معنى ما حدث في تونس
يمنات
د. فؤاد الصلاحي
مشكلة المجتمع العربي انه لم يدخل بعد مرحلة الحداثة السياسية وكل ماهنالك انه من خمسين سنة شهدنا تحديث مادي محدود ومعه قشور في الثقافة والعلم والمعرفة وادارة الدولة .. اما الحداثة السياسية التي تتجلى في بناء الدولة المؤسسية واطرها الدستورية والقانونية وثقافتها فلايزال هناك ممانعة من داخل المجتمع و من خلال كثير من النخب السياسية والحزبية ناهيك عن قطاعات وسعة سياسيا تربت لسنوات وفق رفض الديمقراطية باعتبارها غربية المنشأ وقرين العلمانية ..وبالتالي يجب تأسيس الدولة الحديثة كناظم رسمي ومؤسسي للمجتمع وتأطير علاقاته وتفاعلاته ومعها تكون الديمقراطية نظام ومنهاج و ثقافة في آن واحد …ولايمكن ربط الديمقراطية بطرف سياسي كما يرى بعض المناصرين لاحزاب الاسلام السياسي او الاحزاب المقابلة لهم .. فجميعهم لاتتشكل معهم اي خبرة او دلالة باقتناعهم بالديمقراطية سوى انها سلم صعود للسلطة ..ومن هنا على الجميع ان يتدرب على الديمقراطية ويتشرب ثقافتها وقيمها في اطار ثقافة سياسية تشرعن للدولة المدنية الحديثة ..
جميع الاحزاب العربية يسار وقوميين واسلام سياسي ومعهم العسكر ورموز القبيلة لم يتعلموا -ولم يتدربوا – على الممارسة الديمقراطية لانها كفكرة وثقافة وقيم غائبة عن النظام التعليمي داخل الجامعة وماقبلها .. ولذا لزم استيعاب مفرداتها وثقافتها والياتها القانونية في سياق بناء حداثة متكاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ..واذا كانت احزاب اليسار اقرب الى قبول الحداثة السياسية فخبراتهم العملية لاتؤيد انحيازهم للديمقراطية بكل مظاهرها وادواتها لان هذه الاحزاب في بنيتها التنظيمية لاتمارس الديمقراطية ..واذا كان نشطاء المجتمع المدني (جمعيات ونقابات …) هم الاقرب للديمقراطية فلاخبرة مباشرة لديهم لان ظهورهم الجديد في الساحة وتجاربهم المحدودة اظهرت انهم مثل الاحزاب والقوى التقليدية تتقبل الديمقراطية ببعض مظاهرها وتنكر البعض الاخر ..
الديمقراطية ليست وصفة سحرية ولا روشتة علاج بل عملية بناء للمؤسسات واحترام اطرها القانونية والتدريب وتعلم لثقافتها وادواتها .. وهذه الديمقراطية لاتكون حاضرة الا في اطار دولة حديثة وليست دولة الطوائف او المرجعيات النصية ..
الديمقراطية تؤسس لحاكمية الشعب صانع السلطات وللعمل بالدستور كمسطرة حقوقية تؤسس للمواطنة المتساوية ولهذا فالمجتمع العربي لايزال متعثرا بخطواته نحو النهج الديمقراطي ..وتونس مثل اي دولة عربية مظاهرها التحديثية والمؤسسية وفاعلية النخب والدولة محدود في سياقات تقليدية اكثر منها سياسقات حداثية ..نأمل ان تتسع مسارات الحداثة والممارسة الديمقراطية لان المستقبل كما الحاضر لايقبل -مجتمعات ودول وافرااد – خارج الممارسة الديمقراطية والحداثة السياسية ودونها دورات عنف وحروب اهلية ..والواقع العربي الراهن يؤيد مانذهب الية -يكفي ان ننظر الى سوريا وليبيا والعراق واليمن والصومال ولبنان ,..الخ الديمقراطية تعتبر الفريضة الغائبة في مجتمعنا العربي وهي ذلك الوعد المؤجل من نصف قرن ..ربما يتحقق في قادم الايام ..!
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.