فضاء حر

أنا ابن هذا الفلاح البسيط

يمنات

شوقي نعمان

يكفيني شرفًا ووجعًا أنني ابن هذا الفلاح اليساري البسيط!!
الذي لايمتلك من هذا الوطن غير معول مقدس يعمل به طوال النهار !!
ويعود ليلاً يحدثنا عن التعب والمشقة وحرارة الشمس.
هذا أبي الذي كان فلاح في النهار واستاذ لابنائه في المساء، لم يكن برجوازيا أو سياسيا او تاجرا، ولم يكسبُ لنا شيء والحمدلله !!

لقد انجب ثلاثة عشر شخص من إناث وذكرور، وبذل قصاري جهده بالعمل في الجنوب ثم في الغربة، ثم حيث هو الآن يفني ماتبقى من شبابه ليوفر لقمة عيش حلال !!

لم يكن أبي فلاح اكثر مما كان استاذ، كان كثيرا ما يشدونا باهمية التعليم والمعرفة وكان يلقي علينا مصطلحات إنسانية ومعرفية ويعلمنا اياها اكثر مما كان يعلمنا الرياضيات والنحو.

أبي الذي لايحب الظلم ولا يرضى بالفساد لم يشارك في أي ثورة كما كان جدي لكنه لم يمنعنا يوما من المشاركة في اي حراك سلمي او مظاهرة أو حتى فوضى..

أبي وحده الذي تمرد على السياسة،وعادات القبيلة، تمرد على كل شيء ليعيش مثقفًا، يساريا، مستقلاً
بوافر الحب والوئام والانسجام مع اسرته بعيدا عن كل الاختلافات والصراعات التي كانت في القرية!!
لم يجرح احد، لم يسرق احد، ولم يختلف اختلاف دائم مع احد متسامحاً على الدوم، يقدم تنازلات كثيرة للحفاظ علينا !!

لم أعرف إنساني ووطني مثله وأقسم بشرفي على هذا.

أبي الذي لايعرف الترف لم يسمح لنا بالذهاب الى اي معركة أو لمساندة اي طرف، من أجل الحصول على المال بل كان يقول لنا تعلموا لتنجوا تعلموا ليحترمكم العالم….
سيفني المال وستبقى المعرفة وسبلها…

لاتخشوا الفقر والجوع يا ابنائي هذا كتفي فاستندوا عليه وهذا معولي انظورا اليه كلما راودكم الأسى..
نعم انه أبي الذي كان ولا يزال هو السند والكتف الذي يمنحنا الأمل لمواصلة المشوار رغم اليأس والعناء الذي يسكننا!!

اتبادل،كلمات الأمل والتشجيع مع بعض إخواني في الجامعة ،والمدرسة،نشجع بعض نفتخر ببعض،
ونحن نعلم حال بعضنا،جيدا نسخر من كل شيء ونبحث عن السعادة من مصادرها وبشتى الطرق…

نعلم كيف يضاجعنا البؤس وكيف يزني بنا الحزن، لكننا نتظاهر بالسعادة والراحة امام امي التي يبكيها كل شيء يحزننا.
نغترب داخل الوطن لسنوات نهرب من كل شيء ومن اللاشيء …

راودني شعور احيانا ان اخبر أبي انني فشلت كثيرًا ولازلت في حفرة الفشل ذاتها ابحث عن مخرج ما، لكني لا أود أن احزنك بفشلي كما احزنتك بخلافي وسياستي مع بعض المنافقين الذين لايبقوا للود مكان .

اخيرا وقبل كل شيء
أنا بخير يا أبي.
ابكي باستمرار
اجوع كل يوم
اضحك كل يوم
غريب على الكل
بعيدا عن الجميع
وحيدا مع نفسي
فاشل في دراستي
ناجح في كذبي واعذاري
عاصي في عبادتي
ملحد في افكاري.
علماني في توجهي
ابحث عن ذاتي وعن إلهي ووطني
ابحث عن كل شيء وعن الحقيقة أيضا
تعلمت كيف اعيش وحيدًا وكيف اتمرد أحيانا
وكيف اتقلم مع الأزمات وكيف اسخر من الحزن
وكيف احب رفاقي وكيف انتمى لهذه الأرض
تعلمت كل شيء ولم ينقصني شيء سوى البحث عن الموت الذي ننتظره كثيرا بين السطور

صورة للوالد عليه السلام التقطها من الجواز

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

المصدر: موقع البيان بوست

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى