العرض في الرئيسةفضاء حر

القضية الجنوبية كمتراس للسياسي المتمصلح

يمنات

صلاح السقلدي

ثمة تناسب عكسي يربط بين المسؤولين الجنوبيين في السلطة اليمنية المعترف بها دولياً وبين موقفهم من القضية الجنوبية. فكلما شعر هؤلاء بارتعاش كراسي حكمهم وشعروا بشيء من الخطر يقترب من مصالحهم اقتربوا من القضية الجنوبية، من خلال استحضار جنوبيتهم بلهفة عارمة لمواجهة ذلك الطارئ؛ وكلما شعروا بأمان وطمأنينة لوضعهم بالسلطة تناسوا شيئاً اسمه قضية جنوبية، بل وشيئاً اسمه جنوب من أساسه، بل ويخجلون من هذا الاسم في كثير من المواقف، أي أن اقترابهم من القضية الجنوبية وابتعادهم عنها يحدده بعدهم وقربهم من السلطة. إذاً فنحن أمام صورة تضاد وتناقض صريحين تجاه الجنوب يتراوحان بين التلهف والتأفف بحسب الموقف.

فمن أول يوم أعلن فيه المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، عن فحوى مبادرته لحل الأزمة اليمنية والتي تنص في أحد بنودها على نقل الرئيس عبد ربه منصور هادي لصلاحياته لنائب رئيس جديد يتفق عليه الفرقاء، ظهر على وسائل الإعلام المختلفة سيل من التصريحات لعدد من الجنوبيين المنضوين تحت لواء سلطة الرئيس هادي. كل تلك التصريحات استدعت الشأن الجنوبي ومشاعره المؤثرة بشكل ينم عن أنانية شخصية مفرطة، وعن استخفاف بهكذا قضية مصيرية، جاعلة منها ورقة ضغط سياسية بوجه مشاريع الحلول الدولية التي تهددهم، ومتراس صد يحول دون فقدانهم لمناصبهم الرسمية ومكاسبهم المادية. فالجنوب وقضيته السياسية بالنسبة لهؤلاء ليس أكثر من خندق سياسي يتم التمترس فيه عند كل مواجهة تهدد مناصبهم ومكابسهم، سرعان ما يغادرونه بل ويهدمونه بمجرد انتهاء الخطر وخمود المواجهة.

شخصياً، لم أشعر بشيء من الغرابة من تصريحات هؤلاء كأمثال مستشار الرئيس هادي، ياسين مكاوي، والوزير هاني بن بريك، اللذين تذكرا فجأة بعد انقطاع طويل أن ثمة جنوباً له قضية عادلة، وأن التحرير هو الحل، وأن ولد الشيخ قد أهمله بمبادرته حسب قولهم. بل ذهب البعض الى ترويج سخافات لا يصدقها أغبى الأغبياء بأن هادي الذي يصر على مشروع الستة أقاليم قد أصبح منذ سمع بمبادرة ولد الشيخ جنوبياً استقلالياً “عيار 24 قيراط”، بل ومن الفصيل المتشدد في الجنوب والمطالب بالاستقلال الفوري!

لا أعلم لماذا هؤلاء القوم عند كل ضائقة بهم يتقولون على الرجل (هادي) بما لم يقله في أي مناسبة. فموقف الرجل بالنسبة للجنوب وللوحدة اليمنية واضح وضوح الشمس رابعة النهار، فهو يقولها بالفم الملآن: أنا وحدوي حتى الممات، والحل الذي أمتلكه لليمن هو مشروع دولة يمنية موحدة من ستة أقاليم.

و هذا الموقف لهادي وبصرف النظر عن اختلافنا معه إلا أنه موقف جدير بالاحترام لوضوحه وشفافيته، بعكس مواقف البعض من أصحاب الشرائح السياسية المتعددة الاستخدام.

تصريحات هؤلاء تثير الشفقة والسخرية في آن واحد، ومبعث هذه السخرية من أصحاب هذه التصريحات هو اعتقادهم أن الناس في الداخل والخارج من السذاجة والبله إلى درجة أن يصدقوا تصريحاتهم.

الكل يعرف بمن فيهم هؤلاء المتمصلحون أن غضبهم على ولد الشيخ لم يكن إلا بسبب نقطة إزاحة هادي من الرئاسة الفعلية، وشعورهم باقتراب نهاية الحرب التي يقتاتون منها منذ شهور، وأن لا علاقة للجنوب بغضبهم هذا وحميتهم المفاجأة هذه.

فهذا ياسين مكاوي الذي عمل كل جهده لمسخ القضية الجنوبية منذ سنوات، وساهم بشكل معيب بتزوير الإرادة الشعبية الجنوبية في أكثر من مناسبة، ليس توقيعه على مشروع الستة أقاليم في صنعاء قبل عامين ونصف بعد انسلاخه عن مكون “مؤتمر شعب الجنوب” الذي ترأسه المناضل محمد علي أحمد، والذي تآمر عليه هادي ومكاوي، إلا نموذجاً صريحاً لمثل هذا الإقحام المريب لاسم الجنوب في موضوع الصراع على الحكم في صنعاء وإبعاد هادي عن السلطة، حيث يعني هذا الإبعاد بالضرورة إبعاداً لهم.

فلو كان ثمة ذرة صدقية لتصريحات هؤلاء الانتهازيين، لكنت شعرت ومعي الكثيرون من أبناء الجنوب بشيء من السعادة أن يكون للجنوب أصوات حريصة على قضيته ومستقبله، ولكن ليقيني ومن سابق تجارب كثيرة أن هذه الأصوات ليست لأكثر من سماسرة سياسة وتجار مواقف دأبت على جعل القضية الجنوبية أداة لاستحلاب الأموال الخليجية ووسيلة ضغط وابتزاز سياسي بوجه أي طرف يهدد مصالحهم، حتى وإن كان مجلس الأمن الدولي. وما هذا الموقف الأخير تجاه مبادرة ولد الشيخ إلا واحدة منها ولن يكون آخرها، إن ظل هؤلاء يراوحون مكانهم من أساليب الاستغلال والمتاجرة بالقضايا وبأوجاع المطحونين بإطالة أمد المعاناة والحروب والاقتتال.

أكره أخلاق المنشار الذي لا يحقق هدفه إلا وهو يقص الآخرين!

زر الذهاب إلى الأعلى