فضاء حر

ثورة تجرح جرحاها

يمنات

يواصل جرحى الثورة اليمنية اضرابهم عن الطعام و اعتصامهم أمام مجلس وزراء حكومة الوفاق منذ نحو أسبوع.

و تعرض خمسة منهم الجمعة لحالات إغماء وسط تضامن ناشطين حقوقيين مع قضيتهم، التي سبق و أن صدر بشأنها حكماً قضائياً  في نوفمبر الماضي يلزم الحكومة بسرعة توفير الرعاية الصحية للجرحى ومعالجتهم في الخارج بحسب طبيعة الإصابة لكل منهم حسب التقارير الطبية، إلا إن شيئاً من ذلك لم يتم رغم مرور ما يقارب الشهرين منذ صدور منطوق الحكم، في الوقت الذي أعلنت مصادر صحفية عن وفاة أحد الجرحى في تعز قبل يومين.

 

و إذ يواصل الجرحى اعتصامهم و إضرابهم، إلا إن استجابة الحكومة تبقى محدودة، رغم ثورية رئيسها و نصف حكومته على الأقل!

" بحسب التقارير الطبية التي بحوزتهم، مضى على بعض الجرحى المضربين قرابة عامين منذ تعرضهم للإصابات. وطوال هذه الفترة، لم يحصل بعضهم إلا على إسعافات وتدخلات جراحية أولية بينما أجريت عمليات جراحية لبعض آخر- معظمها على نفقات شخصية وتبرعات- إلا انه لم يكتب لها النجاح في أحايين أو لم يتمكنوا من استكمال المراحل العلاجية في أحايين أخرى، ما نتج عنه مضاعفات متعددة للعديد منهم. و تتعلق غالبية الحالات بجراحة العظام وتستدعي السفر إلى الخارج نظراً لضعف أهلية المستشفيات المحلية في استقبال هذه الحالات".

هكذا يقول تقرير صحفي منشور، موضحاً أن الحكومة التي تعهدت باستكمال إجراءات سفر الجرحى في أقرب وقت إلى كوبا و ألمانيا، إلا أن اللجنة الوزارية المختصة بمتابعة الأمر لم تنجز المطلوب منها حتى اليوم.

 

الجرحى و عشرات المتضامنين معهم أدوا صلاة الجمعة أمام مقر الحكومة، و يتداعى ناشطون لمسيرة تضامن معهم اليوم الأحد، فيما الحكومة و الأحزاب المشاركة فيها مشغولة بمناكفات سياسية لا تمت لروح الثورة الشعبية بصلة.

و يشتكي الجرحى من التمييز في معاملتهم من قبل الحكومة و مؤسسة وفاء المعنية برعاية الجرحى و أسر الشهداء، ما اضطر الكثير منهم إلى السفر للعلاج على نفقته الشخصية أو بتعاون جهات ليست الحكومة من بينها، الأمر الذي دفع البعض للمطالبة بالتحقيق مع من أطلق عليها " وكالات المتاجرة بالجرحى "، في إشارة إلى مؤسسة وفاء و غيرها.

مدينة تعز هي الأخرى تشهد اعتصاماً مماثلاً منذ نحو عشرين يوماً، و سط تجاهل السلطة المحلية و المحافظ المنتمي إلى حزب الرئيس السابق، ما جعل بعض الثوار يجدد المطالبة بإلغاء قانون الحصانة ، الذي لا يراعي حقوق الشهداء و الجرحى.

على أن قضية الجرحى كانت حاضرة من قبل على رأس أجندة حكومة الوفاق و أحزاب المشترك تحديداً، و قرأنا و سمعنا أخباراً كثيرة تفيد بتطوع السعودية وقطر وتركيا و إيران، لمعالجة جرحى الثورة اليمنية، إلا أن القضية ظلت تراوح مكانها، و غدا التعامل مع قضية كهذه بنوع من الإهمال و اللامبالاة  هو السائد، و ربما و صل الأمر إلى التشكيك في هذه الحالة أو تلك.

و سواء استجابت الحكومة لمطالب الجرحى أو ماطلت و تعللت، فإنها إلى الآن قد أضافت إلى جسد الثورة المثخن بالجراح، جراحاً جديدة لن تندمل بسهولة، و إن توافرت لها أفضل الإمكانيات في الداخل أو الخارج.

لقد خرج الشباب الثائر بحثا عن الكرامة التي افتقدوها في ظل النظام السابق، و لم يبخلوا بأرواحهم و دمائهم في سبيل الانتصار لوطن ما كانوا يظنون أن حكامه الذين وصلوا إلى السلطة اليوم بفضل الثورة الشبابية، يمكن أن يكونوا بهذا المستوى من الانحطاط.

و بحسبة بسيطة لو أن وزراء الحكومة تعففوا قليلاً من عمليات الفساد التي نشر القليل منها – و ما خفي كان أعظم – لكان بالإمكان معالجة مئات الجرحى دون حاجة لأي دعم خارجي، و لكن يبدو أن من يحتاج للعلاج هي الحكومة نفسها التي ثبت أنها غير مهيأة للتعامل مع المتغير الثوري الذي لا يقبل بأنصاف الحلول، حتى و إن ابتلعه البعض على مضض.

زر الذهاب إلى الأعلى