تسريبات بريطانية عن سرقة اسلحة في الاردن.. وتوجيه اصابع الاتهام الى عناصر في المخابرات والاجهزة الامنية
13 يوليو، 2016
300 10 دقائق
يمنات
في الوقت الذي باتت فيه السلطات الاردنية على وشك التعافي من الآثار السلبية للتقرير المشترك الذي اعدته صحيفة “النيويورك تايمز″، مع قناة “الجزيرة” القطرية، عن استيلاء عناصر من المخابرات الاردنية على اسلحة ارسلتها نظيرتها الامريكية (سي اي ايه)، والمملكة العربية السعودية الى الاردن، من اجل تسليح المعارضة السورية، وبيعها في السوق السوداء، ها هي صحيفة “الديلي ميل” البريطانية تنشر تقريرا جديدا عن سرقة ذخائر من معسكر تدريب للجيش البريطاني، اثناء مشاركة 1600 من قواته في مناورة “عاصفة الشمال” التي جرت في شهر آذار (مارس) الماضي، وشاركت فيها قوات امريكية واردنية في الصحراء الاردنية قرب صحراء سيناء.
قام “اللصوص”، وحسب التفاصيل التي اوردتها الصحيفة، بمراقبة مخزن اسلحة الجيش البريطاني لعدة ايام، وسرقوا صناديق ذخيرة تحتوي على 87 الف رصاصة يمكن استخدامها في بنادق امريكية واوروبية متطورة.
المخاوف التي عبرت عنها الصحيفة البريطانية تتلخص في احتمال وقوع هذه الذخائر، التي من المرجح بيعها في السوق السوداء في ايدي “الدولة الاسلامية” واستخدامها بالتالي ضد القوات الامريكية والبريطانية في العراق وسورية، وربما في داخل الاراضي الاردنية.
هذه المخاوف مفهومة ومبررة، ولكنها مبالغ فيها بشكل كبير، فـ”الدولة الاسلامية” استولت على مئات الآلاف من الاطنان من الاسلحة والصواريخ والذخائر والعربات المدرعة كانت متواجدة في مخازن الجيش العراقي، وتخص حوالي 30 الف جندي عراقي عندما اقتحمت مدينة الموصل قبل عامين، ومدن عراقية اخرى مثل الفلوجة وتكريت والرمادي، ومعظم هذه الاسلحة والذخائر المذكورة صناعة امريكية حديثة ومتطورة.
الخطورة ان مثل هذه التسريبات تركز على الاردن، وتحاول ان تسلط الاضواء على وجود ثغرات في مؤسساته الامنية التي تعتبر الاكثر كفاءة بين نظيراتها في المنطقة، حسب اراء الخبراء، رغم تحفظ الكثيرين على بعض ممارساتها ورفضهم لبعض مهامها، ومن بينها التنسيق الامني مع الجانب الاسرائيلي منذ توقيع اتفاقات وادي عربة.
السلطات الاردنية اعترفت بوجود هذه الثغرات واجرت تحقيقات “سرية” موسعة حول هذه السرقات للاسلحة التي كانت موجهة الى المعارضة السورية، واعتقلت المتورطين، وسرحت بعضهم من اجهزتها الامنية، واحالت البعض الآخر الى التقاعد، بينما ما زالت هناك مجموعة من الضباط الكبار خلف القضبان.
تسريب انباء هذه السرقات ليس عشوائيا، ويهدف الى ايصال رسائل واضحة وصريحة الى السلطات الاردنية بامتداد مافيا الفساد الى الاجهزة الامنية، العصب الحساس في البلاد، التي من المفترض ان تكون حامية للامن، والاصعب على الاختراق، وممارسة ضغوط عليها للبدء في عملية غربلة واصلاحات جذرية لازالة كل ما علق فيها “اورام” وتقيحات، وهي رسائل يجب ان تؤخذ بالجدية والامتنان في الوقت نفسه.
الانباء القادمة من الاردن توحي بأن حملة “تطهير” لبعض مواطن العفن في هذه الاجهزة باتت وشيكة، وان التغييرات القادمة تشمل رؤوسا كبيرة، وقد تعلن في الايام القليلة المقبلة، خاصة بعد انتهاء شهر رمضان، وعطلة عيد الفطر، مثلما كان عليه الحال في حوادث واختراقات مماثلة في السابق.
حوادث السرقات هذه وعلى اعلى المستويات تشكل اخطر انواع الفساد لان نتائجها الكارثية تلحق اساءة بالغة بالاردن، وتهز الثقة في مؤسساته الامنية، سواء ثقة المواطن، او الدول الغربية، ولذلك يجب على صاحب القرار التعاطي معها بكل شفافية، والضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين المتورطين فيها في الوقت نفسه، بغض النظر عن رتبتهم او ارتباطاتهم العائلية والعشائرية، لان الوطن هنا هو المستهدف.
“الدولة الاسلامية” المكتفية ذاتيا بالاسلحة والذخائر بسبب ما حصلت عليه من مخازن الجيشين العراقي والسوري في المدن التي سيطرت عليها في ذروة تمددها، لا تجد ضررا في اضافة اسلحة وذخائر جديدة الى ممتلكاتها، كما ان اسواق تجارة السلاح السوداء والبيضاء باتت رائجة في المنطقة، بسبب وجود اكثر من خمس دول فاشلة او شبه فاشلة فيها، وتجار السلاح يتربحون ويحققون مئات الملايين من الدولارات، تضاف الى حساباتهم، لكن المشكلة تكمن في الزج بالاردن وسمعته وامنه فيها وبهذه الكثافة، الامر الذي يطرح العديد من الاسئلة حول هذه التسريبات وتوقيتها.
الرأسمال الحقيقي للاردن هو امنه، واستقراره، والتعايش بين الفسيفساء العرقية والطائفية والدينية والعشائرية على ارضه، ويبدو ان هناك جهات داخل الاردن وخارجه تريد نسف هذا التعايش، وتفكيك هذه الفسيفساء بطريقة او باخرى، الامر الذي يتطلب تعاطيا واعيا وحازما ومختلفا.