نيويورك تايمز .. اليمن الكارثة الاقتصادية
– نيويورك تايمز- روبرت روث/ عين اليمن الاقتصادية
في الوقت الذي تتعمق فيه أزمة اليمن السياسية، البلد بأكمله على شفا انهيار اقتصادي شديد الوعورة، حتى أنه قد يحتاج الأمر من اليمن سنوات ليتعافى منه وجهود مضنية لإعادة بناء المجتمع المفتت.
مشكلة الطاقة
فبعد ستة أشهر وأكثر على التظاهرات الحاشدة والأزمة السياسية، يعاني اليمن- وهو بالفعل الدولة العربية الأشد فقرا، وهو المكان الذي اعتاد أهله على العيش الوعر- يعاني اليمن من انقطاع متكرر لساعات طويلة للكهرباء، ومن تقطع في إمدادات النفط. وخطوط الغاز ، والتي تمتد الآن لأميال في العاصمة صنعاء، تثير المعارك عليها وبسببها، وتشعل المزيد من التظاهرات؛ والكهرباء تتوفر لساعات معدودة في اليوم. وأصبح غاز الطهو ووقود الديزل في حالة ندرة شديدة، وفي ظل ارتفاع أسعار الغذاء بمعدل كبير، بدأ الناس يخزنون المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك الماء.
مشكلة المياه
وأشد ما يعانيه الناس من مشكلات هو نقص المياه. فمنذ أن بدأت الأزمة السياسية في يناير، ارتفع سعر الماء خمسة أضعاف في بعض مناطق اليمن، وعشرة أضعاف في مناطق أخرى. أما المضخات التي كانت تسحب الماء من إمدادات المياه الجوفية، والتي في الأساس تتناقص مخزوناتها منذ عدة سنوات تقبع ساكنة وكأن الحياة فارقتها. لأن وقود الديزل الذي تعمل به أصبح ثمنه باهظا جدا، هذا إن كان متوفرا في السوق. والعاصمة صنعاء على وجه الخصوص هي الأكثر تعرضا لانحسار أو تراجع المياه الجوفية فيها، ما قد يجعلها أول عاصمة في العالم تنضب منها المياه، بحسب رأي الخبراء في البنك الدولي.
تحديات اقتصادية
يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين، والذي تحدث بشرط إغفال هويته، مراعاة للبروتوكولات الدبلوماسية المعمول بها، يقول إن” التحدي الذي هو أكبر من الفوضى السياسية الحاصلة الآن في اليمن هو تحدي الفوضى الاقتصادية”. حتى في حال إن استقر الوضع السياسي، بحسب المصدر الدبلوماسي، ستواجه المعارضة وآمالها في أن تزيد من حجم الاستثمارات الأجنبية في اليمن وفي أن تقضي على الفساد المتفشي هناك، ستواجه عقبات كبيرة وكثيرة، فتلك الآمال لن تتحق في شهر ولا في ستة أشهر ولا حتى العام القادم.
وقد قدر وزير التجارة اليمني هشام شرف قبل شهرين تقريبا أن الأزمة في اليمن كلفت اقتصاد البلاد- حتى ذاك الوقت- قرابة 5 بلايين دولار أمريكي، أو ما يعادل 17 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي لليمن للعام 2009. أما عامر العيدروس، أحد المسؤولين الكبار في الحكومة اليمنية فقد تنبأ في مايو الفائت أن اليمن “على شفا كارثة اقتصادية”.
الدعم السعودي
وما زاد الأمور سوءا هو أن أوقفت المملكة العربية السعودية في أبريل الفائت الأموال النقدية التي كانت تدفعها كمساعدات الى القبائل اليمنية، وهو نظام قديم عمره عقود من الزمان، بحسب ما قاله شيوخ القبائل وما جاء في تقرير صدر مؤخرا عن معهد “شاثام هاوس”، وهو معهد مهتم بالشؤون العالمية مقره لندن. وعلى الرغم من أن هذا النظام كان موضع انتقادات كثيرة لأنه يؤثر على سيادة اليمن، جعل وقف العمل به، وانقطاع المساعدات المالية الكثيرين في اليمن يفتقدون مصدرا لا غنى عنه من مصادر الدخل.
علامات الأزمة
وعلامات الأزمة الاقتصادية تجدها في كل مكان في اليمن. فلقد أغلقت أغلب المطاعم في العاصمة صنعاء أبوابها، بخلاف إغلاق الكثير من المشاريع التجارية و الشركات أبوابها أيضا. أما من ظلت أبوابه مفتوحة من الشركات فيشتكي من أن البنوك ترفض إقراضه المال. وتوقفت أغلب المشاريع والشركات عن دفع المستحقات الضريبية التي عليها للحكومة منذ شهور مضت، بحسب ما قالت غرفة التجارة اليمنية.
