زهرة تغتالها قسوة الوالدين
لفتت أنظار كل من شاهدها يوم أن جاءت إلى الوجود وأجمع الناس على أنها ليست ككل المواليد في المنطقة حيث بدت عليها آثار الجمال من لحظة ولادتها وبدا وجهها مشرقاً والابتسامة لا تفارق محياها وقل أن سمعوا لها بكاء الأطفال في مثل سنها وأصبحت حديث الناس صباح مساء والغرابة تلف الكثير من تفاصيل حياتها اليومية وتصرفاتها التي بدت نادرة إلى حد الدهشة وهي لم تزل في بداية العمر .
وبدأت الحكايات تتكاثر وتزداد في كل يوم عن الأمس وفي ظل ما يقال ثمة من رأى أن هذه المولودة الصغيرة لن تعيش فالمعتقد عن الكثير من الناس في تلك المنطقة أن الطفل الذي يكون بهذه الدرجة من الجمال والذكاء والحيوية في الغالب يموت لأنه من أطفال الجنة..
هذا المعتقد بعث الخوف في قلوب أهلها ومحبيها حتى أولئك الذي لا يؤمنون بمثل هكذا معتقدات ولا يؤمنون بعين الحسد التي قد تصيبها في أي لحظة غير أن حبهم الشديد لها أجبرهم على التعاطي مع الخوف والقلق وإن كانت الأسباب خرافية في جوانب عديدة..
مرت الأيام والسنون وهذه الفاتنة تكبر وفي كل يوم أكثر جمالاً وروعة والأنظار تتجه إليها والقلوب مشدودة بحبال الحب والخوف، ومع مرور الأيام حدث ما لم يكن في الحسبان إذ أختلف والداها خلافاً غير متوقع سمع به كل أبناء المنطقة وتدخل الناس لإصلاح ذات البين بين والدي هذه الطفلة وإقناعهم بالتنازل من أجل هذه الطفلة الجميلة التي ليس لها مثيل وناشدهم كل أبناء المنطقة وتوسلوا إليهم أن يتركوا خلافاتهم جانباً ويعيدوا النظر في أسباب الخلاف التي بدت أنها أسباب واهية وكلها لا تساوي دمعة واحدة تخرج من عين هذه الطفلة الفاتنة ذات الزهرات الأربع من العمر .. لم تفلح كل المحاولات بإقناعهم بشيء حيث أتضح أن الخلاف قد وصل إلى مرحلة بالغة التعقيد وأن الأمور لم تعد بالصورة التي تسمح بحل الخلاف ومضت الأمور نحو الأسوأ ، ولأول مرة يشاهد الناس دمعة أسى تسيل على خد هذه البريئة الفاتنة وهي تنظر وتدرك المصير الذي ينتظرها في الأيام القادمة. حيث وصل الخلاف بين الوالدين يطرق أبواب من يأخذ هذه الطفلة ومن أولى بها وأخذ الخلاف عليها بعداً مخيفاً حيث بدأ كل طرف يتوعد الآخر بالقتل إذا أخذها وليحدث بعد ذلك ما يحدث.. كان الخلاف من هذا النوع متوقعاً وكان الناس بانتظار أن تصل الأمور إلى هذه النقطة بالذات حيث لا يمكن لأي من الطرفين أن يتخلى عنها بسهولة وهي من هي؟ وقد أسرت عقول الأباعد والأقارب معاً واستولت على القلوب بحبها لدرجة أن هناك من أقسم أنه يحبها أكثر من أولاده لكن الوالدين لم يقدرا ثمن هذه الجوهرة النادرة التي بين أيديهما حيث أستيقظ الناس ذات صباح حزين على النبأ الأكثر حزناً وقد تنازعا الوالدان على الطفلة وحاول كل واحد منهما انتزاعها من الآخر فكانت نتيجة ذلك أن أصيبت الطفلة جراء الشد والجذب بعاهة كبيرة وتحولت الإصابة بعد أيام قليلة إلى شلل تام أفقدها كل المحاسن وصادر رونق أيامها وحيويتها النادرة وحل البكاء عند الأهل والأقارب وكل من عرفها ولم يُجد كل البكاء والحنين في إعادة ما أفسدته أيدي الوالدين ولم يبق إلا الدعاء أن يمن الله عليها بالشفاء وتعود إلى ما كانت عليه.