أرشيف

«القاعدة» هي الموضوع الأهم وكل ما عداه لا يهم الغرب: البعد الأحادي للتغطية الاعلامية الغربية لليمن

حتى وقت قريب جدا كانت موريتانيا البلد العربي الوحيد الذي فاق اليمن في اهمال الاعلام البريطاني له. أما الآن ومنذ الخامس والعشرين من شهر كانون الاول (ديسمبر) 2009 فقد انقلب الحال وفاق ذكر اليمن في الاعلام البريطاني ذكر أي بلد عربي آخر – باستثناء العراق- إذ شهد هذا الشهر وحده أخبارا عن اليمن تعدت ما ذكر عنه طوال فترة العام المنصرم.

ورغم أن تواتر الاخبار يمر بدورات تعلو وتنخفض ويتناقص اهتمام بعض الاعلام بها الا أن اليمن اقتحم الساحة الاعلامية كحضور دائم، وان كان غير مرحب به، وسيستمر في المستقبل المنظور، ومن المؤكد أن يحظى خلال عام 2010 باهتمام اعلامي أكبر من أي وقت مضى.

التهديد القادم من اليمن

اذا القينا نظرة على كيفية تصوير اليمن في الاعلام الغربي لادركنا مدى أهمية اللغة المستعملة والمحتوى الذي يقدم للقارئ. فالكلمات التي استعملت لوصف أهمية ومدلول المؤامرة الفاشلة في ديترويت هي نفسها التي جرى استعمالها للدلالة على مضمون معين بذاته طوال فترة العقد الاخير تقريبا، مثل: 'الحرب على الارهاب' و'غوانتانامو' و'القاعدة'، وقد ورد في عدد من الصحف ان هذا العقد انتهى كما بدأ – تحت ضربات 'القاعدة'. ساحبة بذلك أحداث الحادي عشر من ايلول( سبتمبر) الى دائرة الضوء المسلط حاليا على الاحداث في اليمن مما يسقط عامل الزمن بين الحدثين ويزيل الحاجة للدخول في تفاصيل معينة اذ يعتقد القارىء أنه بصدد موضوع مألوف سبق وأن ألم بتفاصيله.

اضافة الى ذلك يزعم البعض، وان كان دون دليل يدعم مزاعمهم، أن هذه المرة هناك شيء ما 'أشد تطرفا' في هذا الجيل اليمني 'الجديد' من القاعدة.

وفي الحقيقة لا يقتصر التكهن بالتهديد المرتقب على اليمن وحدها. فالواقع لا يأتي الاعلام الغربي على ذكر بلد بدءا بموريتانيا وانتهاء بالباكستان الا ويلمح الى وجود علاقة شائنة مريبة أو تواطؤ غامض المعالم مع 'الجهادية عابرة الحدود'، ان من حيث اعتبار ذلك البلد مضيفا غير متعمد لها أو ضالعا في العمق معها.

كما يشمل الاعلام قلة من البلدان الاوروبية في هذا الصدد منها المملكة المتحدة والمانيا، ويركز بعضه على البريطانيين ممن قيل أنهم تدربوا في معسكرات داخل اليمن.

وتكمن المشكلة الاساسية في ايجاد تناسب عقلاني ما بين 'التهديد' بحد ذاته وبين ما يمكن القيام به للتصدي له، وتستمر هذه المشكلة حجرعثرة ضخمة في منظومة 'الحرب على الارهاب' .

 

الحاجة الى تحليل هادئ

 

يكتسب تحديد ضوابط وماهية العلاقة ما بين اليمن والقاعدة أهمية كبرى وينسحب بالتالي على تحديد العلاقة ما بين اليمن والغرب، وتواجهنا الآن تعابير وصفية شاع استعمالها مثل: 'ملاذ آمن'، 'أرض صالحة للتوليد'، 'معقل رئيسي' وهو 'يفيض بارهابيي القاعدة '، حيث لا رادع 'لتفاقمهم' في فضاءات جامحة غير محكومة'.

