أنا بخير!
يمنات
ضياف البراق
قد أفقد كل شيء إلا ثقتي بي، أنا هو أملي الوحيد طول الحياة. هذا لا يعني أنني يائس من الناس أو أكرههم، لقد عانيتُ منهم بما فيه الكفاية، لا، لن أكون أنانيًا كغيري. مع الوقت صار الفقدان لا يحزنني أبدًا، ربما عليّ أن أتخلى عن كل شيء لأعيشَ ولو للحظة بسلام حقيقي. لم أخسر شيئًا حتى الآن سوى أنني لم أعد أتسع لنفسي، ثمة سبب وراء هذا، لاحقًا سأعرفه. لاحقًا سيعرفني كل شيء.
أنا اليوم بخير أكثر من أي وقت مضى، طبعًا لا أمزح. قبل هذا اليوم كنتُ أخاف كل شيء، حتى قلبي. غير أن قلبي بات هو الآخر يركلني في كل آن، كأنه أضاع شيئًا ما ورائي، لا بأس. لن أحاول هنا إخراج جميع آلامي المضغوطة المكبوتة بداخلي، أخشى أن يتحول كل ما حولي إلى فوضى، ولذا سأدعها تعيش في مكانها حتى تضجر مني وتغادرني من تلقاء نفسها. العيش حق طبيعي مكفول لكل الموجودات، حتى الألم من حقه أن يعيش فينا بحريّة تامة. أعرف أن كل إنسان طيب هو عبارة عن شريط طويل من الآلام والخيبات المختلفة الألوان. تظل الحياة حلوة رغم كل شيء. الحياة حلوة لأنها قصيرة جدًّا، لكننا لا نهتم بها مثلما نهتم بأعدائها، إننا نقضيها حتى الرمق الأخير في تلميع أحذية السفلة. أيها الأغبياء، استمروا في تلميع أحذية القتلة، وانسوا أن تعيشوا مرتاحين مثلهم. أنا أيضًا سأفعل ذلك من جهتي. لا شيء يسمع آهاتي سوى أُذْن فان جوخ المقطوعة. ويقول محمود درويش: “يموت من لا يستطيع الركض في الطرقات”. كمْ يحزنني أنني لحتى اليوم لم أتعلّم الركض الحقيقي، بل أيضًا لم أجد الطرقات بعد. أكثر ما أحب، المشي وحيدًا في الشوارع الطويلة، تحت المطر، أو بين السراب والألم، في الليل أو النهار، لا فرق. الركض يستهلكني سريعًا. منذُ صغري وأنا أحلم بمطرٍ يهطل فوقي بغزارة، ولا ينقطع عن ملامسة روحي إلى الأبد. دائمًا يقول لي المطر: لا تبحث عن الحقيقة وأنت تحتي. أنا حزين، أيها المطر الجميل، خذني فورًا إلى خالقي العظيم، واتركني أضحك بين يديه حتى أعود إلى وضعي الطبيعي. عانقني طويلًا، أيها الضائع بين أعماقي منذُ زمن طويل. بالمناسبة، المطر يهطل الآن في حارتنا المسكينة، بصنعاء، وقلبي يتأمّل قطراته، عن قرب، من وراء النافذة، باندهاشٍ كبير، ويذوب معها وفيها. المطر، تمامًا مثل الشِّعر الحقيقي، يجيب عن أسئلتي العميقة المُعقَّدة.
نَعم، توقّفتُ منذُ شهر عن الكتابة وألزمتُ نفسي بالقراءة فقط. لا بُدَّ من يومٍ جميل أكف فيه نهائيًا عن الكتابة والقراءة معًا، لكن هذا سيتم بالتدريج وطول الصبر. حاليًا، أعيش حياتي لحظة بلحظة، دون أي تفكير أو انتظار، يا سلام! يسعدني أنني لا أفعل شيئًا سوى الرقص الروحي على إيقاع صمتي العميق، أيْ بعيدًا عن جميع العيون اللئيمة. يرتاح الإنسان في حالة واحدة فقط؛ عندما يتوقف كليًّا عن التفكير. قال تشارلز بوكوفسكي، مَرّةً، في قصيدة رائعة: “راحة البال والقلب تأتي عندما نتقبل الأمر على ما هو عليه”. هذا الكلام العميق عالجَ كثيرًا من جراحاتي الخفية الغامضة. أنا يا صاحبي لا أحد يسأل عني إذا غبتُ، ولعل هذا من دواعي استقراري وسروري العبثي. كانت أمي هي التي تسأل عنّي، شكرًا لها ومليون صلاة. إنّ أفضل ما في حياتي، على الإطلاق، هو أنّ أغلب أصدقائي غير حقيقيين، ولكنهم ليسوا مزيّفين، تقريبًا هكذا يعتقدون. مشكلتي الحقيقية، الدائمة، أنني لا أجيد انتقاء الأصدقاء الجيّدين، ولا أستطيع تقدير أحجام الأشياء في الواقع، ولهذا السبب سيتلف عمري سريعًا، لا أشك في كلام أمي. ثم إنّ من عادتي أنني أحب بلا شروط، بلا أدنى حذر، ولا أندم إلّا بعد فوات الأوان. وأسوأ ما في شخصي، أنني لا أتحفظ بشيء من أسراري الخاصّة أمام الصيّادين الذين لا علاقة لهم بالبحر ولا التسامح. أقول، ثانيةً، إنني لن أفقد ثقتي بنفسي. بالنسبة لي، أن يفقد المرء الثقة بنفسه، فإنّ هذا يعني فقدان الأمل. الحرية هي الثقة بالنفس، وعدم تسوُّل الشفقة من الناس. كن حُرًّا، واجعل صدرك مفتوحًا على الدوام. وهنا قد أكون أعني: كن حذرًا حتى من نفسك. يخطر الآن ببالي مثل أجنبي عميق: “الخوف يجعل الحمار أسرع من الحصان”. يا لطيف كم أخاف على الحمار من سرعته! لا تسرع يا حبيبي، مهما كان الأمر أو الحال. عمومًا، أنا القروي البسيط، سأعبر العالم كله، لكني لن أتخلى عن عفويّتي النقيّة الغالية. أنا بخير على كل حال، وهذه فلسفتي في الحياة: كافح بشرف وسامح باستمرار، انزع لُغمًا وازرع وردة.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.