أرشيف

تنحي صالح لإنقاذ اليمن

حتى مع اختفاء صالح من الساحة السياسية وتنامي قوة المعارضة، يعمد ابنه أحمد وثلاثة من أنسبائه (طارق ويحيى وعمار) الذين أداروا معاً أقوى الأجهزة الأمنية (بمساعدة الجيش الأميركي في معظم الوقت) إلى الدفاع عن نظام صالح حتى الآن، وينشط هؤلاء وجميع المحيطين بهم في قمع المعارضة لا سيما أن سقوط صالح سيؤدي إلى نهاية مفاجئة لنفوذهم وثرائهم وطموحاتهم بوراثة النظام.
شكّل الاعتداء الغامض الذي وقع في 3 يونيو، وأسفر عن إصابة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، ومقتل عدد من شركائه المقربين (بينما كان الرئيس وأعوانه يصلّون بحسب ما قيل) نقطة مفصلية في الأزمة الداخلية المستمرة في اليمن. حتى الفترة الأخيرة، كان الخناق يضيق على صالح، ولكنه كان لا يزال قادراً على المناورة للحفاظ على منصبه، لكن بعد إصابته ونقله لاحقاً إلى المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج الطبي، لم يعد يستطيع الآن تنفيذ المناورات بفاعلية، وبالتالي، يبدو أنه لن يتمكن من العودة إلى اليمن، لكن لم تتضح بعد هوية الشخص أو طبيعة النظام الذي سيحل مكانه.
تشمل المعارضة المتنامية في وجه صالح ائتلاف “الشباب الديمقراطي” الذي يطالب بمحاكمة الرئيس وشركائه، والأحزاب السياسية القائمة (وغير الفاعلة في معظمها) والمستعدة لمنحه وعائلته الحصانة مقابل تسليم السلطة، وعدداً متزايداً من المنشقين عن الأجهزة الأمنية، وأبناء الشيخ عبدالله الأحمر، زعيم وشيخ قبيلة حاشد الأسطوري، وقد توفي في ديسمبر 2007.
كان الشيخ عبدالله، في حياته، نافذاً جداً لدرجة أنه منع صالح من التفوق عليه أو إضعافه أو معارضته، لكن منذ وفاته، تفوق صالح وأعضاء عشيرته تدريجاً على أبناء الشيخ عبدالله وأضعفوهم ووقفوا في وجههم، علماً أن هؤلاء الأبناء ردوا عليهم عبر الاصطفاف مع خصوم صالح.
لكن حتى مع اختفاء صالح من الساحة السياسية وتنامي قوة المعارضة، يعمد ابنه أحمد وثلاثة من أنسبائه (طارق ويحيى وعمار) الذين أداروا معاً أقوى الأجهزة الأمنية (بمساعدة الجيش الأميركي في معظم الوقت) إلى الدفاع عن نظام صالح حتى الآن. وينشط هؤلاء وجميع المحيطين بهم في قمع المعارضة لا سيما أن سقوط صالح سيؤدي إلى نهاية مفاجئة لنفوذهم وثرائهم وطموحاتهم بوراثة النظام، كما أن تغير الوضع قد يمس أيضاً حريتهم الشخصية ويهدد حياتهم.
وسط هذه المعمعة السائدة، يبرز أيضاً دور “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” وغيرها من الجماعات الإسلامية المتطرفة، إذ نشرت وسائل الإعلام أنباء مفادها أن عدداً من هذه الجماعات استفادت من الاضطرابات السياسية الحاصلة في اليمن من أجل الاستيلاء على بلدات متنوعة في الجزء الجنوبي من البلد، لكن يظن عدد من اليمنيين أن نظام صالح يسمح بحصول هذه الأعمال في محاولةٍ يائسة منه لكسب تأييد القوى الخارجية عبر إقناعها بأن سقوط صالح سيؤدي حتماً إلى عودة “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية إلى الواجهة.
