الدولة الدينية والدولة المدنية
يمنات
صالح هبرة
يتم إنشاء الدول لخدمة شعوبها وتوفير عيشة كريمة لمواطنيها، ولم تبن دول إلا على هذا الأساس، ومن ذلك المنطلق ترى الشعوب أنها من تملك حق الرقابة على مسؤولي الدولة ومحاكمتهم وعزلهم؛ لأن الدول ليست سوى هياكل إدارية لتوزيع المهام بما يحقق خدمة الشعوب، وهذا معنى دولة مدنية أي: (دولة من أجل الشعب). والدولة إنما هي كما قال الدكتور أحمد شرف الدين: شخصية اعتبارية لا يصح أن توصف بدين ولا يصح تديينها.
لكن دعاة (الدولة الدينية) يرون أن الدولة ليست لخدمة الشعب، وإنما على الشعب خدمتها من حيث كونها مسألة دينية كالصلاة والصوم يجب إقامتها طاعة لله والإنفاق في سبيل إقامتها بالمال والنفس واجب ديني والله هو من يجازي الإنسان على ذلك بالثواب الأخروي.
ولهذا فإن الخلاف بين الدولة المدنية والدولة الدينية جوهري.
فدعاة (الدولة المدنية) يعتبرون أن الدولة جهاز إداري لا علاقة له بالدين، مهمتها تقتصر على خدمة الشعب وإدارة شؤون الناس في واقع الحياة، وأن الشعوب مخولة في أن تضع لها نظاما إداريا وفق ما تراه يصلح لها ويرتب شؤون حياتها، والدين يبقى للشعب، أي يكون دور الدين في ظل الدولة المدنية هداية الناس وبناء أمة وتقديم النموذج كما كان دور الأنبياء، إذ لم يثبت أن أحدا من الأنبياء دعا لبناء دولة.
أما بالنسبة لدعاة الدولة الدينية:
فيعتبرون الدين للدولة، والدين من يحدد دورها وشكلها، الذي يتمثل فيما يراه الحاكم.
فيضفون على الحاكم قداسة الدين عندما أصبح على رأس السلطة، وجعلوا طاعته من طاعة الله، بل قد جعلوا للحاكم صلاحية أوسع من صلاحية الأنبياء، فلا يوجد ما يقيد الحاكم باسم الله، بينما النبي كان الله يمنعه بالوحي: (ولا تكن للخائنين خصيما) (لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا).
ولأن الحاكم أصبح مقدسا دينا؛ فإنه من يفصِّل الدولة وفق مزاجه، وتصبح تصرفاته كلها مقدسة.
ولأن الدولة أصبحت دينية مقدسة؛ فإن على الشعب دعمها ومساندتها بالمال والأنفس كونها أصبحت قضية دينية كالصلاة. والله من يجازي الشعب على مواقفه تلك بالثواب الأخروي، فالشعب لدى الدولة الدينية للدولة ولا يوجد في برنامجها خدمة للإنسان كإنسان إلا بقدر ما يخدم هذه الدولة وهذا التوجه، ولهذا فالدولة الدينية ترى أنها غير ملزمه للشعب بأي حق. وإنما الشعب ملزم بكل حقوق الدولة.