نقل الثروات
ويقول أنور عبدالله جارالله، أحد المستوردين اليمنيين، إنه لم يعد بمقدوره الحصول على الدولارات الأمريكية من البنك، وكل شركائه الدوليين في تجارة الاستيراد خاصته يريدون أموالهم مقدما ونقدا، لأنهم قلقون من أن تضيع عليهم أموالهم بسبب ما يجري في اليمن.
أيضا، نقل الأجانب في اليمن والأثرياء من أبنائه ثرواتهم الى خارج اليمن، ما أجبر البنك المركزي اليمني على أن يحاول بشتى السبل الحفاظ على ما لديه من احتياطات النقد الأجنبي، وهذا بدوره أدى الى انهيار قيمة الريال اليمني كثيرا. وفي السوق السوداء وصل سعر الدولار الأمريكي الى أكثر من 250 ريالا يمنيا، بعد أن كان بقرابة 217 ريالا يمنيا، قبل أكثر من شهرين.
الريال اليمني
ويقول الاقتصاديون إنه إذا زادت قيمة الدولار الأمريكي عن ما يعادل 300 ريال يمني، سيدخل ما نسبته 15 بالمئة آخرين من تعداد سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليون نسمة، سيدخلون تحت خط الفقر، إذًا سيعيش الواحد منهم بأقل من دولارين في اليوم الواحد. وهناك ما بين 40 بالمئة و50 بالمئة من سكان اليمن تحت خط الفقر بالفعل الآن، على الرغم من أن الحصول على بيانات وإحصائات موثوقة أمر صعب في اليمن، لكن هناك بعض الاقتصاديين يقولون إن نسبة من هم تحت خط الفقر أكبر بكثير.
ومنذ منتصف مارس الفائت، عندما تعاونت القبائل اليمنية مع المعارضة وفجرت خط أنابيب نفط وعطلت واحدة من منشأتين اثنتين تنتجان النفط في اليمن، اضطرت الحكومة الى استيراد أغلب الوقود. (المجمع النفطي الآخر مستخدم للصادرات فقط) وهذا بدوره قيد الحكومة اليمنية أكثر، لأنها تعتمد كثيرا على احتياطات النفط لديها وعلى ما تجلبه من ريع لها- وهذه الاحتياطات تتناقص منذ سنوات.
البنك المركزي
وأصبحت الموارد المالية الخاصة بالرئيس علي عبدالله صالح مصدرا دائما للتخمينات، لأنه واضح جدا أن قدرة الرجل على البقاء بقيد الحياة تعتمد على قدرته على دفع المال لمسانديه وأنصاره. وقال أحد المسؤولين اليمنيين مؤخرا إن الكثير من السفراء الأجانب تقربوا منه مؤخرا ليعرفوا ما إذا كان الرئيس أخذ بالفعل احتياطات العملة الصعبة في المركزي اليمني لاستخدامه هو الشخصي. وقال المسؤول اليمني لمن سألوه إن هذا مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة. لكن أغلب الاقتصاديين اليمنيين يقولون إنهم لا فكرة لديهم عن مقدار ما بقي من مال في المركزي اليمني، فهم لا يثقون بأرقام الحكومة.
لقمة العيش
وبالنسبة للفقراء، أصبحت الحياة أسوأ ما يمكن أن تكون، خلال الأسابيع القليلة الفائتة. فمراون غزالي، سائق تاكسي يبلغ من العمر 36 عاما يقول إنه أمضى ثلاثة أيام محاولا الحصول على الوقود لسيارته، لكن الكثير من محطات تعبئة الوقود نضب منها الوقود عندما وصل الى مقدمة طابور الانتظار وجاء الدور عليه. وهو يؤكد أيضا أن “السوق السوداء هي المصدر الوحيد المتوفر فيه الوقود الآن”، لكنه لا يريد أن يشتري الوقود من هناك، “لأنهم يخلطونه بالماء أحيانا.”
صعوبة الحياة
وقالت واحدة من اليمنيات العاملات في إحدى هيئات المساعدات الدولية إن ندرة مياه الشرب همها الأكبر وخوفها الأشد. تقول:” من دون الماء، يبدو كل شيء في المنزل معطلا. فلا يمكنك أن تغسل الملابس أو تغسل الأطباق أو أواني الطهو بعد الأكل أو تناول الطعام، وأنا اخاف كثيرا الآن على المسائل الصحية، فاستخدام دورات المياه أصبح هما كبيرا. وأنا أشعر في أغلب الأحيان أني لاجئة في وطني.”