الحوار والانتخابات اليمنية ـ أحمد صالح الفقيه
قبل أسبوعين اتخذت السلطة قرارا مفاجئا بإغلاق باب الحوار وأعلنت ذلك على لسان الوزير والشيخ القبلي صادق أمين أبو راس أبرز ممثليها في الحوار الوطني. وخلال الفترة القصيرة لعمر الحوار، ظهر عدم جدية السلطة فيه من مستوى الشخصيات الممثلة للسلطة ، اذ ان معظهم لم يكونوا من قيادات الصف الاول. وكان رئيس الجمهورية قد برر ايقاف الحوار بان مطالية احزاب المعارضة بضرورة اجراء اصلاحات سياسية هو بمثابة عملية انقلاب تستهدف سلطته وهي الاصلاحات السياسية التي ترى المعارضة انها تستدعي اجراء تعديلات دستورية جوهرية.
وقد اختلف الحاكم والمعارضة على الرؤية العامة لمشروع التعديلات الدستورية، كما اختلفا أيضا على تفاصيل محاور هذه التعديلات وأبرزها السلطة التشريعية وشكل النظام السياسي وعملية الانتخابات.
الدستور الحالي الذي طبخ عقب القضاء على القوة العسكرية التابعة لدولة الجنوب قبل الوحدة ومن ثم التابعة للحزب الاشتراكي بعدها، و(احتلال) الجنوب بعد اجتياحه عام 1994 يعطي صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية ، لكن لا يوجد فيه نص واحد يسائل رئيس الجمهورية ، عن هذه الصلاحيات المطلقة ، ولذلك فإن من مقترحات المشترك أن يستبدل النظام البرلماني الحالي الذي هو هجين ” مختلط” من نظام برلماني ورئاسي ، إلى النظام البرلماني الذي يعطي سلطة فعلية وحقيقية لمجلس النواب في الرقابة والمحاسبة ويقوي سلطاته.
أحزاب المشترك ترفض بشدة التعديلات الدستورية التي اقرها الحزب الحاكم من جانب واحد، وترى أنها ليست سوى صيغة جديدة للالتفاف على الإصلاح الذي تطالب به ، والذي حددته مبادرتها التي أطلقتها شهر فبراير 2005م تحت مسمى مبادرة أحزاب اللقاء المشترك للإصلاح السياسي الشامل، ويرى المشترك أن من أهداف الحاكم في طرح هذه المقترحات هو الإبقاء على النظام الحالي في السلطة و تكريس رمز السلطة القائمة، بينما يطالب تكتل اللقاء المشترك للمعارضة بأن يكون من أول أهداف هذه التعديلات تغيير المنظومة السياسية الحالية، ويرى ان الإشكالية هنا أن هذه التعديلات التي أنزلتها السلطة تلبي حاجة الحاكم ، ولا تلبي حاجة الناس ، ومن أبرز مساوئ هذه التعديلات أنها حاولت تطويع النص الدستوري أو القانوني لخدمة الاستبداد وبقاء الرئيس في السلطة، وليس لصالح تطوير العملية الديمقراطية وممارساتها.
وأن اهداف هذه التعديلات هي إعطاء الصلاحيات للرئيس وتمديد فترة بقائه لمدد اطول من خلال إجراء تعديل للدستور. وفي العادة يجري تعديل دستوري يتم توقيته بانتهاء الانتخابات الرئاسية ثم يفاجأ الجميع من قبل النظام بتعديل آخر.
ويطالب المشترك بتغيير النظام الانتخابي بنظام آخر من شأنه انتاج برلمان نوعي ذو كفاءة ، وهذا النظام لن يتم إلا في إطار القائمة النسبية ، إلى جانب ذلك يرى أن النظام الانتخابي الراهن ” نظام القائمة الفردية ” نظام غير عادل ، فهناك أصوات للأحزاب لا يتم احتسابها في مجلس النواب ، على سبيل المثال : في انتخابات 2003م البرلمانية حصلت المعارضة على 47% من الأصوات ، لكنها لم تحصل من المقاعد الا على أقل من 20% ، وهكذا في كل دورة انتخابية، بينما السلطة حصلت على 52% من الأصوات وحصدت 76% من مقاعد مجلس النواب!! ويخشى الرئيس وحزبه الحاكم اجراء تغيير على نظام الانتخابات قبل الانتخابات المستحقة في ابريل 2011 لان من شأنها أن تحرمه من تحقيق اغلبية كاسحة في المجلس تتيح له تنفيذ مشروعاته واجندته الخاصة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية.
