فضاء حر

الجماعة والعقلية العدمية

يمنات
أشك أن بوسع جماعة الإخوان المسلين التعلم من تجارب الغير أو حتى التعلم من أخطائها، وشكي هذا نابع من قراءة تجارب الواقع عينه، فبعد سقوط مبارك أتى رجب طيب أردغان إلى مصر وعرض على الجماعة التجربة التركية، فخرج عصام العريان وغيره بأصوات متشنجة مفادها أن الجماعة في مصر ستبني تجربتها الخاصة ولا حاجة لها بنصائح تأتي من خارج الحدود.
وأثناء الانتخابات الرئاسية لم يلاحظ الجماعة أن شعبيتهم قد انخفضت إلى النصف تقريباً فلم يفوزوا في الانتخابات الرئاسية بأصوات مؤيديهم وإنما بأصوات الناقمين على الجنرال أحمد شفيق.
وعندما حاول مرسي ضرب وتدجين الصحافة والقضاء وإحكام سيطرة الجماعة على كافة مؤسسات الدولة أرسل له رجب طيب أردغان تحذيراً قائلاً له بأنه يقضم أكثر من قدرته على البلع فلم يلتفت لهذا التحذير.
وعندما خرجت الجماهير في 30 يونيو المنصرم، لم يوافق على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكان بإمكانه أن يقول للشعب المصري استلمنا السلطة عندما كنتم في صفوفنا وأعدناها إليكم عندما رغبتم عنا، فينال بذلك احترام الشعب المصري والعالم أجمع، ولكنه لم يفعل.
وبعد الاطاحة بحكم الجماعة كان بإمكان قيادة الجماعة أن تفاوض على بقاء الجماعة والحزب وضمان دخول انتخابات حرة ونزيهة تفتح أمامها إمكانية المشاركة مستقبلاً، ولكنهم تمسكوا بالعودات الثلاث عودة الرئيس وعودة مجلس الشورى وعودة العمل بالدستور في الوقت الذي لا يملكون فيه الأدوات المناسبة لتحويل هذه المطالب إلى منجزات.
وبعد فض الساحات يفترض في رجال الصف الثاني من قادة الجماعة ومجلس شورى الجماعة والجمعية العمومية للحزب أن تقدم، ولو متأخرة، على إقالة قيادة الجماعة وتحميلها مسؤولية ما حدث ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالنتيجة المتوقعة هي حل الجماعة وحل الحزب ومنع قيام الأحزاب على أسس دينية، وهذا يعني اجتثاث لوجود الجماعة ولوجود بقية الأحزاب الدينية كالسلفيين وغيرهم ولكن شيئاً من هذا لم يحدث ولا أتوقع حدوثه.
السؤال هو ما وراء كل هذا السلوك المدمر للذات؟ الاجابة على حد علمي تكمن في ثقافة وأيدلوجية الجماعة المبنية على مبدأ الطاعة لولي الأمر، هذا الولي الذي أخذ يقودهم من مهلكة إلى أخرى دون أدنى محاسبة أو مسائلة من قبلهم.
المرشد محمد بديع ظهر عقب سقوط مرسي وألقى في أتباعه كلمة زرع وحفز فيهم روح المقاومة إلى النهاية ثم توارى عن الأنظار، أي دفع بهم إلى مهلكة ونجا بنفسه، وهو ما يذكرني بفعل الملا عمر في أفغانستان عام 2001م حيث حث أتباعه على الاستشهاد والقتال حتى النهاية ثم لاذ بالفرار.
العقل يقول أنه كان إمكان محمد بديع أن يقاوم مع جماعته إلى النهاية إن في المقاومة جدوى، أو أن يبحث لهم عن مخرج معقول يحقن فيه دماؤهم.
كما كان بإمكان الملا عمر أن يقاتل مع أتباعه إلى النهاية ويستشهد معهم إن كان يؤمن بالشهادة فعلاً أو يبحث لهم ولنفسه عن مخرج آمن.
هذه الكوارث هي المولود الطبيعي للفكر الديني الذي يقرأ في النصوص ويصم أذنيه عن معطيات الواقع.
لو أن رئيس وزراء بريطانيا ارتكب خطأ واحداً لانتصبت مئات القامات في حزبه كل منها تحاول القفز إلى مكانه في قيادة الحزب والدولة، هذا فكر صحي لأنه الهدف هو تعديل دفة القيادة نحو الأهداف البعيدة التي تحقق مصالح الأمة. وليس الارتهان لشخص تحت مفهوم الطاعة.
من لا يقوى على التعلم يجرفه التيار، والجماعة قد جرفها التيار إلى حيث لا رجعة. المشكلة أنهم لا يدركون جحم النكبة التي حلت بهم، ولا زالوا يمنون أنفسهم بنصر فات عصره وزمانه.
لا أخالهم يخرجون من هذا الوهم أبداً حتى بعد خروجهم من التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى