كلفة بقاء الانظمة لسنوات طويلة
يمنات
أ. د فؤاد الصلاحي
في كثير من المجتمعات منها الجمهوريات العربية بقاء الأنظمة سنوات طويلة له كلفة اقتصادية وبشرية وتنموية عالية، تخصم من حاضر ومستقبل البشر ومجتمعاتهم، وتغييرها له كلفة مضاعفة في نفس الابعاد والدلالات، لأن تلك الأنظمة لم تكن قائمة على اطر مؤسسية تدير الشان العام بشفافية ووفق القوانين، بل بنت شبكة من العلاقات ضمن مجموعات بيزنس ومخابراتية وجهوية مع رموز من الإدارة البيروقراطية، تتغلغل في مختلف المؤسسات وعمق المجتمع، مما يجعل من التغيير عملا دونه صعوبات وكوابح، لأن هذه المجموعات تنسق مع بعضها لتعيد انتاج حضورها في المسار التغييري وفق خطاب اعلامي، لانها تمتلك المال وتشتري المتحدثين باسمها.
من هنا لايتحقق التغيير سريعا للأسباب السابقة ولضعف كبير في فعل التغيير، وأحيانا يتم استقطاب مجموعات من الشباب والسيدات والمجتمع المدني ليكونوا واجهة للمجموعات السابقة وتقديمهم كدليل للتغيير.
هذا الامر واضح في اليمن وليبيا ولبنان والسودان ومصر وتونس، واليوم يتكرر تدريجيا في سوريا… فالتغيير لا يجب ان يقف عن النقطة الاولى بهروب راس النظام او تصفيته، بل بادارة جيدة للمؤسسات العمومية وفق مصالح المجتمع، واعتماد خطاب تغييري وحشد قوى التغيير في اطار تنظيمي.
وهنا يتم بناء نظام جديد بقوى التغيير وليس بالقوى القديمة، خاصة وان مجتمعاتنا ليس فيها تقاليد العمل المؤسسي، ورسوخ تقاليده.
وما حدث في كوريا الجنوبية من عزل البرلمان للرئيس وخضوع الاخير لقرار البرلمان لا نجد مثلا له في اي مجتمع عربي أو غالبية دول العالم الثالث، خاصة في افريقيا، ونحن نعرف كيف تمت العودة الى الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر ودول اخرى.
والاشكالية تكمن في ان بناء الحداثة السياسية ممثلا بالدولة المدنية لايزال ضعيفا في ابنيته المؤسسية وثقافته وتقاليده، وجميع النخب والمجموعات تعمل ضمن تشكيلات زبائنية وفق نهج المحاصصة والغنيمة والمرجعيات التقليدية كتأطير للدعم والمساندة مع الارتباط بالخارج.
حدث التغيير بسهولة في الدولة المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، عدا دولة واحدة دخلت حربا وقسمت الى خمس جمهوريات، وهي يوغسلافيا، وظهرت منها كرواتيا وصربيا والجبل الأسود والبوسنة.
وتم التحول في اوربا الشرقية الى الراسمالية والديموقراطية دونما حروب، بل صراعات سياسية وحزبية، لان جميعها كان فيها طبقة وسطى عريضة ونقابات عمالية ذات قيادات واعية، ورموز البيروقراطية مع كبار القادة عسكريا وامنيا دعمت التحول السياسي.
وتتميز التغييرات في اوربا الشرقية ان حلف الناتو وامريكا دعموا هذه التغييرات، ولم يقفوا ضدها مثلما فعلوا في المجتمعات العربية والافريقبة..(من الطرافة بمكان يقول البعض مبررات عدم وجود انقلابات في امريكا، لانه ليس هناك سفارة لامريكا داخل واشنطن).
في مجتمعاتنا العربية التحول السياسي دونه معوقات داخلية ترتبط ببنية المجتمع وثقافته وضعف فاعلية البديل السياسي، وتشتت وانقسام داخل القوى الحداثية، مع تدخل واضح للخارج الاقليمي والدولي في إعاقة اي تغيير سياسي، بل يتحكمون في مساره وترتيباته.
وفي هذا السياق لا احد يتوقع ان تنجح التغييرات في سوريا سريعا، بل ستظهر مجموعات للنظام السابق مدعومة من اطراف شتى، مع حضور دول اخرى تفرض مصالحها مباشرة مثل تركيا وامريكا باعتبارها راعية المصالح الاسرائيلية ولاتزال روسيا حاضرة في ذات المشهد وفق ترتيبات جديدة.
ثم هناك امر اخر يتجلي في غياب التوجه العام للقوى الجديدة من مدنية الدولة، خاصة وان سوريا بلد متعدد اجتماعيا وطائفيا وجهويا..!
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا