ارشيف الذاكرة .. الرقم (573)
يمنات
أحمد سيف حاشد
في نهاية عام 1981 تم قبولي في الدفعة العاشرة بالكلية العسكرية، و كان رقمي العسكري (573/10)، و كان مثل هذا الرقم يشير إلى أن الملتحق بالدفعة العاشرة منتمي لحركة التحرر الوطني، فيما الطلاب الذين ينتمون لليمن الديمقراطية كانوا بأرقام عسكرية داخله في قوم أرقام القوات المسلحة لليمن الديمقراطية، و هي أرقام مختلفة عن أرقامنا، و جلها أرقام تدخل في عدد الواحد و السبعين ألف.
كان البركاني و المساعد “المقط” يدهشونني بحفظ أرقام طلاب الدفعة، و كان في طليعة من يحفظونهم هم المخالفين، فإن ارتكبتَ مخالفة أو حتى تأخرت ثواني عن الطابور و وقعت عليك عقوبة، تكون قد دخلت في رأس البركاني و “المقط” .. الحقيقة لا أعرف ماذا يعني اسم المقط..! و لكن ربما كان له من اسمه نصيب .. كان الطلبة في الدفعة يعرفون بعضهم بأرقامهم ربما أكثر من أسمائهم .. و كان اختلاف الأرقام، لا يمس بحال الحقوق و الواجبات، أو أي شكل من أشكال التمييز من أي نوع كان بين طلاب الدفعة في الكلية..
اعتبرت هذا الرقم (573) رقم فال حسن، و خصوصا أنه أرتبط عند تخرجي من الكلية بإحراز المرتبة الأولى في الدفعة، و هو رقم معناه بالنسبة لي أنه لا يُنسى، رغم أنني كثير النسيان للأرقام، و قليل الحفظ لها، و لا اهتم بها كثيرا .. لقد نسيت مرارا تاريخ ميلادي، و لم اهتدِ إلى صحيحه، و لم أتم توثيقه على نحو صحيح إلا قبل سنوات قليلة، و أدّى هذا الاضطراب و التضارب إلى فشلي في استعادة كثير من حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” التي تم اغلاقها بسبب البلاغات الكاذبة من الجيوش الإلكترونية، و كنت كل مرة أفقد الآلاف و عشرات الآلاف من المتابعين..
لقد كنت أظن أن رقم (573) هو رقم فال حسن .. و زائد على هذا كنت استحضره في إنشاء كلمات السر الخاص بي، حتى على مستوى كلمة سر التلفون .. ربما أيضا في اختيار أرقام الحظ على أمل أن يأتي من الحظ أحسنه، و أكثر من ذلك إنني حشرته حتى في توقيع التوفير البريدي قبل الوحدة، بل و إلى اليوم محشورا في زاوية من توقيعي البنكي، فيما يخص ايداع و سحب النقود..
لقد تعاطيت مع هذا الرقم باهتمام، و كأنه شيفرة دافينشي، أو رقم وهبني إياه قدر ما، أو رقم اختاره لي “علم” الرمل أو الفلك، و رغم ذلك لم يجلب لي أي تفوقا في المال، حيث وجدت نفسي و على نحو مستمر فاشلا جدا في مراكمة المال، بل و مديونا جدا جدا..
عندما كانت لدي صحيفة “المستقلة” الورقية كان حسابي البنكي نشط في السحب و الإيداع و على نحو شبه يومي، و لكنه لم يعرف تراكم يصنفني بأي حال من الأحوال برجل مال و اعمال .. لم يتضخم رصيدي يوما حتى إلى الحد الأدنى في تأمين بعض مستقبلي من الفقر، بل تعايشت مع الفقر أكثر ما تعايشت مع الحال المقبول لعيش كريم، أما اليوم و لسنوات خلت فأنا مثقل بالديون..
في عهد حكومة “الوفاق” و التي كان للإصلاح النفوذ الأكبر فيها، أثير اللغط و انتشرت الاشاعات الكاذبة عن ممتلكاتي و حساباتي البنكية في إبريل 2012 و عندما تم استضافتي في منتدى الفقيد عمر الجاوي في 18 إبريل و حضره عشرات المثقفين و الصحفيين و الحقوقيين، فاجأتُ الجميع بكشف ذمتي المالية، مدعومة بالكشوفات البنكية و الوثائق، و أكثر من هذا نشرت ذمتي المالية للرأي العام في صحيفة “يمنات” الورقية بعد أسبوع، في الصفحة الأولى و بالبنط العريض بعنوان: “قدم براءة بالذمة المالية و كشف عن ممتلكاته و ارصدته و تحدى الاحزاب و المسئولين ان يحذوا حذوه”، و لكن لم يجرَ أي منهم على فعل ما فعلته، و كنت أقصد على وجه التحديد حزب الإصلاح التي روجت بعض صحفه لتلك المزاعم العارية من الصحة، و كذا أحد الناشطين الحقوقيين المشبوهين الذي يلعب بالبيضة و الحجر، و صار في حكومة هادي وزيرا “حقوقيا” ثم صار سفيرا..
و في عهد الحوثيين و عندما كنت أجوع و أتقشف أنا و أسرتي و العاملين معي، و ألاعن الاحتلال و العدوان و الحرب، كانت مخابراتهم و دوائرهم الأمنية و بسرية تامة تبحث عن حساباتي و أرصدتي في البنوك .. شعرت حينها منهم بالخساسة و الغيلة و الوضاعة و مقدار سوء الظن رغم وضوحي معهم و صدقي و عفة يدي..
بيد أن الأهم لم يجدوا إلا ما هو صادم لما كانوا يظنون و يتوقعون .. كانت خيبة كبيرة، و كانت الحسرة وحدها هي الأرقام التي وجدوها .. و لم يحصدوا مما فعلوا إلا الخسران، و لعنة ستظل تلاحقهم حتى يسقطون و يتلاشون، و قد سقطت سمعتهم، و ستسقط سلطتهم في مدى لن يطول، و ما كانوا ليستمروا إلى اليوم لولا رداءة و قبح أطراف الحرب و الصراع الأخرى..
عندما ألتقيت بمهدي المشاط عقب توليته رئاسة المجلس السياسي، و محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية، عاتبتهم بمرارة أن يبلغ الأمر بأجهزتهم الأمنية هذا الحد من الحقارة و سوء الظن، لم يردا و كنت حريصا أن ابلغهم أنني لا اطلق الكلام على عواهنه، و لا ألقيه عليهم جزافا، و لكنني أتحدث عن معلومة..
و رغم خيباتي السابقة و اللاحقة في هذا الرقم (573) و توقيعي المحشور به حشرا، و لاسيما فيما يخص تراكم المال، إلا أنني اعتز به لأنه بقدر ما كان عنونا للتفوق الدراسي في الكلية، كان أيضا و لازال إلى اليوم عنوانا لتفوق النزاهة، و هي أكثر ما أعتز بها أمام النهابين و اللصوص و الفاسدين الأولين و الحاليين الذين مارسوا كل هذا بفجاجة و طغيان..
***
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.