ذكريات المُتْعِبين

يمنات
فاروق الظرافي
إذا لم تستطع أنْ ترتفع بنفسك إلى مستوى الملائكة فلا تسقط بها إلى مستوى الشياطين.. يعود تاريخ الصورة إلى عام١٩٨٧م لي ولسكرتير وفد الشطر الجنوبي.
في موتمر الإتحاد البرلماني الدولي في نيكاراجوا.. كانت اتعس رحلة في حياتي من حيث المكان في آخر بقعة من العالم ومن حيث التوقيت حيث صادف انعقاد المؤتمر سياسة ترشيد الإنفاق التي انتهجتها الدولة في ذلك الوقت… حيث خفضوا علينا نسبة من بدل السفر.. ومن حيث رئاسة الوفد.. حيث يقول المثل: في الأسفار تبان مخابر الرجال..
ابتلانا الله برئيس وفد متعجرف.. عنصري.. متكبر.. مغرور .. لايعجبه العجب ولا الخير برجب… أراد التعامل معي كعبد وليس كمترجم وسكرتير للوفد.. أي غلطة في خطوط الطيران أنا المسئول.. أي تقصير في خدمات الفندق أنا المُلام.. اذا تمازحوا هو وأحد أعضاء الوفد وضحكت من جيز من ضحك.. قامت القيامة.. اقتطع عليه زرار من الشميز في باريس ونحن ترانزيت ليوم واحد يشتينا اخرج نصف الليل اشتري له إبره وخيط يخيط الزرار…
من ضمن المواقف المضحكة أننا كنا في صالة المغادرة بمطار ميامي منتظرين الرحلة إلى نيكاراجوا.. بالصدفة جلس في الكرسي المقابل لرئيس الوفد واحد اجنبي يحمل حقيبة دبلوماسي وكلبة الصغير مربوط بسلسلة ذهبية إلى مقبض الحقيبة.. الكلب من النوع الصغير ذو الشعر الكثيف.. يشبه مانراه في محلات العاب الأطفال.. لاينبح ولايجادم.. فتح الرجل الحقيبة وأخرج منها كتاب يتسلى به حتى موعد الرحلة… ووضع الحقيبة امامه.. والكلب يتحرك ويلعب حول اقدامنا.. وكلما اقترب من رئيس الوفد رفع رجله يشتي يزبطه.. وصاحب الكلب يحس بذلك.. بالأخير قال لي .. كلم صاحب الكلب يبعده من جنبي لاينجس ثيابي..الرجل من خلال تكشيرة وجهه فهم القصد.. وأخرج جواز الكلب من جيبه.. وقال لصاحبنا.. لاتحاول توذي كلبي .. هذا يحمل جواز ومن سلالة عريقة تعود..الى…فصيلة.. كذا.. كذا… وذكر لنا سابع جد للكلب..
واحد من أعضاء الوفد اصر عليَّ اترجم له ايش قال صاحب الكلب… قلت له.. يااخي هجعنا ماانا قادر اتحمل شطحات رئيس الوفد.. وبعد الحاح.. فهمته ايش قال.. واذا به يضحك وينقل الخبر لرئيس الوفد.. واذا به يشطح وينطح.. ليش اترجم.. طيب كيف نفعلك..
تصرفات هوجاء وعبث بقصدٍ متعمد وسابق إصرار جعلني اتصل بأمين عام المجلس وعاد الوفد في ميامي متجهين إلى نيكاراجوا أشكو إليه تعنت رئيس الوفد واستاذنه بالعودة… فقال لي تحمل أنا داري انه متعب.. تحملنا.. وعند العودة اتفاجأ بأنه قام بتقديم بلاغ عني للعميد/محمد عبد الله صالح..قائد الأمن المركزي بحكم أن رئيس الوفد من كبار ضباط القوات المسلحة وقام بتقديم بلاغ بأنني عميل للجنوب.. عاد البلاد كانت شطرين..
قبل الوحده واشار في بلاغه أنه كان يلاحظ ترددي المستمر على وفد الشطر الجنوبي والحديث معهم.. أنا لااعرف/ محمد عبد الله صالح ولاتشرفت بمعرفته لأنني موظف صغير على قدر حالي.. لكن شعرت بأن الرجل مسؤول دولة بما تعنيه الكلمة وذلك من خلال إحالة الموضوع الى القاضي/ العرشي رحمة الله عليه وعلى /محمد عبد الله صالح..حينها القاضي/ العرشي الذي هو..رئيس مجلس الشعب.. أحال الموضوع إلى الأمين العام استدعاني الأمين العام رحمه الله..
وقال ماحصل بينك وبين رئيس الوفد.. كلمته بكل تعنته.. وذكرته باتصالي حين استاذنه بالعودة.. قال شوف إلى اين وصل به الحقد وكلمني عن البلاغ.. قلت له بالنسبة للوفد الجنوبي كنت اتواصل وأجلس دائما مع الأخ/ مصطفى سكرتير الوفد الجنوبي حسب توجيهاتكم قبل السفر انه رجل خبره في الموتمرات وأنْ ارجع إليه في أي استفسار.. قال خلاص خير إن شاء الله.. كانت لجان المجلس تحضر بعد الظهر لمناقشة صياغة بعض القوانين وبعد يومين استدعاني الأمين العام وكان رئيس الوفد حاضر ضمن إحدى الجلسات.. وبدأ الأمين العام يناقشه في الموضوع ويلومه بوجود بعض الأعضاء .. وهنا ثارت ثائرة الأستاذ القدير/يوسف الشحاري رحمه الله… وقال للأمين العام اعتبر هذه التهمة موجهة لي شخصيًا.. لأنني أعرف هذا الشخص ومدى حقده وتعنته.. واضاف بأن رئيس الجمهورية يوجه أي وفد بالتقارب مع وفود الجنوب في اية فعاليات تمهيدا لاتفاقية الوحدة.. وزاد تفاعل مع الموضوع عضو آخر هو الشيخ/ علي عبد ربه العواضي.. أسأل الله أن يمده بالصحة والعافيه.. وقال :روِّح لك ياابني وأي أحد ياتي بيتك او تطلبك أي جهة امنية.. تحرك الى بيتي وانا احميك… قسما بالله لم أكن اعرفه ولا تربطني به أي علاقة .. أما الاستاذ/يوسف الشحاري فكان نائب رئيس المجلس وندخل الى مكتبه من حين إلى أخر..
وهكذا قُرِنَ كِبْرُ وتعجرف ذلك الإنسان بالمهانة والذل وسَحَبْ بلاغه…الله المستعان… وربنا يرحمه ويسامحه .