صحيح أن عدداً كبيراً من الأطراف يتقبل منطق التفكير هذا، لكنه منطق ضبابي في جوهره، فإن تمسك نظام صالح بالسلطة على الرغم من توسع نطاق المعارضة هو الذي يولد الاضطرابات التي تمنح الإسلاميين المتطرفين حرية أكبر للمناورة، فإذا انتهى الصراع على مستقبل النظام بسقوط صالح واستبداله بحكومة مقبولة شعبياً، فستصبح القيادة اليمنية الجديدة في موقع أقوى بكثير للتعامل بفاعلية مع “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” وأمثالها.
لكن من سيكون الزعيم اليمني الجديد؟ كما هي الحال في دول عربية أخرى، يبدو أن “الشباب الديمقراطي” في اليمن يفتقر إلى قيادة حقيقية، إذ تؤيد أحزاب المعارضة القائمة المبادئ الإيديولوجية القديمة التي طبعت العالم العربي مثل حركات عبدالناصر والبعث والاشتراكية. تنطبق على هذا الوضع العبارة التي قيلت عن عائلة بوربون الحاكمة التي عادت إلى حكم فرنسا بعد سقوط نابليون: هم لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً!
في ظل غياب أي شخصية وطنية نافذة أخرى، قد يكون أحد الإخوان الأحمر الكبار (إما صادق وإما حامد) من بين أبرز المرشحين الذين سيتمتعون بقبول من الشعب اليمني والشركاء الدوليين لليمن.
على عكس صالح الذي كان يُقدِم على تصرفات غير متوقعة، لطالما حافظت عائلة الأحمر على روابط قوية مع المملكة العربية السعودية والغرب منذ عقود، ولن يتغير هذا الوضع على الأرجح بعد وصولها إلى السلطة. صحيح أن عائلة الأحمر تتمتع حتماً بشعبية أوسع محلياً من عائلة صالح، لكن يخشى بعض اليمنيين أن تكون الحياة في عهد آل الأحمر مختلفة بعض الشيء عن الحياة السائدة في عهد النظام الراهن. يعتبر البعض أن الخلاف بين آل صالح وآل الأحمر لا يتعلق بطبيعة النظام، بل بتحديد العائلة التي يجب أن تتمتع بالنفوذ الأكبر، وتشكل هذه المخاوف، فضلاً عن تحركات ابن صالح وأنسبائه، عائقاً أمام تنحي صالح نهائياً من السلطة.
لكن عائلة الأحمر ليست مضطرة إلى التصرف بحسب نمط سلوك صالح خلال فترة حكمه التي تجاوزت الثلاثة عقود، فإذا أعلنت أنها ستعمل على تحويل اليمن إلى نظام ديمقراطي، ثم نجح أحد أفرادها في الفوز بالانتخابات الرئاسية (يصعب التفكير بشخصية أخرى مرشحة للفوز)، عندها سيحرص الرئيس الجديد على تنفيذ وعده تجنباً لمواجهة مصير سلفه، ويجب أن تعمل الولايات المتحدة والغرب عموماً في هذا الاتجاه أيضاً. صحيح أن المملكة العربية السعودية ليست معتادة على ترويج الديمقراطية في الدول المجاورة لها، إلا أنها لن تعارض هذا السيناريو إذا كان يقدم أفضل فرصة لترسيخ الاستقرار وإضعاف المجاهدين في اليمن، وهما هدفان مشتركان بين المملكة والغرب.
لكن لا وجود لأي ضمانة على أن انتخاب أحد أفراد عائلة الأحمر سيؤدي إلى إرساء السلام والاستقرار في اليمن، ولم يتأكد بعد ترشح أحد أفراد آل الأحمر ولا فوزه في الانتخابات الرئاسية، لكن إذا لم يصبح أحدهم رئيساً للبلاد، فلا شك أن الرئيس المرتقب سيكون مدعوماً منهم ومن اتحاد القبائل النافذة، ومن غير المؤكد بعد أن يؤدي سقوط صالح إلى انتشار الفوضى الحتمية بحسب قول نظام صالح أو بحسب قناعات جهات كثيرة خارج اليمن.
قد يبقى اليمن قابعا في الصراعات والفقر بغض النظر عن هوية رئيسه المقبل، لكن هذا المصير سيكون حتمياً بلا شك في حال استمرت محاولات عائلة صالح للتمسك بالسلطة.


الجريدة – كتب: Mark N. Katz -The National Interest

زر الذهاب إلى الأعلى