 

واذ يواجه القارئ مثل هذه الرموز اللفظية يدرك فورا ما يفترض أن يتبادر الى ذهنه: 'الخطر' دون أن يتمكن أي كان من تحديد هذا الخطر بدقة.

وفيما تستبعد قلة في الغرب احتمال أن الخطر الذي سيداهم المصالح الغربية سيصدر بطريقة ما من الأراضي اليمنية – كما مثلته محاولة اسقاط طائرة على أرض أمريكية – يعتمد بعض الاعلام سياسة 'اطلق الرصاص أولا واطرح الاسئلة تاليا' متبنين في تخميناتهم خطاً أشد تطرفا.

ويمكن هنا الاستشهاد بمثلين ورد أحدهما في جريدة 'الديلي اكسبريس': 'تبدو اليمن أرضا مفعمة بعنف مفرط'، والآخر في جريدة 'الديلي تلغراف': 'اليمن بلد ضعيف تشرذمه انقسامات قبلية عميقة وعنيفة'.

في الوقت نفسه يجدر ابداء ثلاث نقاط هامة: أولا، ان ما جاء آنفا لا ينطبق على مجمل التغطية الاعلامية، اذ يوجد من بين أكثر المحللين اقناعا من يسلم بالحاجة الى التواصل والحوار كأولوية قصوى، سواء كان هذا من حيث المبدأ أو كضرورة يفرضها الواقع.

ثانيا، أن شهية الاعلام لارسال قوات على الارض على نسق يشبه العراق وأفغانستان تكاد تكون معدومة.

ثالثا، ما يطغى على التغطية الاعلامية، خاصة في محاولة تقييم مستوى التهديد المرتقب، هو أن التكهنات تتجاوز الادلة بمراحل كبيرة وينتهي الامر الى حالة تقارب الهيستيريا يكررالاعلام فيها ما سبق ترداده من تعابير مثل: 'مسقط رأس جدود أسامة بن لادن'، و'مئة يمني تقريبا مازالوا في غوانتانامو' و'الدولة الفاشلة' ويؤثر هذا غالباً في مضاعفة قدرات القاعدة وتضخيم امكاناتها في تسديد الضربات والحاق الاضرار .

 

ما الذي تسوقه التغطية الاعلامية الغربية لقرائها عن اليمن؟

 

يجري تسليط الاضواء على اليمن من خلال منظور (التهديد الارهابي) وعليه فلا بد اذن من أن يعذر القارىء ان استنتج أن القاعدة وأبعادها الدولية هي حصريا ما يستقطب اهتمام الجماهير الغربية باليمن.

من هذا المنظور يصبح اليمن ذلك المكان الذي يحتوي على نواة صلبة تلتحم بها وتتمترس حولها جميع المخاوف التي يبثها ذكر القاعدة وجميع ما ينسب اليها من نعوت في أذهان الجماهير الغربية، بغض النظر عن صواب هذا التصور أم خطئه. ويصبح استفحال هذا النوع من التغطية عاملا يبرر ما يعتمل في أذهان الكثير من القراء بسبب افتقارهم الى مصادر معلوماتية اخرى، وهو أن اليمن حقيقةً وفعلاً مثار خوف يخشى جانبه ولا حول ولا قوة في التعامل معه.

كما يعتقد القارئ أحياناً كثيرة أن شرارة الجهادية وايديولوجيتها متأصلة في اليمن خاصة في المناطق القبلية وبالتالي ينسحب هذا ليس على مواصفات الشعب اليمني فحسب وانما حتى على من يزور اليمن، كما هو الحال بالنسبة للمواطن النيجيري المتهم بمؤامرة ديترويت الفاشلة.

كذلك يجري تصنيف اليمن ببساطة على أنها 'بيئة متعاطفة' وهو تصنيف يفتح مجالا رحبا لتأويلات يتسع مداها وتتراوح ما بين 'الجبلي' الى 'مناطق غير محكومة' وصولا الى'حكومة متواطئة'. ويهمل هذا التصنيف العوامل التي لا تعد ولا تحصى والتي عادة ما تتضافر مع الانتهازية لتوفير بيئة مواتية.

