طالبت حكومة أحمد عبيد بن دغر، الأسبوع الماضي، صندوق النقد الدولي بتجميد حسابات البنك المركزي في الخارج البالغة 2,1 مليار دولار، وعدم التعامل مع محافظ البنك المركزي محمد عوض بن همام.
وبررت الحكومة تلك المطالب ــ التي تنذر بتوقف واردات البلاد من الغذاء والدواء والوقود ومفاقمة الأوضاع الانسانية ــ بـ«صرف البنك المركزي من الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصلحة أنصار الله»، متهمةً محافظ البنك مجدداً بعدم الحياد، وهو ما سبق أن نفاه البنك حين أكد تعامله مع الجميع على مسافة واحدة، ومشيراً إلى أنه «يؤدي مهامه في إطار السياسة النقدية بمهنية تعززها ثقة النظام العالمي به».
وتزامنت مطالب حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الهادفة إلى تجميد حسابات البنك المركزي مع تصدير أول شحنة نفطية من نفط المسيلة من ميناء الضبة النفطي في حضرموت، قدرُها ثلاثة ملايين برميل إلى الأسواق الدولية وتوريد عائداتها المالية إلى حساب البنك المركزي اليمني تحت إشراف صندوق النقد الدولي الذي سبق أن رفض مطالب للحكومة بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
كذلك، جاءت اتهامات حكومة هادي متناقضة مع التقرير الفصلي للبنك الدولي الصادر أواخر الأسبوع الماضي.
هذا التقرير أشار إلى أن الاحتياطات النقدية للبنك المركزي اليمني لا تزال في «الوضع الآمن» رغم تداعيات الحرب والحصار، إذ كشف البنك الدولي أن الموجودات الخارجية للبنك المركزي لا تزال فوق ملياري دولار رغم ارتفاع الضغط عليها وانخفاض عائدات اليمن من العملات الصعبة، جراء توقف صادرات النفط وتوقف تدفق المنح والمساعدات والقروض الدولية.
ولفت تقرير البنك الدولي إلى زيادة عجز المالية العامة إلى 11.4% من إجمالي الناتج المحلي عام 2015، مؤكداً إرتفاع اجمالي الدين العام من 22.1 مليار دولار في 2014 إلى 25.9 مليار في 2015، ليصل إلى 94% من إجمالي الناتج المحلي، كذلك أشار إلى أن البنك المركزي يموّل العجز بإصدار سندات «أذون خزانة».
وأثارت مطالب حكومة هادي موجة تحذيرات من قبل رجال أعمال وخبراء اقتصاد، البعض منهم موالون لـ«التحالف»، معتبرين تلك المطالب انتقامية وغير معقولة، نظراً إلى تداعياتها الكارثية على الشعب اليمني الذي يعيش في ظل ظروف إنسانية صعبة، فيما اعتبرها آخرون من ضمن المساعي السابقة التي لجأت إليها حكومة هادي، ومنها توجيه المحافظات الجنوبية إلى فك الارتباط مالياً مع صنعاء، إلا أن صندوق النقد الدولي وقف ضد تلك الخطوة وأجبر حكومة هادي على التراجع عنها، وتوريد كل إيرادات الدولة في حسابات البنك المركزي في المحافظات.
وتأتي التهديدات المالية في ظل استمرار أزمة السيولة المالية في السوق المحلي وفي القطاع المصرفي، جراء تعرض الكتلة المالية لسحبٍ منظم من قبل «التحالف» والموالين له، ونقل مليارات الريالات إلى الأراضي السعودية، إضافة إلى توقف حركة الأموال بين المحافظات الخاضعة لـ«أنصار الله» والمحافظات الجنوبية بتوجيهات من قبل حكومة هادي، في محاولة لإيصال البنك المركزي إلى حالة العجز الكامل عن صرف مرتبات موظفي الدولة الذين يشكلون 22% من إجمالي القوة العاملة في البلاد.
وما ضاعف من أزمة السيولة المالية هو عجز البنك المركزي عن إصدار نقدي جديد في ظل الحصار، الأمر الذي تسبب في استمرار أزمة السيولة التي دفعت محافظ البنك المركزي إلى توجيه فروع البنك في مختلف المحافظات إلى اعتماد صرف المرتبات الأساسية فقط واستثناء ما جاء في حكم المرتبات في الباب الأول للموازنة. هذا الإجراء أدى إلى توقف مصادر دخل عشرات الآلاف من الموظفين العاملين بالأجر اليومي، وتوقف الموازنات التشغيلية للمستشفيات والأجهزة الحكومية الخدمية، وهو ما دفع عدداً من مؤسسات الدولة الى الإضراب عن العمل بعدما تم توقيف صرف الأجور لأشهر.
الضغط بالورقة الاقتصادية على صنعاء لتحقيق أهداف سياسية عجزت القوة العسكرية عن تحقيقها، لم يستخدم من قبل حكومة هادي فقط، إذ إن أطرافاً دولية لوّحت باستخدامها في إطار مساعيها لفرض حلول غير عادلة في مفاوضات الكويت. وقد أكد مصدر مقرّب من وفد صنعاء في المحادثات أن السفير الأميركي في اليمن ماثيو تولر لمّح لوفد «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام» بأن الدول الـ18 ستتخذ إجراءات اقتصادية جديدة على صنعاء في حال فشل المحادثات.