أرشيف

الأمريكي برنارد هيكل:اليمن علبة كبريت يمكن أن تصبح جحيماً

تبدو اليمن في الوقت الراهن مثل علبة كبريت من الممكن أن تصبح جحيماً من العنف، تقود إلى حرب أهلية وربما إلى تقسيم البلد أيضاً.

 

 

ذلك ما قاله الخبير الأمريكي برنارد هيكل أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون المتخصص بدراسة السياسة والتاريخ والحركات الإسلامية في آخر تعليقاته حول الوضع اليمني.. حيث أكد على ضرورة إخراج الأنداد الثلاثة المتنافسين على السلطة وهم الرئيس السابق علي صالح ونجله وأنجال شقيقه، وأنجال الشيخ عبدالله الأحمر، وقائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن الأحمر.

 

 

وانتقد الخبير سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن.. مشيراً إلى أنها تزيد الأمور سوءاً بسبب تركيزها الحصري على القاعدة وإغفالها للتحديات الأخرى الخطيرة التي تهدد بتحول اليمن إلى دولة فاشلة تماماً.

 

 

يمن ما بعد صالح

 

ارتفعت آمال التغيير في اليمن بعد استقالة علي عبدالله صالح من منصب الرئاسة. وبالنظر إلى أن بنية السلطة لم تتبدل بشكل جذري، فإنه ما يزال من غير الواضح ما إذا كان سيجري تحقيق تلك الآمال.

 

 

وافق الرئيس علي عبدالله صالح على التخلي عن منصبه في نوفمبر 2011، ليستقيل بشكل رسمي في شهر فبراير 2011  لصالح نائبه عبده ربه منصور، الذي هو الآن في منصب الرئيس.

 

 

ومع ذلك، بقي صالح قوة رئيسة في المناورات السياسية اليمنية:  فهو رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، واحتفظ أفراد عائلته بمناصب فاعلة في أجهزة الجيش والمخابرات؛ والشواهد على ذلك ابنه، أحمد، الذي يرأس الحرس الجمهوري، وابن شقيقه يحي، الذي يقود جهاز الأمن المركزي.

 

 

وحتى الآن، تُظهر كل المؤشرات معارضة صالح لوقف نفوذه، طالما ظل منافسوه حاضرين في المشهد ويحتفظون بموقع يمكنهم من السيطرة على اليمن.

 

 

ولعل زمرة من هؤلاء المنافسين هم أبناء عبدالله الأحمر، العائلة المشيخية لقبيلة حاشد، والذين يقفون منقسمين على بعضهم البعض بشكل ميئوس منه وغير قادرين على استجماع القوى حول قائد واحد.

 

 

وهنالك ند آخر وهو اللواء علي محسن، أحد أقارب صالح وحليف سابق له، ويقود الفرقة الأولى مدرع في الجيش اليمني.

 

 

وبالنظر إلى هؤلاء الأنداد الثلاثة، يتضح أن كل واحد منهم يعتبر نفسه بأنه صاحب الحق في حكم اليمن، ولن يكفوا عن التنافس على السلطة ما لم يجر إخراجهم كافة من السياسة في وقت واحد، حيث يمثل حضورهم المستمر تهديداً لظهور نظام سياسي مستقر في البلد.

 

 

ثمة سؤال محوري ملح يفرض نفسه على صانعي السياسات في دول الخليج إضافة إلى الغربيين وهو:

 

 

هل يمكن لليمن أن يسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية مع حضور ونفوذ هذه القوى المتنافسة، أم هل يعتبر رحيلهم ضرورياً لإيجاد استقرار طويل المدى في اليمن؟

 

 

تبدو اليمن في الوقت الراهن مثل علبة كبريت من الممكن أن تصبح جحيماً من العنف، تقود إلى حرب أهلية وربما إلى تقسيم البلد أيضاً.

 

 

 إن حكم الرئيس علي عبدالله صالح للبلد منذ 1978 قد جردها من كل المؤسسات: حيث حكم بطريقة مشخصنة بشكل كبير، وحافظ بشكل متعمد على أن تبقى الحكومة فوضوية، وربط كل اللاعبين بشكل مباشر بالرئيس. فالمؤسسات لم تكن مهمة لديه، بل ما كان مهماً هو ما إذا كان الواحد يعمل لمصلحة الرئيس، ومستفيداً من نظام المحاباة والمحسوبية لخاصته.

 

 

فعلى سبيل المثال، قام الرئيس صالح بعد الوحدة في عام 1990 بإعادة قبيلة المناطق التي كانت خاضعة لليمن الجنوبي سابقاً (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).

 

 

وكان الهدف من ذلك تفكيك وتعرية مؤسسات لهذه الدولة، وإيجاد روابط مشخصنة مع قادة قبليين جدد، والذين تورط عدد منهم بممارسات نهب عن طريق مصادرة أراض وموارد طبيعية أخرى في الجنوب. هذا هو سبب وحيد لما يشعر به الجنوبيون من أن حكم صالح مثَل احتلالاً لنصيبهم من البلد، وذات السبب أيضاً وراء سعي البعض إلى الانفصال.

  

 

وسيبقى حلم الانفصال حياً في الجنوب طالما بقي صالح (أو أفراد عشيرته) في السلطة.

 

وهذا هو عاطفة ردة الفعل الجنوبية- لكونها فُقدت وسيء حكمها- التي سمحت للقاعدة والجماعات المشابهة لها مثل أنصار الشريعة، لأن تجد ملجأ ودعماً في هذه المناطق.

 

 

جاءت استقالة صالح على شكل اتفاق لنقل السلطة توسطت به دول مجلس التعاون الخليجي، وسمح هذا الاتفاق لصالح أن يستقيل مقابل حصانة من الملاحقة، ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق لم يعالج الكثير من القضايا الحرجة، مثل استمرار الدور السياسي لـ “صالح” وأنداده المتخندقين والمسلحين بالسلاح الثقيل.

 

 

بقى الجيش منقسماً، وبقيت مناطق كبيرة من البلد تحت سيطرة قوى لا تدين بالفضل للحكومة المركزية.

 

 

بقي الجيش منقسماً، وبقيت مناطق كبيرة من البلد تحت سيطرة قوى لا تدين بالفضل (مناوئة) للحكومة المركزية، مثل المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون الزيديون وأجزاء من الجنوب تحت جماعات مرتبطة بالقاعدة.

 

 

وبإيجاز، فقد أوجدت المبادرة الخليجية تقريبا بعض التغييرات السياسية على هيئة حكومة جديدة ورئيس جديد، لكنها لم تقدم مخططًا تمهيدياً أو برنامجاً للإصلاحات الهيكلية المطلوبة التي سوف تضع اليمن على طريق نحو الاستقرار والنظام.

 

 

وزيادة على ذلك، فإن تزويد اليمن بمزيد من المساعدات الاقتصادية التي تحتاجها لن يحل المشاكل التنموية العويصة للبلد- مع أن مثل هذه المساعدات ربما تكون ضرورية.

 

 ذلك أن البلد يتصارع مع مشاكل معممة كسوء التغذية والزيادة السكانية، وسقوط كل الخدمات الاجتماعية، ونقص حاد في الموارد المائية، وفساد صاعق، وعجز الحكومة

.

وما يزيد الأمور سوءاً هو واقع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية نحو اليمن والتي تركز بشكل حصري على القاعدة والتهديد الأمني الذي تفرضه.

 

 

 وبمصطلحات عملية، فإن هذا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى اليمن من خلال منظار عسكري يصل مداه إلى مجموعة مؤتلفة من وحدات تدريب خاصة للجيش اليمني واستخدام طائرات بدون طيار والقوة الجوية في القتال الدائر ضد تنظيم القاعدة.

 

 

وحتى الآن، فقد منحت هذه السياسة تلك الوحدات سلطة تحت قيادة عائلة صالح، ليتحول كثير من اليمنيين ضد الولايات المتحدة لتقديمها الدعم الفعال لسلالة صالح الحاكمة، فضلا عن تجاهل المشاكل الحقيقية لسوء الحكم والتخلف.

 

 

وبالنظر إلى قائمة المشاكل المذكورة أعلاه، أين تكمن الحلول؟ ليس هناك من جواب بسيط لمشاكل اليمن، فالملعب السياسي مجزأ للغاية والبلاد قد تحظى بالقليل إن وُجدت هناك أي مؤسسات تؤدي وظائفها.

 

 

وإذا كان هناك من حل أوحد يمكن إيجاده، فيجب أن يأتي من اليمنيين أنفسهم، ويجب أن ينطوي على خلق نظام حكم يوحد مختلف الجهات الفاعلة حول مجموعة من الأهداف المشتركة بدلا من الصراع على سلطة في محصلتها صفر وهي التي تتشارك فيها في الوقت الحاضر.

 

 

تحتفظ الجهات الإقليمية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بدور رئيسي أيضا لأن تعمل على مساعدة اليمنيين من أجل البدء برحلتهم الطويلة نحو الاستقرار. والمملكة هي الدولة الوحيدة التي تمتلك معرفة تاريخية حميمة، واتصالات طويلة الأمد، وموارد مالية وسياسية للمساعدة في الشروع بالإصلاحات الضرورية.

 

 

ويجب أن يشمل هذا إيجاد وسيلة لـ “صالح”، و مشايخ الأحمر، وعلي محسن لأن ينقلوا السلطة إلى غيرهم من اللاعبين الذين لديهم سجل وسمعة أنظف. فصعود الرئيس هادي إلى سدة الرئاسة هي بداية جيدة، وحان الوقت لمساعدته على بناء قاعدة من الدعم المستقل عن صالح.

 

 

ستصبح البلد دولة فاشلة وسيكون للحرب الأهلية والانفصال إمكانية قوية في حال فشل تحقيق إصلاح النظام السياسي اليمني.

زر الذهاب إلى الأعلى