تتضاءل الاضواء الاعلامية الغربية التي لا تصوب الا لماما على العوامل المحلية التي تتأثر بها الجموع بما فيها الفقر والفساد. ويركز الخط العام في المقالات الرئيسية اهتمامه على 'لماذا تورط الغرب' ولا يولي البلد الذي وقع في مرمى نيران الطرفين أي اهتمام. ويفترض القارئ، بدرجة تفوق الواقع، أن التطرف أمر مقبول وشائع في المجتمع اليمني، اذ يبقى هذا القارىء اجمالا بمنأى عن أخبار وأحوال الشرائح والاقسام الاخرى التي تشكل مجمل هذا المجتمع.

 

رغم الاعتبارات الاخرى كحركة التمرد الحوثي في أقصى الشمال والنزاع القائم مع الانفصاليين في الجنوب يفترض في الغرب أن تحتل الحرب على القاعدة أوتوماتيكيا أعلى درجات سلم الاولويات الغربية. وسرعان ما تثور الشكوك حول أي بيان يطلقه المجتمع اليمني في حربه على القاعدة ويكون بدرجة حماس لا ترقى الى مستوى الحماس الذي يصبغ ما يصدر عن الغرب.

المنطق الذي ساد منظومة الحرب على الارهاب: 'من ليس معنا فهوعلينا' يتواتر في التغطية الاعلامية بمجملها، وعليه فأي يمني يهتم بصراعاته وخلافاته الوطنية كأولوية أو حتى بمجرد أن يبدو معارضا للغرب في مفهومه السياسي، يصبح من السهل الحاقه ودمجه بالجهادية التي تمثلها القاعدة. وبهذا تجمد الهوية الوطنية فتصبح أسيرة أضيق حدودها، وهي ليست كذلك في واقعها.

ماذا تقول التغطية الاعلامية الغربية للعالم العربي؟

 

دروس ثلاثة يمكن الاستفادة منها في مثل هذه التغطية:

أولا: وجود فجوة هائلة في فهم ديناميكيات اليمن.

ثانيا: يبدو اهتمام الغرب بدءا بالمستوى الاعلامي فما دون رجعي في صبغته.

ثالثا: يطغى عدم التوازن وسوء التنسيق في المعلومات التي يسوقها الاعلام للقارئ اذ تكاد تنعدم وجهة النظر اليمنية في سرد الرواية الاعلامية.

ما يطبع القسم الاكبر من التغطية الاعلامية الغربية هو معالجة الصراع من جانب واحد فقط ينحصر في الحرب على القاعدة بمعزل عن القضايا الاخرى التي تستبعد كليا. ويؤثر هذا، بطبيعة الحال، سلبا على الجماهير العربية اذ يؤكد لها أن نوايا الغرب تجاه اليمن في مجملها عدائية. ويجري صبغ اليمن بكامله 'كتهديد قائم' دونما حيز يتيح مجالا لاي تمايز أو حوار أو البحث عن أرضية مشتركة.

رغم ما سبق يستمر الغرب في النظر الى اليمن كحليف 'يمكن أن نبرم الصفقات معه' في 'الحرب على الارهاب'. وغالبا ما يطلق هذه المقولة فرد أو مؤسسة قد اكتشف نقطة لتقاطع المصالح الغربية. غير أنه في هذا الحال تبقى قضية الشك في تنفيذ الالتزامات معضلة بالنسبة للبعض.

تركيز كبير يسلط على السياسات الغربية تجاه اليمن التي يقال أنها بمجملها تدعم الرئيس صالح. ولهذا أثران رئيسيان. أولاً، أن الدعم الاجنبي للرئيس صالح يظهره وكأنه عاجز عن التحكم في مقاليد الحكم.

ثانياً، أن هذا الدعم يعرض اليمن الى خطر وضع مشروعيته موضع الشك اذ يجعل هذه المشروعية مجال بحث تشترك فيه الدول الغربية لاقرارها. وهذا سيؤثر بالتأكيد سلبا على شرعية الحكومة المحلية في نظر مواطنيها.

مستشار مؤسسة الراصد الاعلامي العربي

زر الذهاب إلى الأعلى