هذه ليست مجرد جرعة،
إنها أُمُّ الجُرَع كلها.
إنها أكبر وأقسى جرعة في تاريخ الجرع، التي نفذتها الحكومات اليمنية المتعاقبة في إطار “برنامج الإصلاحات الإقتصادية والإدارية وإعادة الهيكلة” وتحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إبتداءاً من العام 1995.
لدينا دزينة جُرَع و”كُسُور”: قرابة 14 جرعة حتى الآن. وكل الجرع السابقة كانت تحمل نسب زيادة بسيطة في الأسعار تتراوح بين 25 و50 بالمئة، ولم يسبق أن تجاوزت هذا السقف الا مرة واحدة قبل سنوات عدة حين بلغت نسبة الزيادة قرابة 70 بالمئة في ظل حكومة باجمال. أما هذه الجرعة فقد حملت لنا نسبة زيادة هي الأكبر من نوعها: زيادة بنسبة 100 بالمئة.
إنها أًمّ الجُرَع بلا منازع..
من أول جرعة وصولاً الى “أمهن” كلهن، كانت الحكومات المتعاقبة تبرر كل جرعة بثلاثة مبررات رئيسية: الأول أنها ضرورية من أجل تحسين الوضع الإقتصادي للبلد وأبنائه، والثاني أنها ضرورية من أجل مكافحة والحد من الفساد المالي والإداري في الدولة، والثالث أنها ضرورية من أجل مكافحة والحد من التهريب.
لكنْ، هل تحقق شيء من الإصلاحات التي تحدثوا عنها كل مرة؟ هل تحسن الوضع الاقتصادي للبلد؟ هل تحسنت أوضاعكم الإقتصادية؟ هل وضعوا حداً للفساد أو حتى خففوا منه؟ هل وضعوا حداً للتهريب أو حتى خففوا منه؟ وإذا لم يحدث شيء من هذا كل مرة، فما الذي سيجعله يحدث هذه المرة؟
منذ أول جرعة، لم تتحقق أية إصلاحات مرافقة لاستراتيجية رفع الدعم عن مشتقات النفط والغذاء، وهو ما أدى الى رَكْل ملايين اليمنيين عاماً بعد عام وبتزايد كبير كل مرة الى تحت خط الفقر.
وفي نهاية المطاف، ما الذي كنا نحصل عليه بعد كل جرعة؟
لم نكن نحصل سوى على:
المزيد من الفقر،
المزيد من الفساد والتهرب الضريبي والجمركي،
والمزيد من التهريب.
كانت الجُرَع السابقة تؤدي الى: زيادة في الأسعار+ زيادة في الفقر+ زيادة في الفساد+ زيادة في التهرُّب الضريبي+ زيادة في التهرُّب الجمركي+ زيادة في التهريب. ويمكننا الإفتراض، من قبيل تقريب الصورة فقط، بأن كل جرعة كانت تفضي الى نسب زيادة في الفقر والفساد والتهرّب (الضريبي والجمركي) والتهريب مكافئة لنسب الزيادة في الأسعار التي حملتها كل جرعة. ويمكننا أن نفترض بالمثل أن أُمّ الجُرَع التي حملت لنا زيادة في أسعار المشتقات النفطية بنسبة 100 بالمئة ستحمل لنا ما يلي:
زيادة في الفقر بنسبة 100 بالمئة،
زيادة في الفساد بنسبة 100 بالمئة،
زيادة في التهرُّب الضريبي والجمركي بنسبة 100 بالمئة،
وزيادة في التهريب بنسبة 100 بالمئة.
أعرف أن هذا افتراض غير علمي، لكنّ هذا لا يعني أنه غير صائب. فالجرعة الأخيرة، التي تستحق فعلاً تسميتها ب”أُمّ الجُرَع”، لن تقود اليمن إلى أي تحسن إقتصادي! على العكس تماماً: المكان الوحيد الذي ستركلنا اليه على الأرجح لن يكون سوى المكان نفسه الذي ركلتنا اليه قبلها كل الجرع السابقة: تحت خط الفقر أكثر فأكثر. والفارق الوحيد الذي حملته هذه الجرعة كما يبدو لي أنها ستشكل فقط الركلة الأقوى والأقسى والأشد ضراوة في هذا الإتجاه، وأنها أتت في ظل أسوأ الظروف وأسوأ الحكومات وأسوأ الرؤساء.
وفي نهاية المطاف، لابد على الرئيس هادي وكافة القوى السياسية المصطفة معه خلف هذه الجرعة التراجع عن موقفهم واصطفافهم هذا وعدم استخدام الحوثي كذريعة للاصرار على موقفهم واصطفافهم الأعمى والأصم.
انسوا الحوثي لوهلة وتذكروا الشعب اليمني: هل تعتقدون أنه سيحتمل هذه الجرعة التي لم تبدأ نتائجها وكوارثها الكبيرة في الظهور على السطح بعد، ولن تظهر غداً أو بعد شهر، بل ستبدأ في الظهور تباعاً مع مرور الشهور والأعوام القادمة.
المرجح لديّ أن “أُمّ الجُرَع” لن تمر إلا على أنقاض أحد إثنين:
الشعب اليمني،
أو هادي وحكومته والمصطفين معه وراء هذه الجرعة ضد الشعب.
ولذا، أعزاءنا “المصطفين الوطنيين” ضد الشعب: أنتم مجبرون على مراجعة موقفكم المؤيد للجرعة، إنْ لم يكن من أجل مصلحة الشعب اليمني فعلى الأقل من أجل مصلحتكم أنتم..
من حائط الكاتب على الفيس بوك