الاستيلاء على السلطة بالقوة وانتهاك الحقوق
يمنات
فؤاد محمد
من المعلوم أن السلطة السياسية في أي دولة يجب أن تكون متجذرة في إرادة الشعب، قائمة على أساس العدالة والحرية. لكن هناك حالات مؤلمة في التاريخ البشري، حيث استولت سلطات على البلاد بالقوة والغلبة، غير مبالية بالقانون أو الدستور، ومستخدمة أدوات القمع والعنف في سبيل تعزيز سلطتها.
هذه السلطات عادة ما تكون فاسدة، وتفتقر إلى الشرعية الأخلاقية والقانونية، وتغطي ظلمها بتبريرات واهية، مستخدمة شعارات دينية أو قومية أو قضايا عادلة لخداع الناس وحشد التأييد.
تبدأ هذه الأنظمة غالبًا بانقلاب (عادة ما تسميه هذه الأنظمة بـ”ثورة”) ووعود كاذبة، تدّعي أنها جاءت لتصحيح أوضاع البلاد التي عانت من فساد أو فوضى. لكن ما أن تستقر في الحكم حتى يظهر الوجه الحقيقي البشع لهذه السلطات. فالدخول في حروب مستمرة هو دأبها، والتعذيب يصبح سمة أساسية في التعامل مع المعارضين، والمعتقلات تكتظ بالصحفيين والنشطاء السياسيين، بينما يزداد الفقر ويزداد التفاوت الطبقي بشكل غير مسبوق. وتُستخدم كل وسائل القمع، من الاعتقالات التعسفية إلى أساليب التعذيب الجسدي والنفسي، بهدف إسكات الأصوات المعارضة للحفاظ على “الاستقرار” المزعوم.
وتتمثل إحدى أبشع صور الظلم في استيلاء هذه العصابات على ممتلكات الشعب وثرواته. لا تكتفي هذه العصابات بممارسة القمع، بل تنهب موارد الدولة لخدمة مصالحها الشخصية أو لتدعيم قواعدها السياسية. الموظفون في القطاع العام، الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المجتمع، يعانون من عدم صرف رواتبهم أو من تخفيضها أو تقسيم الموظفين إلى فئات في استحقاقهم للمرتب الكامل أو نصفه وبأسلوب يتنافى مع الأخلاق ومع أبسط مبادئ حقوق الإنسان، في حين أن النخبة الحاكمة تنعم بثروات البلاد بلا حساب!. هذه السياسات الاقتصادية الفاسدة تؤدي إلى تدهور الوضع المعيشي لأبسط المواطنين، مما يخلق حالة من الغضب الشعبي تفضي إلى انفجار أو انتفاضة في أي لحظة.
هذه العصابات لا تكتفي بقمع الشعب، بل تسعى إلى تمرير أفكارها العنصرية والسلالية من خلال السيطرة على وسائل الإعلام والتعليم، وتزوير التاريخ لخدمة أغراضها الخاصة. وتستخدم الدين كغطاء لتحليل جرائمها، مدعيةً أنها تسعى لتحقيق إرادة الله، في حين أنها لا تسيء إلى الدين فقط بل تسيء إلى الشعب وتاريخه وثقافته وأخلاقه.
لقد أصبح من الواضح أن هذه الأنظمة (العصابات) لا تحترم لا الدستور ولا القوانين التي تضمن حقوق الأفراد. فالدستور يصبح مجرد ورقة تُستخدم لتبرير القرارات الفوقية التي تصدر من السلطة الحاكمة. وبالتوازي مع هذا، يتم تهميش القضاء وتعطيل دور المؤسسات الدستورية المستقلة، ويصبح القانون أداة في يد الحاكم لا أكثر، يتم تفصيله وتعديله وفقًا لأهواء السلطة. والشعب، الذي يجب أن يكون صاحب السيادة، لا يجد أمامه سوى خيارين: إما الاستسلام لواقع القمع، أو الاندفاع نحو الانتفاضة على هذه السلطات (العصابات) واجتثاثها.
أما أخطر ما في هذه الأنظمة الاستبدادية، فهو استغلال الدين أو القومية في تثبيت حكمها. ففي كثير من الأحيان، تجد هذه الأنظمة تستعين بالأيديولوجيات الدينية (المذهبية) أو القومية لتبرير تصرفاتها الفاسدة، حيث تحاول تزييف الحقائق وتوظيف الدين أو القومية كأداة شرعية للحكم. وبذلك تخلق حالة من الانقسام بين الشعب، حيث يتم تصوير أي معارضة على أنها ضد “الدين” أو “القومية”، مما يزيد من تعقيد الوضع.
وكل سلطة (عصابة) ظلم وقمع، مهما طالت مدتها، فإن نهايتها الحتمية لا مفر منها. التاريخ يقدم لنا العديد من الأمثلة على سقوط سلطات استبدادية طالما اعتقدت أنها ستظل قائمة للأبد. فالأنظمة التي استندت إلى القوة والعنف تجد نفسها في النهاية أمام لحظة انهيار، ويكفي أن يتنبه الشعب إلى القوة الكامنة في وحدته وحقوقه. فما أن يبدأ الشعب في إدراك حجم الظلم الذي تعرض له، حتى تصبح ساعة التحرر من هذا الاستبداد مسألة وقت لا أكثر.
أمثلة التاريخ لا تحصى في هذا السياق. فمن حكم الفراعنة الذين استغلوا قوتهم في بناء إمبراطورياتهم على حساب الشعب، إلى حكم كهنوت الأئمة في اليمن، إلى الانظمة الاستبدادية في العصر الحديث، مثل حكم الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين، مثلما كان في تشيلي تحت حكم “أوغوستو بينوشيه”، الذي وصل إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري، ثم مارس حكمًا قاسيًا استخدم فيه القمع والتعذيب للمعارضين. وأيضا حكم فرانكو في أسبانيا، حيث استولى على السلطة بالقوة العسكرية وأرسى حكمًا قمعيًا دام لعدة عقود. وأيضًا تجربة حكومة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا التي طالما زعمت أنها تحكم باسم العرق الأبيض، حتى أنهى نضال الشعب الأسود ضد الفصل العنصري هذا النظام الجائر.
وفي النهاية، ما من سلطة استبدادية استطاعت البقاء إلى الأبد. فالعصابات التي تستولي على السلطة بالقوة والقمع، تظل محكومة بزمنها، وحينما تبدأ الحقيقة في الظهور وتتفجر الرغبة في التغيير، يكون سقوطها حتميًا.
*إن الشعب، مهما تعرض من ظلم، سيظل في النهاية هو صاحب الحق في تقرير مصيره، ولن يظل مستكينًا في مواجهة الاستبداد إلى الأبد.*
ها قد أتى الفجر يمحو ليلهم ظلمًا
ويكشف الزيفَ عن وجهٍ بُني وهما
خانوا الأمانةَ باسم الدين مرتزقًا
وباعوا الشعبَ للأهواءِ والعدما
سرقوا الأرزاق من أفواه أطفاله
وأوقدوا النارَ في أرواحِ من سُهما
زعموا النقاءَ وهم في السوء قد غرقوا
وما رأينا سوى ظلمٍ لهم علما
لكنّ صوتَ العدالة لن يُقيّدَه
قيدُ الطغاةِ ولو طال المدى زمنا
ستشرق الأرض بالحقّ المبينِ غدًا
وينتهي عهدُ من عاثوا بها ظلما
فالشعبُ أقوى ونورُ الحقِ يرفعه
والباطلُ زائلٌ مهما استفحلا