كما تنتاب المشترك والكثيرين خارجه هواجس كبيرة بان السلطة تتلاعب بامن البلاد، وانها لاتتورع عن اي فعل احمق او شائن لتحقيق مصالحها، وانها تقوم بتحريك القاعدة لقعدنة الحراك وافشاله، وانه حتى الفضلي قد خفت صوته وكانه يفسح المجال للقاعدة بعد ظهورها القوي المفاجئ في الجنوب، والذي ربط القاعدة بالحراك وبالجنوب في وسائل الاعلام العالمية، الامر الذي يؤدي الى تأليب الرأي العام الدولي والدول النافذة على الحراك والجنوب واعتبارهما حاضنة للقاعدة.
كنت قد اشرت في مقالة سابقة الى انه “لا يوجد في قانون الانتخابات نص يحرم استغلال حزب أو جهة أو فرد لأموال الدولة وإعلامها، وجهازها الإداري، وقواتها المسلحة والأمنية لمصلحته الانتخابية الخاصة. وذلك لأنها حقوق عامة تخص الشعب كله، وهي حقوق تعلو على النصوص القانونية، فالحقوق لا يمكن ابتداعها أو نزعها لأنها موجودة، والتأكيد عليها في نص قانوني من عدمه هو من النوافل.
ولكن سلوك القيادة السياسية والحزب الحاكم اليمنيين في كل الانتخابات السابقة دون استثناء، والذي بلغ في الجرأة حد الوقاحة، وفي التعدي على الحقوق حد الطغيان والإجرام، استلزم النص في اتفاقية الحادي عشر من ديسمبر 2006م بين المؤتمر واللقاء المشترك وبإشراف الاتحاد الأوروبي، على عدم جواز استخدام المال والإعلام الحكوميين للمصلحة الانتخابية الخاصة لأي حزب أو فرد أو جهة.
وهذه الاتفاقية التي تضمنت بنوداً مهمة من شأنها إصلاح العملية الانتخابية وضمان حسن التمثيل للناخبين، خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات على أساس القائمة والتمثيل النسبي، وإشراف جميع أطراف العملية السياسية على إصلاح السجل الانتخابي، تنصل منها المؤتمر الشعبي العام على عادته في التنصل من العهود والعقود، تماماً كما فعل مع وثيقة العهد والاتفاق، وقاد البلاد إلى حرب ما تزال تعاني من آثارها.
وقد برر رئيس مجلس النواب المؤتمري هذا التنصل بقوله إن الاتفاقية ليست قرآناً، متناسياً أن الوفاء بالعقود والعهود هو من صلب القرآن وتعاليمه.
لقد أحسن اللقاء المشترك صنعاً برفضه المشاركة في أي نشاط يتعلق بالانتخابات خارج اتفاقية الحادي عشر من ديسمبر 2006، ورفضه لمحاولات المؤتمر لجره إلى الموافقة على الإجراءات المؤتمرية الرامية إلى طبخ الانتخابات وضمان أغلبية الثلثين للمؤتمر في البرلمان القادم، وهي الأغلبية التي يسعى إليها المؤتمر ليتمكن من إجراء تعديلات دستورية تضمن التمديد لرئيس الجمهورية أولاً، ثم التوريث لنجله لاحقاً.
وصحيح ان المؤتمر يتمتع حالياً بالأغلبية اللازمة في مجلس النواب إلا أن اتخاذ مثل هذه الإجراءات المهمة والمصيرية في ظل مقاطعة المعارضة الرئيسية(اللقاء المشترك) للعملية السياسية، سيكون بمثابة انتحار سياسي مبكر للمؤتمر الشعبي العام، تفقد النظام القائم الشرعية الصورية التي يحرص عليها، وخاصة فيما يتعلق بمنصب الرئيس خاصة مع الوضع السياسي والامني الحرج الذي تعيش فيه البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
أهمية الانتخابات القادمة بالنسبة للرئيس والمؤتمر هي أنها تتعلق بوهم دوام البقاء، وهو وهم غلاب، لأنه كما يصعب على الغالبية الساحقة من الناس تصور دنو أجلهم في لحظاتهم الأخيرة، فإنهم يتشبثون بوهم دوام البقاء على الرغم من علمهم أن دوام البقاء ليس إلا خرافة”.