندوات والسفريات والوفود والدعايا الاعلامية تنهب ميزانية الدولة، التي يعاني أكثر من نصف سكانها من الجوع المدقع، وباعتراف الحكومة ذاتها التي كانت تصرف للأسرة الجائعة من (1000) ريال أي (5دولار) إلى (2000) ريال أي (10) دولار لأسرة جائعة قد يتجاوز عدد أفرادها الثمانية والعشرة لتضاعف تلك المبالغ، معلنة أنها تنفق على عشرة ملايين فرد من الضمان الاجتماعي..!

كل الأرقام والمؤشرات الاقتصادية تدل على أن الموازنات السنوية غير دقيقة ، وأنها تتعرض لأسلوب مدروس للمبالغة في الأرقام، إضافة إلى ذلك أنها الحكومة الوحيدة في العالم التي تتقدم للبرلمان بطلب الاعتماد الإضافي السنوي الذي وصل إلى نسبة 54% من الموازنة المقرة وهو تجاوز للقانون الذي لا يمنح البرلمان الموافقة على نسبة كهذه ، غير أنه يقرها باستخدام الأغلبية البرلمانية للمؤتمر، وهذه الاعتمادات عادة قد صرفت قبل الإقرار ، والتي تلقى استهجاناً من قبل المعارضة والمختصين الاقتصايين والماليين، والصناديق والدول المانحة ورجال القانون كذلك.

أمام اشكالية كهذه ، تبدو معجزة أخرى تتمثل في حدوث وفورات من تلك الاضافات، وهنا يبرز السؤال لماذا تحدث الوفورات بعد طلب الاعتمادات.. ولماذا تطلب في الأصل!

ويأتي الجواب بأن أي مرفق حكومي يحقق وفراً فأن نسبة تصل إلى 20% تمنح لمحاسب تلك الجهة وقيادتها.. وهو الاحتيال الواضح الذي يمرر عبر البرلمان والمالية، وعلى الشعب الذي يصفق احيانا بوعود لم تحقق!

الوضع اليمني معقد جداً..

فحين تزداد حرارة المواجهة في المحافظات الجنوبية وصعدة، وتتشكل مجاميع أخرى في المناطق الوسطى، وتشتد حدة المطالب (بالتغيير) لا (بالتصحيح) الذي تردد منذ عام 1995م ، ويجري الصرف على الألاف من الشخوص بحجة تثبيت الوحدة، والحفاظ على اللحمة الوطنية، كما يقال- وتمنح السيارات والهبات كمهدئات أو يتم التبشير بعهد الغاز الذي بيع على الخارج بأبخس الأسعار وموارده التي لن تتجاوز المليار ريال إن وصل إلى ذلك المبلغ – سنوياً- فأن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي يزداد تدهوراً ـ وصعوبات تتحدى الخطاب الرسمي والمهرجانات المعدة سلفاً.

فالمؤشرات الاقتصادية تدل على فشل الحكومة في استثمار المعونات والمبالغ المقررة في مؤتمر المانحين في لندن عام 2006م والتي لم ينفذ منها حتى قبل شهرين سوى نسبة 1% فقط، وهي نسبة تدل على فشل ذريع في الاستفادة من المبالغ الموجودة، في حين يعاني الوضع الاقتصادي من التدهور المميت ويصرخ في الشعب مطالباً بالبنية التنيمية.

كما أن الخدمات الاجتماعية تزداد تدهوراً، فالكهرباء تنقطع يومياً إلى أربع مرات، والمياه تجف في ظل زراعة القات به، وتستنزف الأحواض المائية ابتداء من حوض صنعاء حتى لحج وأبين ومدينة إب (الخضراء) ناهيكم عن معاناة المواطنين في الأرياف حيث يصل سعر دبة الماء إلى 150ريالاً..

كل ذلك يجري، في ظل تحذيرات للبنك الدولي والجهات المانحة والمختصين في الوطن والدراسات المعدة ، غير أن تلك التحذيرات تذهب أدراج الرياح، حيث أكبر وأكثر المسئولين لا يهتمون إلا بالبسط على الأراضي وبيعها بالمليارات على المواطنين ، كما يحدث في صنعاء المهددة بالجفاف القاتل.. واجراء الصفقات والتسابق على المواقع المدرة..!

وضع كهذا يكشف عورة النظام والمخاطر المحدقة بالوطن – ومع ذلك فأن الخطاب الرسمي يتحدث عن المنجزات التي تحققت للمجتمع في ظل فساد قاتل بشكلية الكبير والصغير، ومع ذلك فأنه يحاول توجيه رسائل للخارج يهددها بالصوملة والمجاعة بحثاً عن اعانات ودعم لم تعد تلك الدول تثق في تقديمه كونه لا يذهب إلى حيث ينبغي أن يصرف في ظل الفساد القائم.

إن الوضع يزداد قتامة.. ولا يقبل المزايدة والتنكر إلى كل صوت يدعوه لتغليب منطق العقل والحكمة والإستفادة من كل امكانيات الوطن.. وكفاءاته وترشيد الإنفاق في المجالات غير الانتاجية ، فالوطن لم يعد بحاجة إلى مزيد من التسلح.. فمن سيحارب؟!

كما أن التراجع عن عدم الاعتراف بعدم صوابية أية استشارة حتى من المقربين لنظام الحكم، ناهيكم عن المعارضة والشخصيات الوطنية، سيحسب لهذا النظام إن أراد إنقاذ ما بقى من ماء الوجه ولو أمام الأخرين.. فلم تعد المكابرة تنفع ولا تزرع ولا تؤتي ثمراً..!

فهل يستفيق النظام من غفوته وغروره وغطرسته وإتهام كل صاحب رأي مخالف بصفات ما أنزل الله بها من سلطان.. أم يجرنا فعلاً إلى الصوملة والمجاعة القاتلة بأفعاله وطرائق استخدامه للسلطة!!

اسئلة تقرع الأبواب والأذان الصماء باجراس الخطر..! إن لم يتم الاستجابة لها قبل فوات الأوان.. فلن ينفع الندم غداً….!

زر الذهاب إلى الأعلى