أرشيف

عائلة يمنية من مشردي الحرب تعيش بمعسكر تابع للأمم المتحدة بمحافظة حجة

يدفع المواطنون اليمنيون من أهالي محافظة صعدة فاتورة الحرب السادسة التي تدور رحاها منذ أكثر من شهر بين قوات الجيش اليمني وأتباع حركة تمرد الحوثي. واضطر السكان للهرب لإنقاذ حياتهم من جحيم الحرب إلى مناطق أكثر أمناً توفرها السلطات في بعض مناطق محافظة حجة القريبة من صعدة، بالإضافة إلى مناطق في محافظة عمران، قبل أن يصل بعضهم إلى العاصمة صنعاء نفسها.

ودفعت الأوضاع الإنسانية المتردية التي تعاني منها معسكرات الإيواء الأربعة المنشأة منذ عام 2004 في عدد من المناطق بمحافظة صعدة والمعدة لاستقبال النازحين المدنيين، الكثير من هؤلاء إلى اللجوء بعائلاتهم إلى مناطق بعيدة نسبيا عن نطاق الحرب. والتقت "الوطن" أعداداً من النازحين الذين تمكنوا من الوصول إلى صنعاء بعد أيام مريرة من الحصار في مناطق مثل ساقين والمهاذر وشدا، وهي المدن التي لا تزال مسرحا لحرب متصاعدة ممتدة منذ ما يزيد عن شهر.

لم يكن أحمد عبدالله أحسن الجباه (في منتصف الخمسينيات من العمر) يرغب في أن يغادر منطقته والذهاب إلى خارجها، لأنه مرتبط بالأرض لكن الحرب أجبرته على ذلك. وتمكن الجباه بمساعدة أحد أبناء عمومته من الفرار من منطقته ساقين بعد تصاعد حدة المواجهات في المنطقة ليصل وعائلته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين تتراوح أعمارهما بين 10- 16 عاما إلى مركز مدينة صعدة قبيل أن يغادرها بعد ثلاثة أيام إلى محافظة صنعاء لينتقل بعدها مع أسرته وعدد من العائلات النازحة إلى منطقة متاخمة لنقطة "الأزرقين" حيث تطوع أحد الزعماء القبليين بإيوائهم مؤقتاً. ويقول الجباه " لقد هربت بعائلتي من الموت ولو كنا بقينا في ساقين لما سلمنا لأن الرصاص يطال كل شيء". ويضيف "الحرب أحرقت قلوبنا ومزارعنا وشردتنا والدولة تريد ضرب الحوثيين لكن الحرب تدور وسط بيوت ومزارع، والكثير من العائلات تحولت إلى دروع بشرية". ويروي الجباه بعض ما وصفه بالجرائم البشعة بالقول "لقد قتل ابن أخي وهو شاب عمره 25 سنة وهو جالس يتناول عشاءه وإلى جانبه أخته الصغيرة بعد أن اخترقت رصاصة لوحاً خشبياً وضعه والده كسياج ليحمي النافذة لتصيبه في عنقه وينزف حتى الموت، ولم يتمكن والده من إسعافه لأن القتال كان شديداً في الخارج والمنطقة كلها مغلقة ومثل هذه الجرائم تكررت لدى الكثير من الأسر".

نفس المأساة يعيشها عبدالله الجراهي (44 عاما) والذي يروي تفاصيل قصته بالقول "أمتلك منزلاً ومزرعة صغيرة للفواكه، وقد هربت بعد وصول الحوثيين إلى ساقين واشتداد المعارك بينهم وبين بعض المقاتلين من أبناء المنطقة، لكنني أعيش هنا بجسدي، أما روحي فهي مع أهلي في منطقتي الذين تركتهم وهم عالقون ومحاصرون". وأضاف قائلاً "قلبي على والدتي وأختي وأطفالها وزوجها وهم رفضوا مرافقتنا".

صالح عبده ناصر علي جحيش والذي يملك محلا صغيرا في مركز مدينة صعدة لذبح وبيع الدجاج، يقول إنه نزح فارا من الحرب واضطر للخروج من صعدة. ويضيف "الآن أنا بلا عمل وبلا نقود ولا أدري ماذا حل بالمحل الذي أملكه؟، لقد حاولت العودة، لكن الطريق مقطوع والوصول مرة أخرى إلى صعدة صعب ومحفوف بالمخاطر". ويبدي جحيش تشاؤماً من انتهاء الحرب قريبا بقوله "لا أتوقع أن تنتهي الحرب قريبا لأن الدولة تساهلت مع الحوثيين وأعطتهم فرصة يتجمعون ويعيدون بناء قوتهم، وكان من المفروض أن تضربهم ضربة واحدة فلو كان الجيش حسمها منذ أول حرب لما مررنا بهذا الشتات والخراب الذي نعيشه اليوم".

ويقول عبدالله أحمد سالم يحيى المهذري، وهو من أبناء منطقة المهاذر التي شهدت مواجهات مسلحة ضارية حولت أجزاء كبيرة من المدينة إلى خرائب "لقد دمرت الحرب الخامسة منزلي وسوته بالأرض وقمت بعد حصولي على مساعدة من عمي، والد زوجتي بإزالة الأنقاض وتعمير منزل أصغر من المنزل المتهدم، وبعد هروبي مع زوجتي وبناتي بيومين فقط إلى مركز صعدة ومنها صنعاء علمت أن بيتي دمر للمرة الثانية". وأوضح "لم نحصل على تعويض في المرة السابقة من الدولة ولست واثقا من وعود المسؤولين بأنهم سيعطوننا تعويضاً عن أملاكنا المتضررة، والسؤال هو متى تتوقف الحرب وإلى متى سنبقى مشردين؟".

أما حسن صالح ناصر عبده مقره، وهو من أهالي منطقة شدا المتاخمة لمنطقة مران التابعة لمديرية حيدان مسقط رأس الحوثي، وقد تطوع للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين كمقاتل في صفوف الجيش مقابل وعد بإلحاقه بشكل رسمي في الجيش فيقول "لقد قاتلت مع الجيش في منطقة ساقين التي جند الجيش العديد من شبابها ورجالها كمتطوعين لمحاربة الحوثيين مقابل مبالغ بسيطة، وبالنسبة لي اضطررت لإنهاء مشاركتي في الحرب والنزوح مع بعض معارفي بالتوجه إلى مركز صعدة ثم الانتقال لصنعاء، وقراري لم يكن خوفا من الحوثيين ولا جبنا من الحرب، لكنني أعول والدتي وأشقائي، وقد رأيت شاباً كان بالقرب مني أثناء المواجهات مع الحوثيين يقتل في لحظات، كان يتكلم معي ويضحك ثم فجأة ارتمى على الأرض بلا حراك وحين تفقدته رأيت ثقباً في مقدمة جبينه وعرفت أنه أصيب برصاصة قناص من الحوثيين فتذكرت أهلي وقررت أن أحافظ على نفسي كي لا يضيعوا بضياعي وقتلي.

زر الذهاب إلى الأعلى