تحقيق: تعز .. من عاصمة للثقافة في اليمن الى ساحة حرب
منذ اشهر عدة تشهد مدينة تعز المعروفة بـ”عاصمة الثقافة في اليمن”، معارك مفتوحة بين مسلحين قبليين وقوات الجيش، اوقعت عشرات القتلى والجرحى، رغم مساع لاحتواء الوضع في المدينة حتى لا يتصاعد الى ما هو اخطر.
وفي ظل اكتظاظ المدينة الثقافية في الوقت الحالي بثكنات عسكرية وآلاف المسلحين القبليين، وهو ما لم تألفه من قبل، تحرك بعض عقلائها في سبيل انهاء هذا الوضع بعقد اتفاق بين قيادة احزاب اللقاء المشترك المعارض والسلطة المحلية في تعز.
ويقضي الاتفاق الذي توصلت اليه لجنة وساطة يقودها وزير الدولة اليمني عبدالقادر هلال بين الجانبين بسحب كافة المسلحين القبليين وقوات الحرس الجمهوري من تعز، حسب مصدر في اللجنة.
وقال المصدر لوكالة انباء (شينخوا) امس الثلاثاء /26 يوليو الحالي/، إن الاتفاق يقضي كذلك بتسليم كافة المنشآت الحكومية الى طلاب الكلية البحرية في مدينة الحديدة لحماية تلك المنشآت على ان تنتشر قوات رمزية فقط لقوات الامن المركزي امام المرافق الحيوية والنقاط الامنية على مداخل تعز.
الا ان الاتفاق الذي كان من المتوقع تنفيذه امس “انهار” بسبب “شروط جديدة” لاحزاب اللقاء المشترك في اللحظات الاخيرة.
وقال مسؤول محلي لوكالة انباء (شينخوا)، إن تعنت احزاب اللقاء المشترك هو من عرقل تنفيذ الاتفاق.
واوضح ان اللقاء المشترك اشترطت “إقالة مدير امن تعز العميد عبدالله قيران وقائد الحرس الجمهوري بها مراد العوبلي”.
فيما شدد مصدر محلي معارض على “ان هناك تنصلا من قبل السلطة المحلية بشأن عدد من بنود الاتفاق” قال إنها تضمن استتباب الأمن وعدم عودة قوات الحرس الجمهوري الى تعز وعدم استخدام العنف ضد المحتجين سلميا والمطالبين بإسقاط النظام.
ومع انهيار الاتفاق يبقى الوضع كما هو عليه في تعز.
حيث ينتشر عشرات المسلحين القبليين في المدينة، فيما تتمركز قوات الحرس الجمهوري في ثكناتها داخل وعلى اطراف المدينة، حسب سكان محليين.
وقال هؤلاء “لم يطرأ اي تغيير والتوترات لاتزال قائمة”.
ولم يكن هذا الاتفاق هو الاول بين السلطة المحلية وأحزاب “اللقاء المشترك” في تعز، فسبق ان انهار اتفاق مماثل بسبب تجدد المواجهات قبل أسابيع.
ومع الاحداث الاخيرة تعيش تعز في الوقت الحالي حالة من الخوف والقلق وانتشار لكل ملامح الرعب.
وينظر للتحول القائم بمدينة تعز الثقافية على انه يأتي في اطار نهج النظام في تحويل مسار المدينة المعروف بالسلم لتلعب ادوارا غير لائقة بها.
ويقول فيصل سعيد فارع مدير عام مؤسسة (السعيد) للعلوم والثقافة، وهي مؤسسة مستقلة ذات حضور ثقافي باليمن لـ (شينخوا) إن “مدينة تعز بحسب تاريخ اليمن تعد الملتقي الثقافي والحضاري الاول بامتياز”.
وتابع فارع انه “اريد لها (تعز) بسبب التحول القائم في البلد هذا التحول الذي تشهده المدينة اليوم”.
واوضح ان “النهج الذي ساد في البلد مؤخرا هو الذي قاد الى مظاهر التراجع في التطور، واريد بذلك لمدينة تعز ان تلعب دورا معاكسا للدور الذي لعبته خلال الفترة الماضية من تاريخ اليمن المعاصر”.
حيث تعد تعز الواقعة على بعد (256 كلم جنوب صنعاء) من المدن اليمنية الاكثر إنتاجا ثقافيا وفكريا، ويمسك المئات من ابنائها بمقاليد العمل السياسي والثقافي الريادي في اليمن.
كما تشتهر المدينة التي يمثل سكانها ما نسبته 12.5 بالمئة من عدد السكان في اليمن، حسب اخر إحصائيات رسمية، بأنها مدينة السلام والعلم والتسامح.
وسجل بها تأسيس أول مدرسة وهي مدرسة “التربة” ايام الحكم الامامي.
سياحيا.. تشتهر تعز بالأودية الواسعة والخضراء “كأودية الحجرية”، كما تعد ضمن اكثر المناطق في اليمن جذبا في السياحة الدينية، حيث تنتشر الجوامع القديمة كـ”مسجد أهل الكهف في جبل صبر ، وجامع معاذ بن جبل في الجند، جامع المظفر في تعز المدينة”.
وخرج من تعز فنان اليمن الأول أيوب طارش، وهو صاحب أهم الأغاني الوطنية بما في ذلك النشيد الوطني الذي كتب كلماته الشاعر اليمني الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان الملقب بــ”الفضول”، والذي ينتمي كذلك لتعز، الى جانب عدد من القامات الفنية والمسرحية والابداعية.
كما تعود اصول قائد التنوير الأول في اليمن والصانع الأول لقضية الأحرار اليمنيين وأول رواد التنوير اليمني وأبرز أعلام التحرر العربي الأستاذ أحمد محمد نعمان الى محافظة تعز ، وكان رئيس أول حكومة بعد قيام الثورة اليمنية في سبتمبر عام 1962.
كذلك تعود اصول اكثر رجال المال والأعمال والبيوت التجارية في اليمن الى تعز كـ “مجموعة هائل سعيد انعم وشركائه” وهي المجموعة التجارية الاولى في اليمن.
ومنذ بدء الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح بداية فبراير الماضي، خرج مئات الآلاف من أبناء المدينة للاحتجاج بلوحة جميلة ورائعة للتعبير عن غضبهم بصورة تعبر عن تاريخ وعراقة المدينة ثقافيا وحضاريا.
لكن مواجهة الامن اليمني للتظاهرات في تعز اجبر قبائل المناطق الريفية للدخول في مواجهات مع قوات الامن بغرض إيقاف العنف ونزيف الدم، خاصة بعد حادث إحراق مخيم اعتصام قتل فيه اكثر من 60 محتجا، الامر الذي لم ينته بعد.