عندما يكرر التاريخ نفسه .. 13 يناير
يمنات – صنعاء
“يمنات” تعيد نشر مقال الكاتب عمر الجاوي، والذي تم نشره في افتتاحية (الحكمة)، العدد “134” – يناير 1987م، حيث توقع فيها بقاء الازمة بسبب تجارب عمرها ربع قرن من تاريخنا المعاصر وتجاوز الشرعية للاجراءات والقوانين والقرارات وكذلك بسبب منع النقد وحجب الحريات وضرب الديمقراطية حتى داخل التنظيمات نفسها والغاء التحالفات الوطنية وغيرها من التجارب في مرحلة هي مرحلة النهوض الوطني لليمن بكامله.
عام 13 يناير
عمر الجاوي
الغريب في امر كارثة 13 يناير 1986م التي مورست في عدن انها وبعد عام من حدوثها لم تثبت لدى الكثيرين مسألة عدم السماح بتكرارها.. وعلى العكس، تبدو على وجوه الناس سمات الاصرار على توقع الكوارث والتهيئة لها، كما لو اننا في اليمن نستهجن او نخجل من صنع واحدة فقط، وان المعالجة غير مطروحة إلا في حدود.. ” وداوني بالتي كانت هي الداء ” .
منتهى التشاؤم هذا الاحساس وحتى الكتابة في الموضوع مباشرة، لان هذا في حد ذاته دفع بالناس الى المزيد من ارتكاب الاخطاء والاخطار، وان التفاؤل- طريق الكوارث طبعاً- هو الذي يجب ان يسود الى ان تحصل ” والانسان لايعيش مرتين ” و ” خليها تحبل بربح ” .
إذن كيف يكون المسار؟ ونحن لا نتوقع فحسب وانما ايضا نعمل من اجل ان يصبح هذا التوقع حقيقة لامراء فيها؟
ان سؤالا آخر يطرح نفسه امامنا.. من اين اتى هذا الأحساس المتشائم؟
وببساطة جاء هذا الاحساس من طبيعة الحلول المطروحة في الميدان اليمني، ومن اخفاء الاسباب الكامنة وراء الاعداد لمثل هذه المسلسلات التي لم تنته بعد في تاريخنا الحديث. لان الاسباب التي تطرح للناس لا تتجاوز التسطيح للمسألة واهمها وفي كل الأحوال- الحاكم السابق- ولم نسأل انفسنا، لا بالحق ولا بالباطل، هل كان هذا العبث من صنع انسان او افراد؟ ام ان التركيبة القائمة في حياتنا تحتاج الى تصحيح، ببسالة الذي يملك حق؟
ولا نعدو الحقيقة اذا ما اوعزنا الجزء الاكبر للصراع القائم في بلادنا الى تجزئة الوطن وقواه الوطنية وانعدام الديمقراطية، ولكنا نحتاج الى تشخيص وافي لهذا الاطار الواسع.
لندخل في صلب الموضوع، كل الذي جرى من انتكاسات وكوارث في بلادنا لها سببها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتنظيمي، الذي لا يسمح بمسه، وكما لو انه شيء مقدس، لم نسمع الى يومنا هذا ان القرار خطأ او القانون او النظام، لان بعض المتصارعين قد اتفقوا على تبادل المواقع في هذا الاطار وهم يعرفون مقدما ان كثيرا من الاجراءات خاطئة وانها السبب في الكوارث، ولكنهم يعرفون ان تغييرها يعني الاستقرار والامن الذي يعطل الطموح نحو تبادل المواقع.
وإلا ماذا يعني عدم الدخول في صلب القضية الوطنية اليمنية ووضعها في اطارها التاريخي ووضع برنامج وطني لها؟.
التشاؤوم الذي نرى، لم يكن نبتا شيطانيا او اختلاقاً لا مبرر له، انه نتاج تجارب عمرها ربع قرن من تاريخنا المعاصر…
وبالتحديد منذ هربت التنظيمات الوطنية في البلاد من مواقعها وتخلت عن اهدافها الوطنية ببرامج اقل ما يقال عنها انها خارج المرحلة وشطرية.
ومنذ ان خرقت الشرعية وتجاوزت الاجراءات والقوانين والقرارات ومنع النقد وحجبت الحريات وضربت الديمقراطية حتى داخل التنظيمات نفسها.
ومنذ الغيت التحالفات الوطنية، وساد التحالف الشخصي او القبلي او ” المناطقي ” او الطائفي والسلالي في مرحلة هي مرحلة النهوض الوطني لليمن بكامله.
ومنذ ان حل الحاكم بديلا للنظم والقوانين والتشريعات دون معارضة واسعة على نطاق الجماهير وتنظيماتها.
ومنذ ان انتهجنا اسلوب تغيير الحاكم فقط دون القاء نظرة على الذرائع والاسباب التي صنعت منه متجاوزاً، ولم نضع ولو في مرة واحدة وبعد مسلسل التغييرات، لم نضع يدنا على الداء العضال للمعالجة والتي لا تخرج عن نطاق العودة الى اهداف المرحلة ومراجعة كل القوانين والاجراءات المخالفة لها، والتي كانت وظلت ولازالت السبب الأول للنكبات المتكررة.
وبوضوح تام نحن ندعو الى مراجعة كل ماهو قائم في حياتنا اليمنية وفي كل النواحي حتى نتمكن من وضع الصيغة الوطنية لاهدافنا المرحلية التي على رأسها توحيد القوى الوطنية على ضوء برنامج محدد يؤدي الى وحدة الوطن كقضية اولى، واعتماد الديمقراطية اسلوباً فاعلا لكل المعضلات القائمة.
وبعد عام من كارثة 13 يناير وسقوط الآلاف من الشهداء وتدمير امكانات وطنية ليست بسيطة على نطاق الحركة الوطنية اليمنية كلها، ألا يستحق الوطن منا التفاتة المراجعة الجادة، ام اننا خلقنا هكذا لنكون في آخر قائمة التعساء في البلدان النامية؟
يقيننا انه مالم يتم ذلك فالازمة قائمة ومحركو الكوارث بالمرصاد .